بصراحة، في الآونة الأخيرة أشهد أن مجلس القيادة الرئاسي يعمل ضمن سياسة ورؤية موحدة، حيث يعمل بتناغم وخطاب موحد، ولكل عضو دوره ومهمته التي ينفذها باقتدار، يكملون بعضهم بعضًا!
ويبدو أنهم بهذا العمل، قد وصلوا إلى قناعة بأن يقودوا البلاد إلى بر الأمان، وفقًا لإعلان نقل السلطة من قبل الرئيس هادي، بدلاً من التمسك بالنظرة الأحادية والتشتت والتمزق!
العميد طارق زار روسيا، ومن قبله رئيس الوزراء ووزير الخارجية، وأثمرت زياراتهم في تحرك روسيا للوساطة، واستئناف فتح السفارة الروسية في عدن. وهكذا زار آخرون دولًا أخرى. كما نرى الرئيس العليمي والشيخ عثمان مجلي واللواء عيدروس الزبيدي ينشطون بشكل فعال في أروقة الأمم المتحدة، بهدف واحد وخطاب منسق وهادف. وهذا هو النجاح!
الرئيس العليمي، مع بعض إخوانه في مجلس القيادة الرئاسي، قاموا بزيارات للمحافظات، شاركوا المواطنين همومهم وأولوياتهم، وأدركوا أن المواطنين يتطلعون إلى عودة الدولة واستعادة المؤسسات، ويفتخرون برؤية مسؤوليهم بينهم، يشاطرونهم الهموم وينفذون لهم بعض المشاريع والخدمات.
اللواء سلطان العرادة عضو مجلس القيادة الرئاسي، محافظ محافظة مأرب، لا يبارح موقعه دفاعًا عن الجمهورية اليمنية، ويتناغم ويتفاعل مع إخوانه في مجلس القيادة الرئاسي!
وما كان هذا ليتم لو أن الرئيس العليمي كان قد مارس منذ أول لحظة الأنانية وهمّش إخوانه في مجلس القيادة الرئاسي، باعتباره رئيسًا وهم نوابه!
الرئيس العليمي وهو يقود هذه المرحلة كان منذ اللحظة الأولى مدركًا لصعوبة المرحلة وتحدياتها وتعقيداتها، ويعرف أهمية القيادة الجماعية في تخفيف التشدد والتصعيد والتطرف، والتمسك بالسياسة واللين. وكذلك مدى تأثيرها على نفوس الموالين للتشكيلات التي أصبحت منخرطة في السلطة الشرعية.
فقد عمل الرئيس بصبر ونكران ذات حتى استطاع إذابة الجليد وتليين المواقف بعد أن كانت صلبة، وجعلها مستساغة ومقبولة!
من يتابع المشهد والخطابات والمواقف لبعض أعضاء مجلس القيادة الرئاسي سيلاحظ التغيير الكبير. لقد نزل المبالغون من عليائهم ومن فوق الشجرة إلى الأرض، والتعامل بواقعية، وهذا هو المبتغى والمأمول من أي مسؤول!
من تابع خطاب اللواء عيدروس الزبيدي ليلة أمس في مجلس الأمن، سيدرك أننا نسير كشرعية في الطريق الصحيح والمرغوب، بعد أن كان هو وبعض رفاقه متصلبين في خطاباتهم ومواقفهم، ومصرين على رفع علم الانفصال والتمسك بفك الارتباط؛
هذا الشيء لم يعد موجودًا بعد قبول الأخ الزبيدي الجلوس على كرسي الجمهورية اليمنية وتحت علم الجمهورية اليمنية، معبرًا في خطابه عن كل اليمن، وما يعانيه من عدو مشترك لكل اليمنيين هو الحوثي لا سواه، ومضمون خطابه يمثل مجلس القيادة الرئاسي بأكمله!
الزبيدي بدأ خطابه في الجلسة المنعقدة بشأن اليمن في مجلس الأمن الدولي بأن القيادة من أجل السلام تبدأ من هذه القاعة، وهي بلا شك مسؤولية ومهمة مجلس الأمن؛
فأثبت بهذا الطرح الحصيف المسؤول أنه رجل سلام بامتياز؛ وكان بكلامه هذا قائدًا مميزًا ومسؤولًا أمينًا لموقف المجلس كله، ولم يكن متهورًا أو شعبويًا أو انتهازيًا.
أثبت الزبيدي أنه مدرك لمعنى أن السياسة فن الممكن، وأثبت بذلك أنه امتلك الإرادة السياسية للعمل أولًا على إنهاء الانقلاب الحوثي، وعبر عن ذلك في خطابه بجدارة ومسؤولية!
تحدث ونقل معاناة اليمنيين منذ بدء الصراع الدائر منذ عشر سنوات في بلادنا، وبيّن ما خلفه الصراع من إزهاق أرواح بمئات الآلاف، وأوضح للعالم أن ملايين اليمنيين على حافة المجاعة، وما كان ذلك ليحدث لولا تمرد الحوثي وانقلابه على السلطة الشرعية.
أشار الزبيدي إلى إرهاب الحوثي، وطالب العالم بأن يمتلك الإرادة السياسية لإزالة الإرهاب الحوثي من اليمن.
وقال إنهم، بسبب افتقارهم للإرادة السياسية، دفع الشعب اليمني الثمن، وحان الوقت لإزالة الإرهاب الحوثي ومعاقبته ومحاسبته!
وطالما اقتنع الزبيدي بهذا الطرح الصحيح، فإنه ينطبق أيضًا على الأطراف اليمنية الأخرى. فعليه وعلى غيره من التشكيلات المنضمة للشرعية أن يمتلكوا الإرادة السياسية لإنهاء الانقلاب والإرهاب الحوثي والترفع عن الصراع البيني!
وبدهاء سياسي ملحوظ، أرجع افتقار الأمم المتحدة للإرادة السياسية إلى ما جناه اليمن والعالم من استهداف الحوثي في البحر الأحمر وتأثيره على التجارة الدولية!
وبرر بذكاء موقفه المستجد والذي قد يكون محل نقد من بعض أتباعه، حين قال إن الوضع الراهن في بلادنا لم يعد مقبولًا، وإن مصلحة شعبنا تكمن في إنهاء الصراع وإيجاد حل دائم، وهي مصلحة مشتركة مع حلفائنا الإقليميين والمجتمع الدولي. فقناعته بنيت على معلومات ومعرفة وإدراك، وهذا هو عين العقل والصواب.. كل التحية له على هذه الشجاعة الفريدة! >
ثم، انطلاقًا من دعوة معالي الأمين العام للأمم المتحدة في قمة المستقبل للحاجة إلى إيجاد حلول مستدامة للصراعات العالمية اليوم، استغل هذه الرؤية المعروضة، ليبادر باسم السلطة الشرعية بتقديم خارطة طريق تعبر عنه وعن السلطة الشرعية، وهي بالضرورة لا تتعارض مع خارطة الطريق السعودية - كما أعتقد -؛ فقال الأخ عيدروس نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي إننا بحاجة إلى نهج جديد شامل لإنهاء الصراع في اليمن، وإلى استعادة السلام الذي يستحقه شعبنا. وقال الزبيدي:
أولًا: يجب احتواء التهديد الذي يشكله الحوثيون على الأمن العالمي والإقليمي واليمني.
ثانيًا: الحاجة إلى جهد جماعي لتمكين مجلس القيادة الرئاسي من إنهاء العبث والفوضى الذي يمارسه الحوثيون.
ثالثًا: العمل جميعًا لإنهاء المعاناة الإنسانية ومعالجة الأوضاع الاقتصادية المتفاقمة التي يعاني منها شعبنا.
ومالم يتم احتواء الحوثي وتمكين مجلس القيادة الرئاسي وإنهاء المعاناة بمعالجة الأوضاع الاقتصادية، لن نجد طريقًا نحو عملية سياسية شاملة بقيادة يمنية ورعاية إقليمية ودولية لضمان الحل السياسي المستدام.
ولقد أثارت إشارته لشعب الجنوب جدلًا - أظنه غير مبرر - فطرحه عقلاني وداخلي يمني، ولم يخرج عن الحوار الوطني الشامل ومخرجاته، ولا عن التفاهمات والاتفاقات، ولا عن المشاورات اليمنية-اليمنية في الرياض التي وضعت إطارًا تفاوضيًا خاصًا. لم يطالب بتدويل القضية، بل اكتفى بأن يكون مجلس التعاون الخليجي شاهداً، ومعروف أن مجلس التعاون الخليجي مع اليمن ووحدته وسيادته واستقراره، وكل بياناته ومواقفه تؤكد ذلك.
واشترط للسلام حضور كل الأطراف، بمن فيهم حتى الأقليات! وهذا يحسب له لا عليه!
الخلاصة.. كنت رائعًا أخي اللواء عيدروس الزبيدي، فلقد أوضحت المعاناة وحملت المسؤوليات، وربطت الافتقار إلى الإرادة بنتائج كارثية لليمن والعالم، وقدمت خارطة طريق للحل - تمثلني كلها -، وشكرًا لاهتمامك الملفت بالشباب والنساء والأقليات، واشتراطك في محله كمدخل للحل السياسي، بلجم الحوثي وتمكين مجلس القيادة ورفع المعاناة ومعالجة الأوضاع الاقتصادية.
أختم فأقول: لولا قيادة الأخ الرئيس العليمي الحكيمة ذات النفس الطويل، لما سمعنا ما سمعناه في مجلس الأمن من الأخ الزبيدي، من خطاب متزن مسؤول. لو كان الأخ العليمي تعامل من أول لحظة من تشكيل المجلس بنفس الخطاب واللغة المتشنجة التي كانت تتكرر في عدة مناسبات، لكان الوضع مختلفًا؛
وهو ما كان يراهن عليه الخصوم، وأفشله الرئيس العليمي والأخ الزبيدي وإخوانهما في مجلس القيادة الرئاسي.
تحياتي للجميع، وأهنئهم بالعيد الثاني والستين لثورة 26 سبتمبر المجيدة .. والسلام ختام!
-->