منذ بداية ثورة 2011 في اليمن، شهد الموقف الدولي من الصراع اليمني تطوراً ملحوظاً توازياً مع التغيرات السياسية والأمنية في البلاد. تأثرت هذه التغيرات بشكل كبير بالمواقف السياسية للدول الكبرى الأعضاء في مجلس الأمن، وعلى رأسها الولايات المتحدة، بريطانيا، وفرنسا، التي كان لها دور رئيسي في تحديد مسارات الحلول السياسية والعسكرية. في هذا التحليل، سنناقش المراحل المختلفة التي مر بها الموقف الدولي حيال اليمن وكيف تطور تفاعل هذه القوى الكبرى مع الملف اليمني على مر السنين.
1. مرحلة الثورة والتحول السياسي (2011-2014)
في أعقاب ثورة الشباب اليمني في 2011، كان الموقف الدولي داعماً لعملية التحول السياسي في اليمن، حيث أيدت القوى الغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، المبادرة الخليجية التي هدفت إلى تحقيق انتقال سلمي للسلطة بعد إزاحة نظام علي عبد الله صالح. ركزت الدول الكبرى على دعم استقرار اليمن وتطبيق الإصلاحات السياسية، رغم التحديات الأمنية والاقتصادية التي كانت تواجهها الحكومة الانتقالية بقيادة الرئيس عبد ربه منصور هادي.
2. صعود الحوثيين والانقلاب العسكري (2014-2015)
مع تصاعد التوترات في اليمن، وتحديداً بعد انقلاب جماعة الحوثي المدعومة من إيران في 2014، تغير الموقف الدولي بشكل جذري. مع تصاعد التهديد الحوثي وتدخل إيران في الشأن اليمني، دعمت الدول الغربية الحكومة الشرعية في اليمن بقيادة الرئيس هادي. كما انطلقت الحرب بشكل مفتوح في عام 2015 مع تدخل التحالف العربي بقيادة السعودية بهدف إعادة الشرعية إلى الحكومة اليمنية.
الدول الغربية، رغم دعمها للعملية العسكرية للتحالف العربي، أعربت عن قلقها بشأن الوضع الإنساني في اليمن، حيث أصبح الوضع أسوأ مع استمرار الصراع. كما كانت هناك ضغوط دولية لوقف الأعمال القتالية وتحقيق تسوية سياسية شاملة من خلال جهود الأمم المتحدة.
3. جمود سياسي وضغوط دولية (2015-2020)
بعد تدخل التحالف العربي، دخلت الحرب في اليمن مرحلة من الجمود السياسي والعسكري، حيث تواصلت المواجهات في مختلف المناطق. على الرغم من دعم الدول الغربية لاستمرار الدعم للحكومة الشرعية، إلا أن الجهود الدبلوماسية التي كانت تهدف إلى التوصل إلى حل سياسي كانت تواجه صعوبات كبيرة. الفجوة بين الأطراف المتصارعة ووجود ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران على الأرض كان يعرقل أي تقدم سياسي.
ورغم الضغوط الدولية لإيجاد حل، استمر التحالف العربي في عمليات عسكرية ضد الحوثيين، وفي الوقت نفسه كانت هناك جهود أممية للضغط من أجل مفاوضات تشمل جميع الأطراف.
4. وساطات وتوترات جديدة (2021-2023)
مع مرور الوقت، أظهرت بعض الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة وبريطانيا قلقها من استمرار الحرب على الأرض وتداعياتها الإنسانية. في 2021، ظهرت بعض الوساطات العمانية بين الحوثيين والسعودية، مما أفضى إلى تهدئة مؤقتة. ولكن هذه الوساطات لم تكن لتؤدي إلى حل شامل.
وبالرغم من الهدوء النسبي الذي شهدته المنطقة بعد هذه الوساطات، إلا أن الولايات المتحدة وحلفاءها بدأوا يشعرون بقلق متزايد من تأثير هذه الوساطات على مسار الصراع. كانت هناك مخاوف من أن تعطي هذه التفاهمات الحوثيين مزيداً من القوة على الأرض، مما يعزز هيمنتهم وتهدد استقرار اليمن والمنطقة بشكل أوسع.
وفي ذات السياق، برزت القضايا الأمنية العالمية، بما في ذلك هجمات الحوثيين على السفن التجارية في البحر الأحمر في أكتوبر 2023، مما دفع القوى الغربية إلى إعادة تقييم موقفها تجاه الحوثيين. الولايات المتحدة، بريطانيا، وفرنسا أعربت مجددًا عن دعمها لضرورة إنهاء الانقلاب الحوثي واستعادة الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً، وأكدت على أهمية ضمان استقرار اليمن.
5. التدخل الصيني والوساطة بين السعودية وإيران (2023-2024)
في 2023، دخلت الصين على خط الوساطة بين السعودية وإيران، وهو تطور جديد في المنطقة. هذه الوساطة أثارت قلقاً لدى الولايات المتحدة وحلفائها، الذين اعتبروا أن الدور المتزايد للصين قد يؤثر على التوازن الإقليمي ويعزز من النفوذ الإيراني في اليمن. بينما رأى البعض أن الوساطة الصينية قد تساهم في تخفيف التوترات، كانت هناك مخاوف من أن تؤدي إلى مزيد من التداعيات السلبية على جهود دعم الحكومة الشرعية في اليمن.
6. التكتل الوطني للأحزاب والمكونات السياسية (نوفمبر 2024)
في نوفمبر 2024، تم الإعلان عن تشكيل “التكتل الوطني للأحزاب والمكونات السياسية”، الذي يهدف إلى توحيد القوى السياسية اليمنية لمواجهة الحوثيين ودعم الحكومة الشرعية. هذا التكتل تلقى دعماً من الولايات المتحدة، حيث تسعى واشنطن إلى تعزيز خطاب سياسي موحد في اليمن، بهدف تكثيف الضغط على الحوثيين والتأكيد على ضرورة استعادة الدولة اليمنية.
7. التحدي الكبير: هل ستستفيد القوى السياسية من الموقف الدولي؟
في ظل هذه التطورات، يبقى السؤال مفتوحًا: هل ستتمكن القوى السياسية في اليمن من استثمار عودة الموقف الدولي الرافض للحوثيين، والذي يطالب بإنهاء انقلابهم واستعادة الحكومة الشرعية لزمام الأمور قبل أن يتراجع هذا الموقف كما حدث في مراحل سابقة؟ الفرصة السياسية الحالية قد تكون قصيرة الأجل، حيث تشير التطورات إلى أن المواقف الدولية قد تتغير بسرعة، كما حدث في الماضي. وبالتالي، يجب على القوى السياسية اليمنية أن تتحرك بسرعة وتعمل على توحيد صفوفها وتوجيه خطاب موحد لدعم الشرعية واستعادة الدولة قبل أن تتضاءل فرص التوصل إلى حل سياسي شامل.
الخلاصة
لقد تطور الموقف الدولي بشكل ملحوظ منذ عام 2011، وكان لكل مرحلة من مراحل الصراع اليمني تأثيرها على ردود فعل القوى الدولية. الدعم المستمر للحكومة الشرعية من قبل الدول الكبرى، في ظل تنامي التهديدات الحوثية والإيرانية، هو جزء أساسي من استراتيجيات هذه الدول لضمان استقرار اليمن. في هذا السياق، يشكل “التكتل الوطني” خطوة هامة نحو تحقيق الوحدة السياسية اليمنية ضد الحوثيين، ولكنه يبقى على عاتق القوى السياسية استثمار هذا الزخم الدولي لتحقيق الاستقرار السياسي والأمني في اليمن.
-->