في شوارع عدن التي كانت يومًا أيقونة للفرح، تعبر الرياح بصمت ثقيل، وكأنها تهمس بحكايات عن خيبة المدن المحررة. هناك، بين الأزقة المهملة والشوارع المكسوة بالغبار، تتنفس الأرض كأنها شخصٌ أثقلته الجراح، يبحث عن نسمة حياة في أفق مسدود.
ما أشبه هذه المدن بروحٍ حرةٍ أسيرة، كلما حاولت الوقوف، عادت أقدامها لتغرق في رمال الإهمال. خيوط الشمس تسقط كل صباح على البيوت، لكنها لا تملك دفء الحياة، فالظلام ليس مجرد غياب للنور، بل هو واقع يزحف بخبثٍ ليغمر القلوب قبل أن يغمر البيوت.
في هذه المدن، الأمل يشبه قنديلًا قديمًا يترنح بين النور والانطفاء.
تتسابق الأزمات في اجتياح الحياة اليومية، انقطاع الكهرباء، شح المياه، وانهيار الخدمات، كأنما تحالفت هذه المصائب لتقول للناس: “لا مفر من الظلام.” ومع ذلك، تلمح في عيون الناس شيئًا غريبًا، كبصيص نارٍ في ليلة عاصفة، لا ينطفئ رغم كل هذا الانهيار.
المناطق المحررة ليست مجرد أرض استعادتها البنادق، إنها روح أُعيدت إلى جسدٍ بلا نبض.
كان الحوثي في أضعف حالاته، كثعلبٍ جريح تهاجمه الأقدار من كل جهة، لكننا أخفقنا في توجيه الضربة القاضية. بدت الفرص وكأنها عصفورٌ صغير أفلت من أيدينا، تاركًا خلفه سؤالًا حارقًا: لماذا ضاعت اللحظة التي كان يمكن فيها قلب المعادلة؟
في الوقت الذي تتزايد فيه المعاناة، تبدو الشرعية كقافلةٍ في صحراء شاسعة، فقدت بوصلة الاتجاه. القيادة تبدو مشتتة، تصارع في كل اتجاه إلا الاتجاه الصحيح. أما الشعب، فهو كالناجي الوحيد من سفينة غارقة، يسبح بين الأمواج المتلاطمة بحثًا عن خشبةٍ تنقذه من الغرق.
لكن رغم كل شيء، التاريخ لا يرحم ولا ينتظر.
اليمن اليوم ينادي ابناءه، ليس ليكونوا متفرجين على مأساته، بل ليكونوا صنّاعًا لمستقبله. هناك حقيقة واحدة يجب ان يدركها الجميع: الظلام، مهما طال، لا يمكنه ان يطفئ نور الشمس. والأمل، مهما ضعف، يمكنه ان ينهض بأمةٍ بأكملها إذا وجد من يحييه.
إنها معركة ليست فقط لاستعادة الأرض، بل لاستعادة الروح. معركة لإعادة بناء وطنٍ كان وسيظل جديرًا بأن يُحترم. دعونا نبدأ من حيث نحن الآن، على هذا الركام، ونبني جسورًا تقودنا إلى الغد.
فالحرية ليست قصة تكتب في لحظة، بل هي إرادة تصنع كل يوم. واليمن، الذي أنهكته الجراح، لن يستعيد كرامته إلا بيد ابنائه. فلننهض معًا، مهما كانت الظلال ثقيلة، ومهما كان الطريق طويلًا. لأنه في نهاية كل ليل، هناك فجر ينتظر أن نصنعه.
-->