أشبعتهم قتلاً وإذلال.. لماذا؟

د. محمد شداد
الخميس ، ١٤ نوفمبر ٢٠٢٤ الساعة ١٢:٠٧ مساءً

أسس اليمني لكرامته الحضارية والإنسانية منذ القِدم ولم يستسلم لظروف الصراعات والهجرات عند حلول النكبات، أعاد بنائها استمرت وتسامت فيها مهود الحضارات أينما حل، حافظت اليمن على وجودها وعزها بين الأمم بل وتمددت عبر قوتها إلى باقي الدُنا والشعوب، وشيَّدت قصورها ومعابدها وسدودها وشواهدها التاريخية المدهشة، إلى أن حط أقدام الفارون أمنياً في أرض اليمن بلاد المروج المطر والثمر وجنان الفواكة والغنى والغلال، أزاغت عقولهم فاستماتوا للبقاء فيها ....معاول هدم وخراب أحالوها إلى أرضٍ يباب هدموها حجارةً وارضاً وأعمدة وقصور، أباحوها تماثيلاً نقوشاً ومعابد..

 

بينما كانت اليمن من أخصب الأراضي وأغناها أرضاً وشعب مكافح لا يُفلُ له سنان، زرعت الإمامة بحروبها وجشعها وتقسيمها أسباب الخراب وقسَّمت المجتمع طبقياً طولاً وعرضًا اجتماعيًا عرقيًا ومذهبيًا وأسست لأنواع الفاقة والجهل والفقر حقداً مستدام بغرض التميُز والاصطفاء...

 

 خُدعت اليمنيين بالمذهبية الشافعية والزيدية وشعارات "حيا على خير العمل والضم والسربلة" بحروبها ومبدأ خروجها على الحاكم، رمته في فقاسة ارهاب وشتات، هجر العكفة أرضهم الزراعية أخرجته من فضاء العمل في الحقل والشغل في أرقى الحرف والمهن، وصيرته مجرد محارب يبحث عن قدح القمح، ورغيف الخبز، يحرق روحه معهم هباء منثورا..

 

 وأشاعت ثقافة ازدراء مهن الصناعة وشرف مهنة الزراعة وفلاحة الأرض وحاربت باقي المهن وأفشت ثقافة الحرب والموت والنهب وكُره الآخر وقهره وسلبه، تاهت خطاه وعاش عصوراً من الفاقة والفقر والعمى عبر احتلالها لليمن، وزعت المجاعة على كل القُبُل والمدن وخزائنها الإمامة مليئة بغلالها وبالخيرات والحبوب أنواع، حد أنه كان البعض يموت بمجرد اشتمامه لريحة رغيف الخبر عند صناعته..

 

وعاااادت الإمامة بفعل عصبية عكفتها خُدعوا للمرة الألف سندوها بيد أنها انثنت عليهم أشبعتهم قتلاً وإذلال بكل الطرق، أغرقتهم بطبقيتها وفقرهم وحشراتها وكتنها وقمْلها، باتت الناس تتدافع حتى الموت للحصول على ما يعادل عشرة دولارات أو ملء يده من الرز واللحم، نذكر اقتحام الناس أسوار الشيخ صادق عبدالله بن حسين عند وفاته وإقامة العزاء، تزاحموا حتى الموت وراحت الكثير من الضحايا ولم يفرِّقهم إلا الرصاص الحي بعد أن أفرغوا أماكن العزاء نهباً ولم يتركوا فيها للضيوف المعزين إلا الجفان والقدور الفارغة..

 

ويتكرر المشهد اليوم عند أبواب التجار يتزاحم الناس ويقتتلون حتى الموت وذهبت الكثير من الضحايا لمجرد الحصول على ظرف بداخله ملاليم أو ما يعادل قيمة حبة دجاج، لم يمت الناس بسسب العطوان! وطيرانه ولا بسبب الجيش الوطني المرابط على ثغوره وصموده بل للحصول على ريحة الخبز ومسمى الزكاة ولون بواقي الحياة..

 

إنها الإمامة بكلكلها حَطَتْ على صدور اليمن ساقته إلى كهوف لياليها الموحشة فرضت الإذلال عن طريق الإفقار والتجهيل، وهي وأذنابها تعيش رغَد العيش وألوان الحلى والطعام، يُحرم اليمني من مادة الغاز والمشتقات النفطية ويقف بطوابير طوال وإجراءات معقدة لا محدودة ليحصل على دبة الغاز والبترول، سُحقت كرامة اليمن عند تلك الطوابير وعند الوقوف والتزاحم عند أبواب الميسورين فاعلي الخير..

 

مذبحة الفقر والفقراء على أبوب الميسورين في صنعاء بأبعادها وأهدافها المختلفة جريمة تاريخية وإنسانية بكل المقاييس، لأن الفقراء موضع الرحمة وليس الموت، والعطف والحنان لا التشفي ، لأن التشفي بتضورهم جوعاً من المتسلطين وحُب المسيَدة، وابتزاز أيادي الخير لهم جريمة مركبة، عرف المجتمع اليمني قيم التكافل الاجتماعي والنجدة وإكرام الضيف وإشباع الأرملة ونجدة الملهوف منذ نشأته وسارت عرفاً يسري في أوردته دون قيود..

-->
الحجر الصحفي في زمن الحوثي