"الذكرى الرابعة: توفت أم وهي تبحث عن فلذة كبدها خلف قضبان الحوثيين"

بدر سلطان
الثلاثاء ، ١٣ مايو ٢٠٢٥ الساعة ٠٥:٤١ مساءً

 

تمر اليوم الذكرى الرابعة لرحيل "حياة"، أمي التي غادرت الدنيا وهي تنتظر لقاءً واحدًا معي ، أنا الذي خطفتني مليشيا الحوثي الظلامية من بين ذراعيها، لتحرمها حتى من عناقي ووداعي، وحرمتني من سماع نبأ وفاتها خلف القضبان. 

 في زاويةٍ من زوايا الذاكرة، يحمل قلبي جرحًا لا يندمل، وذكرى لا تُنسى. كان رحيلٌ بلا عناق.. وجرحٌ بلا عزاء. 

لم تكن "حياة" أمي مجرد أم عادية، بل كانت رمزًا للصمود: مرضت، وضعفت ولكنها لم تمل من زيارتها لي ، ولم تتوقف عن السؤال عني في زنازين المليشيا. أنفقت كل ما تبقى من عمرها وصحتها وهي تطرق الأبواب المغلقة، تُناشد كل من يعرف سبيلًا لإعادتي وخروجي، لكنها رحلت قبل أن يتحقق، يقول أخي: "كانت تُحملق في نافذة الباب كل صباح، كأنها تنتظر معجزةً تُعيد أخي بدر، حتى أطفأ الحزن قلبها". 

رحلت دون أن تعرف مصيري، ودون أن تروي عطشها إلى رؤيتي ولو لمرة أخيرة.  

 

أما أنا "سُجنتُ ظلمًا لست سنوات، وحين خرجت إلى عالمٍ بلا أم، علمت أنهم لم يمنعوني من رؤيتها فحسب، بل أخفوا خبر رحيلها عني لأشهر. كان عقابًا قاسيًا لأنني رفضت الخضوع لتهديداتهم".  

المليشيا.. سجانة الأحلام واللقاءات، مارست معي أشد قسوة، لم تكن مجرد حرمان من الحرية فقط، بل كانت معركةً لتحطيم الروابط الإنسانية الأقدس. فبينما كنت أعذب في زنزانة مظلمة، كانت أمي تُعذّب في سجن الغياب. التقارير الطبية تُشير إلى أن تدهور صحتها كان مباشرًا نتيجة الصدمات النفسية المتلاحقة، وفقدان الأمل بخلاصي من السجون، الذي تحوّل إلى شبحٍ يطاردها في أحلامها.  

 

ذكرى الألم.. ذكرى المقاومة أيضًا

رغم مرور أربعة أعوام، لا أزال أحمل صورتها في قلبي كشعلةٍ تُضيء ظلمات السجون عندما كنت هناك. "أعلم أنها لو كانت هنا لرفضت أن أتحوّل إلى رقمٍ في سجل الانتقام، بل تريدني أن أكون صوتًا للحقيقة". اليوم، أروي قصتها ليس كنوعٍ من البكاء على الماضي، بل كمحاولةٍ لكسر جدار الصمت حول آلاف الأمهات والأبناء الذين تطحنهم آلة القهر.  

 

 عندما يُسرق الحزنُ من أصحابه

رحلت "حياة" أمي دون عناق، لكنها تركت خلفها سؤالًا عن إنسانيةٍ تتهاوى تحت أقدام العنف. ففي عالمٍ يُحاصَر فيه الحبُّ بالموت، واللقاءاتُ بالرهائن، تبقى ذكراها تذكيرًا بأن بعض القلوب لا تُسجن، وبأن الظلم، مهما طال، لن يمحو حق الأم في عناقٍ أخير، أو حق الأبن في دموعٍ تسبقها يدٌ حانية تُمسحها.

-->
الحجر الصحفي في زمن الحوثي