في قاعة المحكمة المهيبة، حيث تلتقي أرواح الشهداء مع آمال الملايين، اجتمع أبناء الشعب اليمني، أكثر من خمسة وثلاثين مليوناً، بأبصارٍ تترقب وتنشد الحكم الفاصل. كانت هذه الجلسة مختلفة عن سابقتها، جلسة تنتظر أن ينطق فيها قادة الثورات اليمنية العظيمة، ثورة 26 سبتمبر و14 أكتوبر، ومؤسسو الجمهورية، بالحكم الذي طالما انتظره اليمنيون طويلاً.
كان الشعور في القاعة خليطاً معقداً من الألم والأمل. ألمٌ على ما آلت إليه حال البلاد والجمهورية، وأملٌ بأن العدالة ستتحقق، وستتم إعادة اليمن إلى مساره الصحيح، خالياً من قيود الكهنوت الحوثي. ومع تزايد ترقب الشعب، امتدت في القاعة هالة من ضوء الشهداء، وكأن أرواحهم تحضر شاهدة على هذه اللحظة المصيرية.
دُعي المتهمون بالتفريط بالجمهورية إلى المثول أمام المحكمة. وبينما تواجدت أرواح الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم لمواجهة الكهنوت الحوثي وبناء الدولة المدنية، وقف الشعب اليمني في هذا المشهد الجليل ليشهد حكماً عادلاً يعيد له حقه المسلوب.
في تلك اللحظات التاريخية، فتحت أبواب السماء لتتنزل أرواح شهداء الثورة والجمهورية، مكتملة هيئة الرئاسة التي تترأس هذه المحكمة العظيمة. وقد شعرت القاعة بأهمية اللحظة، فتجمد الزمن، واختلط الصمت بمزيج من رهبة التاريخ وإرادة الشعب.
**"محكمة"**
دوى الصوت كالرعد، مختلفاً عن أي نداء سمعته القاعة سابقاً. كان قوياً، شامخاً، وكأنه يُعيد الاعتبار لليمن ولتاريخه العظيم. سكنت القاعة، وتوجهت الأنظار إلى منصة المحكمة، حيث جلست أرواح شهداء الوطن. كان حضورهم ساحقاً، يجسد الوحدة الوطنية من أقصى اليمن إلى أقصاه.
بدأت هيئة المحكمة بالنطق بالحكم:
"بناءً على دعوة الشعب ضد المتهمين بالتفريط في الجمهورية لصالح الكهنوت الحوثي، وبعد الاستماع إلى الشهود، بمن فيهم الأمم المتحدة وشهداء الوطن الذين ضحوا بأرواحهم لمقاومة الحوثي وأطماعه، وبعد دراسة دفوع المتهمين، فإن المحكمة ترى أن الفرقة والانقسامات الحزبية كانت المدخل الأساسي لتسلل الحوثي. إن ما حدث لم يكن إلا نتيجة لتناسيكم جميعاً حقيقة أن الحوثي ليس مجرد قوة سياسية عادية، بل قوة كهنوتية تسعى لإعادة اليمن إلى عصر الظلام."
استمرت المحكمة في حديثها، مشيرة إلى أن الحوثي لم يكن ليستطيع التغلغل لولا الانقسامات بين المكونات السياسية، وتفضيل قادتها مصالحهم الشخصية والحزبية على حساب مصلحة الوطن. وقالت الهيئة بحزن بالغ:
"إن هذا الغرور الذي أصابكم كان خنجراً في قلب الجمهورية، وأدى إلى معاناة الشعب لسنوات طويلة من الظلم والفقر والمرض. لقد خنتم ثقة الشعب، ولم تتعلموا من أخطائكم حتى الآن."
توقفت المحكمة للحظة، كأنها تترك المجال للصمت ليُدرك الجميع فداحة الموقف. ثم أكملت بنبرة حزينة، تختلط بالدموع:
"إن خيانتكم للشعب ليست في التفريط بالجمهورية فقط، بل في استمرار خلافاتكم حتى هذه اللحظة. الاستقواء بالخارج على بعضكم بعض خطيئة أتاحت لفكر الحوثي العفن أن يتمدد. كان عليكم أن تستقووا ببعضكم بعض، لتأتي مساعدة الآخرين لكم لتكمل قوتكم المستمدة من قوة الشعب اليمني العظيم، وتكمل عوامل نجاحكم في هزيمة الحوثي. الحوثي ليس قوياً، ولكنكم بفرقتكم ضعفاء. لم يكن ليبقى الكهنوت لو توحدت صفوفكم، ولكنه استفاد من فرقتكم وضعفكم."
ثم أضافت: "اعتمدتم على دعم إقليمي ودولي لتحرير الوطن، لكنكم نسيتم أن قوة الشعب تكمن في توحده، وليس في الاتكال على الخارج."
ثم جاء الحكم القاطع:
"إن محكمة الثورة والجمهورية تحكم عليكم بالتوحد فوراً. يجب عليكم رص الصفوف، وتوحيد كافة قواكم السياسية والعسكرية والاقتصادية لمواجهة الحوثي. أمامكم فرصة محدودة لإثبات ولائكم للجمهورية، وكل يوم يمضي دون أن توحدوا جهودكم هو يوم يرسخ فيه الحوثي أقدامه أكثر في أرض الوطن."
توقفت المحكمة للحظات، وكأنها تنتظر من القاعة أن تستوعب أهمية هذا الحكم.
"إذا لم تتوحدوا وتواجهوا الحوثي، فاعلموا أنكم خونة للشعب والجمهورية، وسيكتب التاريخ أسماءكم في مزبلة الخونة."
سكن الصمت العميق قاعة المحكمة، وتحولت وجوه المتهمين إلى مزيج من الحيرة والأمل. كان تفكيرهم عميقاً، وكأنهم أخيراً يدركون مدى جسامة ما اقترفوه في حق الوطن والشعب.
وفي مشهدٍ مهيب، نهضت هيئة الرئاسة من مقاعدها، واتجهت نحو شعلة الثورة. التقط أحدهم شرارة نور الشمس لتشتعل بها شعلة الثورة مجدداً، معلنة ولادة جديدة لليمن.
**"رفعت الجلسة..."**
خرجت الكلمات الأخيرة بصوتٍ قوي وواثق، ليبقى السؤال معلقاً: هل سيتوحد قادة اليمن أم ستظل الجمهورية معلقة على حافة الخطر؟
-->