بين القمتين: قمة القرارات وقمة المتابعة والمراجعة

د. علي العسلي
الاثنين ، ١١ نوفمبر ٢٠٢٤ الساعة ٠٢:١٨ مساءً

غدًا، سنكون أمام لحظة تاريخية؛ إما أن يُتخذ موقف حازم وقرار تنفيذي من القمة لإنهاء الحصار على غزة بشكل جماعي، بإقرار تسيير جسور جوية، بحرية، وبرية للإمدادات الغذائية والطبية، وتوفير الأطباء المتخصصين وفتح معبر رفح أمام الجرحى لتلقي العلاج في الخارج، لتوفير كل ما يُبقي النفس على الحياة، وإما أن تُدفن آمال الأمتين العربية والإسلامية في التراب.

تمتلك أمتنا العربية أوراق قوة حقيقية، خصوصًا في ظل وجود رئيس للبيت الأبيض مثل ترامب، الذي لا يعرف سوى لغة الصفقات والتجارة.  هذا الواقع يشكل فرصة استراتيجية لولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، الذي سيرأس القمة المرتقبة.  من الممكن إغراؤه بثمن حل الدولتين، فإن أبى، يمكن التلويح باستخدام أدوات الطاقة والاقتصاد والاستثمار، على غرار الملك فيصل بن عبد العزيز، يرحمه الله، الذي حقق مبتغاه دون اللجوء للاستخدام المباشر.

تأتي هذه القمة بعد عام كامل من القمة السابقة، في وقت أشد تعقيدًا وعدوانية من قبل الكيان الصهيوني، وصل إلى حد الاعتداء على دولة عضو في الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي، وهي لبنان.  تأتي القمة بعد تأسيس السعودية تحالفًا دوليًا لدعم إقامة دولة فلسطينية على أراضيها المحتلة.  ولأن النجاح لا يقاس بالتخطيط فقط، بل بالتنفيذ، جاءت دعوة الأمير لعقد قمة ثانية لمراجعة ومتابعة ما تحقق من أهداف قمة العام الماضي، لإثبات العزم والإصرار على تحقيق طموحات الأمة العربية والإسلامية.

نحو تقرير المصير وإقامة دولة فلسطين

شهد العام الماضي قمة اتخذت قرارات شجاعة، لكنها تبخرت بين أروقة السياسة وتحولت إلى غبار تحت أنقاض غزة وأشلاء أطفالها. 

أظهرت لنا القمة الماضية مدى الحاجة إلى مسؤول ضميره حي، قادر على النهوض بالأمة. فهل يستطيع الأمير محمد بن سلمان القيام بهذا الدور؟ بمواقفه الثابتة بعدم التطبيع إلا بإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشريف، وبعلاقاته الدولية الواسعة، يستطيع أن يجسد شجاعة عمه، الملك فيصل بن عبد العزيز، ويتكلم بقوة، بلغة الأرقام والمصالح، ملوحًا باللجوء لاستخدام الاقتصاد والطاقة والاستثمارات الدولية كأدوات ضاغطة لإنهاء العدوان وإقامة الدولة الفلسطينية، لا كسلاح حرب؟

يبدو أن الأمير يمتلك المقومات لتحقيق هذا الحلم، خاصة بعد أن سعى لتكوين تحالف دولي لدعم حقوق الشعب الفلسطيني وتوسيع الاعتراف بدولة فلسطين.

فرصة تاريخية لتقرير مصير الشعب الفلسطيني

غدًا، يُفترض أن تكون القمة المرتقبة قمة تقرير المصير الفلسطيني والاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في الدفاع عن أرضه وحقه في الحياة الكريمة. 

أمامنا ثلاثة مشاريع: الأول تقوده إيران بوصفه مشروع مقاومة، والثاني هو مشروع السلام وإقامة الدولة الفلسطينية الذي يتزعمه الأمير محمد بن سلمان. 

على أصحاب المشروعين العمل نحو التكامل، ليكون المقاوم وسيلة لتحقيق الحلم الفلسطيني وإنهاء صراعات المنطقة، والانتصار بالحق على المشروع الثالث، مشروع اليمين المتطرف التوسعي في (إسرائيل)، الذي لا يؤمن بحدود ويقوم على التطهير العرقي والتهجير والإبادة.

غدًا، بإذن الله، سيسجل للأمة حضورها وهيبتها وقوتها، وستعيد -بحوله تعالى- كرامتها وحريتها واسترداد جزء من حقوقها.

في الغرب، ينظر البعض إلى حركات المقاومة مثل حماس وحزب الله، وكذلك إيران، كجهات متطرفة ويطالبون بتفكيكها. 

لكن حان الوقت لتحرك الأمتين العربية والإسلامية للضغط على الغرب والولايات المتحدة للاعتراف بالواقع.

 في داخل (إسرائيل)، توجد حكومة يمينية متطرفة لا تؤمن بالسلام؛ وقد آن الأوان لتغيير هذا الواقع بحكومة تؤمن بالتعايش والسلام، لكي تتحقق الدولة الفلسطينية المنشودة. 

الفرصة التاريخية متاحة، ولدى الأمير (محمد) جميع الإمكانيات ليدخل اسمه واسم بلاده وشعبه في سجل التاريخ جنبًا إلى جنب مع مواقف الملك فيصل الخالدة.

تطلعات نحو مستقبل عربي موحد وسلام مستدام

لا أريد استعراض القرارات التي صدرت عن قمة العام الماضي، ولا أن أتكهن بما ستصدره قمة هذا العام، لكني أؤكد أن الفرصة اليوم في الرياض أكبر من أي وقت مضى.  المبادرة العربية لعام 2002 يجب أن تكون حجر الأساس لأي عملية سلام، بحيث تشمل كافة بنودها لتحقيق تسوية عادلة.

ختامًا، نأمل أن تسفر القمة عن قرارات جريئة توحد المواقف، وتفتح الطريق أمام حل دائم يضمن عودة اللاجئين إلى أراضيهم وينهي فصول التهجير والنزاع المستمر.  فقد سئمنا مشاهدة فظائع الكيان الصهيوني التي تخلق لدى أجيالنا الحقد والكراهية، وربما انتشار العنف في العالم. 

ليكن هذا الاجتماع خطوة جادة نحو تحقيق السلام الشامل، وليبقى الحلم الفلسطيني في الصدارة حتى يتحقق.

-->
الحجر الصحفي في زمن الحوثي