سوريا وحلب منها في القلب
سوريا عمومًا، وحلب تحديدًا، لها مكانة خاصة في القلب والوجدان. درستُ في حلب، ووجدتُ أهلها الطيبين المنتجين الكرماء، الذين لا يستحقون إلا الخير والأمن والاستقرار والنماء.
كل الأمنيات أن تخرج سوريا منتصرة من صراع المتصارعين فيها، وأن يتحقق لها السلام والاستقرار، فهي رأس رمح عروبتنا وقوميتنا. حلب، لؤلؤة الشام بشهبائها، جامعتها، حدائقها، وقدودها، تسكن أرواحنا. أمنياتنا أن تستعيد حلب مجدها وعزها؛ فبمعاناتها تزداد معاناتنا.
من المستفيد؟
إذا أردتَ أن تحكم على حدث ما، فابحث عن المستفيد!
ما قام به بشار الأسد، وحزب الله اللبناني، والحوثيون من إجرام وغيرهم ممن ارتكبوا جرائم في أي بقعة من وطننا العربي، لا يسقط بالتقادم ولا يمكن تبييضه بمواقف من بعض القضايا كدعم غزة مثلًا، غير أنه يكفي أنهم حاولوا وضحوا بقاداتهم. ومع ذلك، لم تتحقق أهداف الدعم؛ فلا تزال غزة تُباد، ولا يزال الحصار مطبقًا، والجوع يُستخدم كسلاح إبادة.
لكن، اللوم والنقد الأكبر للمتفرجين الساكتين المتخاذلين المنتقدين والمثبطين.
إيران، التي طالما رفعت شعار "محور المقاومة"، أظهرت ضعفًا في منتصف الطريق؛ ربما تعرضت للتهديد، فتراجعت. وكان لتراجعها أثر واضح؛ إذ شهدنا اتفاقًا مذلًا بين لبنان والكيان الصهيوني، لم يلتزم الكيان بمراقبة اللجنة الخماسية المشكلة، وإنما يخرق الاتفاق كل يوم بحجة تطبيقه. اللجنة الخماسية تضم اليوتيفل ولبنان ودويلة إسرائيل وفرنسا وأميركا، وتترأس اللجنة أمريكا "الشيطان الأكبر"، بحسب محور إيران. وبمجرد سريان الاتفاق المخترق صهيونيًا كل يوم، فجأة رأينا دخول المعارضة السورية حلب وكأنه تسليم، إذ انهار الجيش العربي السوري بشكل كامل، وتوالت الانهيارات في حماة واتجهت فصائل المعارصة نحو حمص وهناك مجاميع تحركت في درعا والسويداء.
عدم التصدي استفهام؟ وعدم استهداف وتعطيل التحركات استفهام آخر؟.
كأن القصة فيها ما فيها، وقادم الأيام ستتضح المؤامرات والحقائق. وكأن الاتفاق الذي فرضته واشنطن على لبنان وحكومة نتنياهو أحد أثمانه ما يجري في سوريا، وتُركت غزة تواجه مصيرها وحيدة.
سوريا.. ساحة صراع مصالح
المعارضة السورية، التي تمكنت من السيطرة على مدن سورية عدبدة وانهيار الجيش العربي السوري في بعض المحافظات المهمة، لم تكن لتحدث دون دعم خارجي.
المشكلة في سوريا هي أكثر تعقيدًا بسبب التحالفات المتناقضة: دول كتركيا، إيران، روسيا، وواشنطن تستخدم سوريا لتحقيق مصالحها الخاصة، متناسية معاناة الشعب السوري.
فالصراع في سوريا تجاوز كونه نزاعًا داخليًا ليصبح ساحة مفتوحة لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية أو رسم المنطقة من جديد بناءً على ما ستسفر عنه أحداث سوريا.
الوضع أصبح معقدًا: "تركيا، إيران، موسكو، وواشنطن"، مع مجنديهم، يقتلون ويتقاتلون على الأرض السورية، بينما يُنسقون فيما بينهم لتحقيق مصالحهم الخاصة.
في المقابل، كيف لعاقل أن يتفهم تحول المقاومين من الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة (جنوب لبنان) إلى وسط حمص أو غيرها داخل الجمهورية العربية السورية؟ أيصدق أنهم سيكونون بنفس المعنويات! أمر محير ولا يُصدق!
إن الاقتتال في سوريا يستفيد منه الكيان الصهيوني بدرجة أساسية، وقد يحقق مكاسب على الأرض. وعليه، ستلاحق تركيا وإيران وكل نظامنا العربي الرسمي وكل الميليشيات المسلحة، سواء كانت سنية أو شيعية، لعنة التاريخ، والخزي والعار والمسؤولية. ويتحمل اللوم الكبير القوميون العرب الغائبون والصامتون.
دويلة إسرائيل.. المستفيد الأكبر!
الكيان الصهيوني، الذي كان يخشى تهديدات وجودية بسبب تعدد الجبهات ضده، أصبح اليوم المستفيد الأكبر من الصراع. تلاشت الجبهات المعادية بعد الاتفاق الأخير بين لبنان والكيان الغاصب.
الجبهات السبع قد تبخرت. أصبحت حكومة نتنياهو تقف متفرجة، تراقب المتقاتلين في سوريا، مستفيدة من الوضع. فاستغل الكيان الصهيوني الوضع لتثبيت احتلاله لغزة والمستوطنات في الضفة الغربية والجولان، وربما أبعد من ذلك، في دمشق والعراق واليمن وإيران. حصلت على فرصة لترسيخ نفوذها الإقليمي على حساب العرب والمسلمين إذا استمر المتصارعون بنفس الوتيرة والعقلية.
رسالة إلى محور المقاومة والنظام العربي الرسمي وقواه الحيّة
المطلوب مراجعة المواقف والأولويات وتصنيف الأعداء تصاعديًا مع ضرورة:
1. تحديد العدو الأول: الكيان الصهيوني.
2. توحيد الجهود: لإيقاف عدوانه وحصاره لغزة كأولوية قصوى.
3. فرملة طموحه: في السيطرة على الشرق الأوسط.
بعدها.. انتقلوا إلى باقي التصنيفات، لكشف الحساب والمكاشفة ومحاسبة المجرمين. فإن استطعتم حلها سلميًا كان بها، وإن عجزتم فاستخدموا أوراق القوة. وليكن في خلدكم الاستعداد للمصالحات وجبر الضرر. فالعدالة الانتقالية في كل الملفات وكل ساحات الصراع شيء محبب ومطلوب.
هذه هي القواعد التي ينبغي على دولنا العربية وقواها الحيّة انتهاجها واتخاذها!
تحقيق المصالحات: داخل الصفوف العربية، وتبني العدالة الانتقالية لمعالجة الملفات المفتوحة أو قتال الطغاة كمرحلة ثانية في التصنيف.
ختامًا
المؤامرة على سوريا ووحدتها كبيرة. الحل يبدأ بوقف التخوين والانقسامات، ودعم المقاومين للاحتلال.
لن ينعم العرب بالسلام إلا بتوحيد الصفوف ورصّ الجهود لمواجهة العدو الحقيقي. عندها فقط يمكن الحديث عن سلام عادل وشامل يعيد للعرب كرامتهم وسيادتهم.
-->