قراءة في العدوان الإسرائيلي على لبنان

صفوان سلطان
الثلاثاء ، ٠١ اكتوبر ٢٠٢٤ الساعة ٠٧:٢٦ مساءً

 

في البداية، أود الاعتراف بأن تحليلي السابق لمقابلة محمد علي الحسيني على قناة بيروت كان غير مكتمل، إذ اعتمدت بشكل رئيسي على تصريحات الحسيني دون الرجوع إلى مصادر أخرى. بعد أربعة أيام من اغتيال حسن نصر الله، ومتابعة مستجدات الأحداث وجمع معلومات من عدة مصادر، أصبح لدي فهم أعمق للوضع القائم.

 

 

حزب الله وإيران: علاقة استراتيجية متينة

 

من غير المنطقي أن تتخلى إيران عن حزب الله بسهولة. منذ تأسيسه في 1982، ظل حزب الله الذراع الأهم لإيران في لبنان والمنطقة. هذا الكيان يمثل الدرع الذي يحمي المصالح الإيرانية، ولا سيما في مواجهة التهديدات الإسرائيلية المحتملة ضد البرنامج النووي الإيراني. إيران أنفقت مليارات الدولارات على حزب الله ونظمته ليكون أداة السيطرة على القرار السياسي اللبناني. فكرة تخلي إيران عن حزب الله لصالح تفاهمات نووية هي غير واقعية، إذ إن حزب الله هو القوة التي ستحمي إيران إذا ما استهدفت إسرائيل منشآتها النووية.

 

 

البراغماتية الإيرانية: مصلحة فوق كل شيء

 

إيران هي دولة براجماتية بامتياز، وربما تفوقت على دول مثل الولايات المتحدة في هذا المجال. استخدمت إيران كل الأدوات الممكنة، بما في ذلك استغلال الأيديولوجيا الشيعية لتحقيق مصالحها الخاصة. فكرة "ولاية الفقيه" أصبحت وسيلة للهيمنة السياسية على العراق وسوريا ولبنان واليمن، وهي أداة لا يمكن لإيران أن تتخلى عنها بسهولة.

 

ما يؤكد هذا الطرح هو قضية الجاسوس البريطاني علي رضا أكبري، الذي اخترق أجهزة الأمن القومي الإيراني. هذا الاختراق يعكس مدى قدرة القوى الغربية على الوصول إلى مراكز القرار الإيراني وأذرعها في المنطقة، مما يفسر الضربات التي طالت قيادات بارزة مثل قاسم سليماني وحسن نصر الله.

 

 

سقوط حزب الله: هل هو نهاية التنظيم؟

 

حزب الله تعرض لضربات قاسية، بما في ذلك تدمير شبكة اتصالاته واغتيال قياداته، وآخرها حسن نصر الله. لكن سقوط حزب الله لا يعني نهايته. فالتنظيم، الذي أثبت قدرته على إعادة بناء نفسه في السابق، لا يزال يحافظ على بعض نقاط القوة.

 

أحد أهم أسباب سقوط حزب الله كان الغرور. بعد سلسلة من الاختراقات الإسرائيلية، بما في ذلك تفجير أجهزة الاتصال الخاصة به، واصلت القيادات تحركاتها غير الحذرة، مما أدى إلى اغتيالها واحدة تلو الأخرى. ومع ذلك، لا يمكن القول بأن الحزب قد انتهى. هناك إشارات على أنه يعمل على إزالة الركام وإعادة ترتيب صفوفه.

 

 

عودة حزب الله: بين الحذر وإعادة البناء

 

رغم الضربات الموجعة، هناك دلائل على أن حزب الله يعيد تنظيم نفسه. عندما أوقفت الغارات الإسرائيلية لمدة 8 ساعات بعد استهداف حسن نصر الله، تحركت القيادة المتبقية، بقيادة هاشم صفي الدين، لإعادة ترتيب الأوراق الأمنية.

 

واحدة من أهم النقاط التي يستند إليها حزب الله في إعادة بناء نفسه هي العودة إلى استخدام شبكات الاتصال القديمة التي لم يتمكن الإسرائيليون من اختراقها خلال حرب 2006. هذه الشبكات كانت سر قوة الحزب في تلك المرحلة، ولا تزال تعمل بكفاءة. ما يعزز هذا الطرح هو ما حدث عندما تناقلت وسائل الإعلام أخباراً عن توغل بري إسرائيلي في جنوب لبنان، ولكن قناة الميادين الموالية لحزب الله سارعت إلى نفي الخبر بعد ساعة واحدة فقط. هذه السرعة في إيصال المعلومات داخل حزب الله تدل على أن اتصالات الحزب ما زالت تعمل بكفاءة أفقيًا وعموديًا، وهو ما سمح لهم بمعرفة أن الأخبار المتداولة عن التوغل كانت غير دقيقة.

 

 

ماذا يحتاج صفي الدين لاستعادة السيطرة؟

 

لإعادة السيطرة، يحتاج هاشم صفي الدين إلى أن تتورط إسرائيل في عملية توغل بري، وهو ما قد يكون خطأً استراتيجياً كبيراً من جانب إسرائيل للأسباب التالية:

 

1. قوات حزب الله جاهزة منذ فترة طويلة لأي توغل إسرائيلي، وقد أعدت العدة لذلك، بما في ذلك الاحتفاظ بشبكات الاتصال التي يعتقد الإسرائيليون أنهم دمروا فعاليتها.

2. حزب الله قادر على تحمل خسائر بشرية، لكن إسرائيل، التي تخشى على كل جندي، ستجد نفسها في مأزق إذا سقط عدد كبير من الجنود الإسرائيليين في معركة برية.

3. التعليمات لقوات حزب الله على الحدود تشمل محاولة أسر الجنود الإسرائيليين، وهو تكتيك استخدمه الحزب بنجاح في حرب 2006. أي أسر جديد سيشكل كارثة سياسية لرئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو.

4. حزب الله ليس لديه ما يخسره بعد استهداف قياداته، مما يجعله أكثر استعداداً للقتال حتى النهاية، في حين أن إسرائيل، التي تعاني من مخاوف الخسائر، لديها الكثير لتخسره.

5. الحزب لم يستخدم بعد أسلحته الحديثة، بما في ذلك الصواريخ المتطورة التي يمكنها تجاوز الدفاعات الإسرائيلية.

 

 

خاتمة

 

الغطرسة كانت عاملاً رئيسياً في سقوط حزب الله، لكنها قد تكون أيضاً سبباً في سقوط إسرائيل إذا ما تورطت في عملية توغل بري في جنوب لبنان. في النهاية، العالم العربي والإسلامي يجد نفسه بين قوتين معاديتين: محور إيراني يسعى للهيمنة وكيان صهيوني يحتل فلسطين. كلا الطرفين لا يمثل حلاً للأزمة في المنطقة، وأي انتصار لأحدهما سيكون على حساب استقرار العالم العربي.

-->
الحجر الصحفي في زمن الحوثي