من تدهور العملة إلى استقرار الاقتصاد.. خطوات ضرورية لتحويل التحديات إلى إصلاحات في الجمهورية اليمنية

د. علي العسلي
الاربعاء ، ٢٣ اكتوبر ٢٠٢٤ الساعة ٠٣:٠٦ مساءً

 

تعاني اليمن من اختلالات هيكلية اقتصادية منذ العام 1995، وقد زادت تدخلات صندوق النقد الدولي ورفع الدعم عن النفط من التوترات، مما استغله الحوثي للانقضاض على السلطة الشرعية تحت ذريعة رفض رفع الدعم. اليوم، بسببهم، يعاني اليمنيون من ارتفاع غير مسبوق في الأسعار وتوقف تصدير النفط، وسط تدهور مستمر للعملة الوطنية.

تدهورت العملة الوطنية بشكل حاد، حيث تجاوز سعر الصرف حاجز الـ(2000) ريال للدولار الواحد، مع عدم وجود سياسات نقدية موحدة نتيجة الانقسام السياسي الحاصل. ففرع البنك المركزي في صنعاء يتّبع سياسة تثبيت سعر الصرف بشكل مخالف، في حين يعتمد البنك المركزي الرئيسي في عدن على تحريره، مما أدى إلى تقلبات حادة وانهيار الثقة بالعملة المحلية.

تعود أسباب هذا التدهور إلى عدة عوامل، منها: الانقسام السياسي، توقف تصدير النفط، نفاد الاحتياطي من العملة الصعبة (كان يتراوح بين 4-5 مليارات دولار أمريكي في بداية 2015. ومع استمرار الحرب، شهد تدهورًا حادًا. حاليًا، تشير بعض التقديرات إلى أن الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية انخفض إلى أقل من مليار دولار، وربما قد وصل إلى 500 مليون دولار فقط)، ضعف السياسات النقدية، ارتفاع فاتورة الاستيراد (كانت الفاتورة بين 10-8 مليارات دولار سنويًا قبل العام 2015. حاليًا تشير التقديرات إلى أن حجم فاتورة الاستيراد قد انخفضت إلى النصف تقريبًا مما كانت عليه، بسبب تراجع القدرات المالية وانخفاض الدخل القومي)، وكذا، الانقسام في النظام المصرفي بين صنعاء وعدن كما هو معلوم.

يمكن إيراد بعض الخطوات الضرورية لتحويل التحديات إلى إصلاحات في اليمن، وعلى النحو الآتي:

• إعلان هدنة اقتصادية كتلك العسكرية: إذ من الواجب وقف استخدام الاقتصاد كأداة في الصراع، وضرورة الاتفاق بشكل عاجل على تجنب استهداف المؤسسات المالية أو التجارية، وضمان حرية الحركة للأفراد والبضائع والأموال عبر كافة المناطق. التعهد بتحييد الوظيفة العامة للدولة والنظام المصرفي.

• توحيد النظام المصرفي: إنشاء لجنة اقتصادية من الخبراء الاقتصاديين الأكاديميين "تكنوقراط"، بإشراف أممي لتحديد وإدارة السياسة النقدية، وتنفيذ نظام صرف موحد تدريجيًا لتقليص الفجوة بين أسعار الصرف التي تجاوزت الـ (2000) ريال للدولار الواحد في عدن، مقابل ثباته عند حدود (535) ريال للدولار الواحد في صنعاء بتاريخ اليوم 2024/10/22.

• تعزيز الاحتياطيات الأجنبية: من خلال اتباع إصلاحات جريئة لمكافحة الفساد ودعم الإنتاج وزيادة الصادرات والتقليل من الاعتماد على الواردات، وتعزيز الشفافية، كل ذلك سيشجع المانحين على تعزيز الاحتياطي بودائع ومساعدات وغيرها.

• إعادة هيكلة البنك المركزي: ليكون محايدًا وبإدارة شفافة، مع إنشاء صندوق خاص يهدف لتحقيق الاستقرار في سعر الصرف وتفادي التقلبات الحادة. ويدعم البنك المركزي لضبط المعروض النقدي والسيطرة على التضخم (التضخم السنوي في اليمن يتجاوز (30%) في السنوات الأخيرة، مع ارتفاع حاد في أسعار السلع الغذائية والوقود). ولتأمين احتياطي من النقد الأجنبي كضمان لاستيراد السلع الأساسية، ولتمويل العجز التجاري (نظرًا لتوقف الصادرات النفطية، زاد العجز التجاري بشكل كبير، حيث يُقدر العجز بحوالي(70%) من إجمالي التجارة الخارجية)، ولاستعادة الثقة بالعملة المحلية عبر تنفيذ سياسات نقدية موحدة. ويُموَّل الصندوق من الإيرادات النفطية، وأي مساعدات دولية أخرى، ومن الإيداعات الحكومية، والشراكات مع البنوك المحلية. ويعمل الصندوق بآليات تدخّل مرنة للتحكم في العرض والطلب، وبالتالي استقرار سعر الصرف. التعاون مع المؤسسات المالية الدولية لتقديم الاستشارات الفنية والدعم لضمان تنفيذ السياسات النقدية بشكل فعّال. الرقابة على تداول العملة: وضع قيود على طباعة العملة المحلية دون غطاء نقدي.

• تحرير الاقتصاد من قيود الانقسام الداخلي: بدفع رواتب الموظفين في الخدمة المدنية وفقًا لكشوفات شهر 12عام 2014، ووضع خطط تنموية شاملة تشمل جميع المناطق اليمنية، والتركيز على إعادة تأهيل القطاعات الحيوية مثل الزراعة والصناعة، ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة لتشجيع الاستثمارات المحلية.

مرت دول أخرى بأزمات مماثلة لليمن، وبتنفيذ بعض الإصلاحات استقرت عملتها المحلية. إليكم دروس مستفادة من تجارب دول أخرى:

- لبنان: بعد الحرب الأهلية، نجحت الإصلاحات في توحيد سعر الصرف وتعزيز الثقة من خلال دعم المجتمع الدولي وإعادة بناء البنية التحتية.

- البوسنة والهرسك: ربط العملة المحلية بالمارك الألماني ساهم في استقرار سعر الصرف، مع تقديم حوافز لجذب الاستثمارات الأجنبية.

- زيمبابوي: تم التخلي عن العملة المحلية مؤقتًا باعتماد الدولار الأميركي وعملات أجنبية أخرى للتداول بدلاً من الدولار الزيمبابوي، مما أدى إلى استعادة الاستقرار المالي، وتم تحسين الرقابة على البنوك.

- السلفادور: اعتماد الدولرة الجزئية كعملة رسمية بجانب العملة المحلية ساعد في تثبيت الأسعار ودعم الاقتصاد بعد فترة من الاضطرابات.

في الختام، تشير التجارب الدولية إلى إمكانية معالجة الأزمات الاقتصادية عبر إصلاحات شاملة تتضمن توحيد السياسات المالية والنقدية، وتعزيز الشفافية، وإعادة بناء الثقة. إن تحقيق الاستقرار الاقتصادي في اليمن يتطلب جهدًا جماعيًا وإرادة سياسية قوية. علينا أن نتجاوز الانقسامات ونعمل معًا لبناء مستقبل أفضل، حيث يكون الاقتصاد مدعومًا بالإصلاحات الفعالة والتعاون المحلي والدولي. وعلينا التركيز على دعم الإنتاج المحلي، واستقطاب الدعم الدولي، واستقرار العملة المحلية لمواجهة التحديات وتحويلها إلى إصلاحات وفرص لإحداث تنمية مستدامة.

ونوصي لتعزيز الاحتياطي النقدي ومكافحة التضخم بتنويع الصادرات، وحوافز للمغتربين لتحويل أموالهم عبر البنوك الحكومية، والتفاوض مع الجهات المانحة لدعم الاحتياطي النقدي، وإقناع فرع المركزي بصنعاء تنفيد السياسة النقدية الموحدة، ونوصي كذلك بضبط الإنفاق الحكومي. والسلام ختام..

 

 

 

 

 

 

 

-->
الحجر الصحفي في زمن الحوثي