في عالمنا اليوم، تغمرنا الفوائض في كل المجالات، ولكن ليس كل فائض يأتي بالخير. الفائض هو الزيادة عن الحاجة، وهو مفهوم ينطبق على العديد من المجالات، سواء السياسية، الاقتصادية، أو الاجتماعية. هذه الزيادات، حين لا تكون تحت السيطرة أو لا تُستخدم بشكل متناسب ووفق القوانين السارية، قد تؤدي إلى خلل كبير. هنا سنستعرض بعض الفوائض السلبية، ونقترح حلولًا للتعامل معها بفعالية.
فائض القوة
يظهر فائض القوة عندما تُستخدم السلطة والنفوذ بشكل مفرط لتحقيق أهداف مشروعة أو غير مشروعة، دون مراعاة حقوق الآخرين أو القوانين. في وطننا العربي، نجد هذا الفائض في الصراعات الداخلية، مثل دعم القوى الخارجية لجماعات مسلحة بهدف زعزعة الاستقرار، الحوثي أنموذجاً.
ينبغي تحييد فائض القوة من خلال تقوية مؤسسات الدولة وتدعيم قدراتها العسكرية والأمنية عبر التسليح والتدريب. لا بد من فرض سيادة القانون، والتصدي للميليشيات والجماعات المسلحة خارج إطار الدولة، مع تعزيز الوعي المجتمعي حول أهمية الولاء للدولة وليس للجماعات أو مراجعها.
فائض العجز
يظهر فائض العجز عندما تفتقر الدولة إلى القدرة على مواجهة التحديات، وتلجأ إلى الاتكال على الدعم الخارجي، ما يجعل قرارها السيادي مرهونًا بأطراف أخرى.
الحل هو التركيز على بناء القدرات الذاتية للدولة من خلال تطوير التعليم، وتعزيز الاقتصاد، ودعم البنية التحتية بشكل مستدام. ينبغي كذلك الحد من الاعتماد على المساعدات الخارجية، والعمل على تنويع مصادر الدخل القومي لتعزيز الاستقلالية.
فائض الوظائف "التضخم الوظيفي"
في بعض الدول العربية، تتداخل المؤسسات الحكومية وتتوسع تعييناتها لشراء الولاءات دون توصيف وظيفي أو قانوني، مما يؤدي إلى تضخم الجهاز الوظيفي للدولة وإهدار الموارد.
هذا الأمر يتطلب اعتماد خطة لإصلاح الهيكل الوظيفي والإداري لتقليص الوظائف الزائدة، وإعادة توزيع الأدوار والمسؤوليات داخل المؤسسات الحكومية. يمكن تشجيع الشراكات بين القطاعين العام والخاص لتوفير فرص عمل بديلة، والتركيز على تطوير الكفاءات وفقًا لاحتياجات الدولة والسوق.
فائض التبعية
الدول ذات فائض التبعية تكون عاجزة عن اتخاذ قرارات مستقلة، ما يجعلها عرضة للتدخلات الخارجية والضغوطات.
التوظيف الأمثل للموارد المحدودة يؤدي إلى تعزيز السيادة الوطنية من خلال التركيز على تطوير الاقتصاد الذاتي، وتنويع العلاقات الدولية لتجنب التبعية لأطراف محددة. كما ينبغي تشجيع الإنتاج المحلي والتصدير وتقليل الاعتماد على الواردات.
فائض الشماتة والتشفي
في مجتمعاتنا، يُمارس أحياناً التنمر على الدولة والأفراد والمؤسسات والتكتلات، ويستغل الإعلام هذا السلوك لخلق حالة من الفوضى والتفرقة والكراهية والحقد.
المطلوب هو نشر ثقافة التسامح والاحترام وقبول الرأي الآخر بين الأفراد والجماعات، وتفعيل القوانين التي تجرّم خطاب الكراهية والإساءة. ينبغي على الإعلام والنشطاء في وسائل التواصل الاجتماعي إبراز ما يجمع ولا يفرّق، والتعالي بالنفس عن نشر أو تداول كل ما يسيء للأعراض والأشخاص، والتركيز على نقد الظواهر بدلًا من الطعن في الأشخاص. على الجميع أن يلعب دوراً بناءً في تعزيز الحوار والمصالحة وإعلاء ثقافة المقاومة لكل احتلال أو تفرد بالقرار والاستعباد، فهذان السيئان توأمان.
فائض الجهل
يُعد فائض الجهل واحداً من أخطر الفوائض، حيث تنتشر الخرافات وتنعدم الاستفادة من المعرفة العلمية.
إن الاستثمار في التعليم والبحث العلمي، وتشجيع الإبداع والابتكار والثقافة بجميع أنواع المعرفة الفكرية وغيرها، يسهم في تطوير المجتمعات وتجاوز العنصرية والطائفية والفهم الضيق، وتعزيز دور المؤسسات التعليمية في نشر الوعي والثقافة العلمية. لا بد من محاربة الأمية، ليس فقط على مستوى القراءة والكتابة، بل أيضًا في محو أمية المتعلمين الذين يسهمون في غسل أدمغة النشء بقصص وسرديات لا تأتي بالمنفعة للفرد ولا للمجتمع. محو الأمية يسهم كذلك في رفع المستوى الثقافي والوعي السياسي والاجتماعي.
إن معالجة هذه الفوائض تتطلب رؤية استراتيجية وإرادة سياسية قوية، بالإضافة إلى دعم مجتمعي واسع. بتطبيق ما أُسلف، بالإمكان تحويل الفوائض من عبء إلى موارد تدعم التقدم والتنمية الشاملة.
.. وثورة أكتوبر مجيد وتهانينا وتبريكاتنا للشعب اليمني العظيم..
-->