إن ما يخرج اليمن مما هو فيه، غير المصداقية في الفول والفعل.. أما التكتيك والتذاكي (الانضمام للسلطة الشرعية فقط من أجل لاستفادة من مركزها القانوني والسيادي في الحضور الدولي وتمرير بعض الأجندة لصالح مشروع أقل من الجمهورية اليمنية)، أراه مضر للأطراف المنخرطة في السلطة الشرعية، ويخدم بالنتيجة الحوثي المنقلب.
إن الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية.. والنقد وتصحيح المسار واجب، والسبّ وهتك الأعراض ممنوع!
ثلاثة عشر سنة أو تزيد، حصل فيها ثورة وعملية سياسية َوحوار وحرب ومشاريع تتنافس في اليمن؛
أليست بالله عليكم كافية للفرز واتخاذ الموقف المناسب؟؛ ومع ذلك لا يزال الكثير ممن لم يحدد خياره، ولم يتخذ موقفه، أولا يزال متردداً وحائراً!؛
فيا أيها المتفرجون.. بلدكم يُشظى!؛ ويا أيها المتربصون الحالمون في أن تكونوا البدلاء.. فبدل ماذا؟ وفي ماذا؟؛ إليكم أقول: احسموا أمركم.. لا يوجد غير مشروعين في اليمن؛ ولا ثالث لهما:
مشروع الدولة الاتحادية الديمقراطية التعددية، والذي المفروض أن الجميع يصطف إليه ، لأن فيه؛ السلام والاستقرار وإعادة البناء والتطوير والتنمية.
وهناك مشروع آخر، مشروع تمزيق الدولة، مشروع سماته الطائفية والمذهبية وتمكين السلاليين، مشروع عدوّته الديمقراطية والتعددية، ويستند فقط على الفرد وتقديسه والولاء له ومبايعته دون سواه!؛
مشروع يفرض الرأي والأيدلوجية بالقوة؛ مشروع يتكئ لغرض سياسي على بيت الرسول (صلى الله عليه وسلم)؛ مشروع يعمل بقوة على تجريف القيم، وتحريف المناهج، وتجنيد الأطفال وغسل أدمغتهم وتلقينهم الكراهية والحقد؛
ويقوم على السوق السوداء وعلى الجبايات، وعلى فيد ممتلكات الدولة وابتزاز أصحاب الممتلكات الخاصة.. مشروع أصحابه ينهبون الأراضي، ويقتلون الناس، ويسجنون ويعذبون المخالفين، ويجبرون الموظفين بالعمل كــ" سخرة" من دون رواتب.
وأصحاب هذا المشروع هم الوكلاء الحصريون في اليمن، لمشروع إيران الخراب والدمار.. هؤلاء لا يهتمون ولا يفكرون أبداً بحل المشكلات، بل لترحيلها، ولتصدير الأزمات واستيراد التدخلات...الخ.
مشروعان واضحان.. لا لبس فيهما ولا غموض.. وغريب أمر من لم يحسم أمره بعد!!
والأغرب أن هناك ممن حسموا أمرهم وتعكزوا بالشرعية لمآرب أخرى.. فيعمدون على إعاقتها وتعطيلها وإضعاف هيبتها كلما لا تمرر لهم أجندتهم.. أوجدوا كقوة على الأرض مزودين بسلاح يفوق امتلاك الجيش الوطني في السلطة الشرعية.. ويا ليتهم بما امتلكوا أوجدوا نموذج يقتدى به، ويا ليتهم أسهموا به في تحرير بعض المناطق المغتصبة بيد الحوثي المنقلب، لكنهم يمترسوا بها خلف شريط التشطير الحدودي السابق.. ويا للآسف!
ولأكون صريحاً أكثر.. إن الوقوف في صف الشرعية، يعني اختيار مشروع الدولة؛ والذي المفروض يُعضّ عليه وعلى مَراجِعِه بالنواجذ.. لكنه للآسف فقط يتخذ شمّاعة للتعلق به - وما أكثر المتعلقين!
في مشروع الدولة.. المفروض تصطف السلطة الشرعية ومؤيديها؛ غير أن المكونات متباينة وجاءت من مشاريع كانت مختلفة ومتصارعة.. فجزء منهم ينتمون إلى النظام السابق، ومنهم من كانوا أوصياء على ثورة 11فبراير (وكلاهما ورثة المبادرة الخليجية)؛ يلي ذلك المستحدثين كالانتقالي؛ والذي مشروعه مغاير للسلطة الشرعية في الجمهورية اليمنية؛ وكذلك المكتب السياسي للمقاومة الوطنية الذي يعمل بمعزل عن السلطة -حتى أن إنجازاته كمطار المخا وغيره لا تستعرض من قمّة هرم السلطة الشرعية عند استعراض المنجزات-، وكأن المكتب السياسي في المخا نواة لدولة غير التي تديرها السلطة الشرعية.. ومأرب نموذج مختلف، تبدو وكأنها الوحيدة متمسكة بالجمهورية اليمنية، فقيادة الجيش الرطني هناك، والمسؤولون يذهبون ويعودون إليها، وبعض الصحف تصدر من هناك؛
ونموذجها هذا، لا يروق للبعض من المنتمين للسلطة الشرعية ولهم عليها ملاحظات وبعض التحفظات؛ وفي الطريق مؤتمر حضرموت الجامع -المتقاطع بالضرورة مع الانتقالي-؛ وفي الطريق ايضاً السفير احمد علي عبد الله صالح ومؤيديه؛ وهناك في صف الشرعية أيضاً من ثاروا في 2011، ولم يستوعب منهم إلا ما ندر.. وأراهم يعودون ويتشكلون من جديد، لأنهم يرون آخرون عادوا بقوة!؛
إن هذا التنوع الذي ذكرت غني، ففيه سياسيون وأكاديميون وقادة عسكريون ورجالات دولة.. فلو أوجدنا رؤية بأهداف واضحة ولم تختفي المكونات خلفها بأهدافها الخاصة، لكان الحال، غير الحال!؛
فلو توافقنا على مشتركات ووقع الجميع على ميثاق شرف، لانتهى المشروع الآخر والانقلاب وعادت الدولة والجمهورية، وبسرعة غير متوقعة!
إذاً.. المفروض ما يجمع كل هؤلاء.. الولاء للجمهورية والديمقراطية، وللتوزيع العادل للسلطة والثروة، وعليهم ان يتفقوا جميعاً لمستقبل اليمن ونظامها السياسي؛
والمفروض كذلك أنهم متفقون على إقامة علاقات مميزة وحسن جوار، بل ويطمحون أن يكون اليمن جزءًا أصيلاً في جسم مجلس التعاون الخليجي؛
وأخالهم جميعاً متمسكون بتنمية وتطوير بلدهم، ومتمسكون كذلك بعروبتهم وحاضنتهم الجامعة العربية!
أما المشروع الأخر، فكما صفته سابقاً؛ ومعظم الشعب اليمني يعاني منه، وهو رافضاً له؛ و –ربما-لو لم تُرى التناقضات في صف الشرعية وتضارب المصالح والمشاريع والتدخلات؛ لكان قد هبّ الكل لإزالة هذه اللوثة من الوجود.. وحالياً.. أجزم أن المقاومة في مناطق سيطرة الحوثي هي الأشد من المناطق المسيطر عليها من قبل الشرعية، فهم يقاومون الحوثي في أكثر من مكان وعلى السلطة الشرعية أن تلحق بهم، توحد صفها وخطابها وأهدافها!؛وعليها قبل هذا.. أن تخلق نموذجًا، كي يلتفّ الناس حولها؛
وقد يقول قائل، أن الكلام تنظيري.. فما هو الحلّ؟
والحلً.. في اعتقادي سهل جداً، إذا ما صدقت النوايا وغادر المنتمون للشرعية، الماضي واستجراره واستدعائه؛ ويا إخواننا.. قبل الذهاب التفاوض والاتفاق مع المنقلب والمعروف مبتغاه النهائي؛ عليكم أن تتفاوضوا وتتحاورا فيما بينكم، وأوجدوا الأسس والمبادئ والرؤية ثم عززوها بالتوقيع على ميثاق شرف للتنفيذ.. مطلوب هذا أولاً التنازل لبعض، فيما بين المؤمنين بمشروع الدولة والجمهورية؛ والمنتمين لصف الشرعية؛ والتوقيع على ميثاق شرف، وضعوه (وديعة) عند الاخوة في التحالف، وطالبوا التحالف بالمراقبة واتخاذ العقوبة المناسبة ضد المخالفين والمعرقلين لما تمّ الاتفاق عليه ووقعتم عليه!
إذاً.. مطلوب ميثاق شرف يوقع عليه كل الفاعلين وبخاصة من همّشوا باستخدام القوة أو بالاستقواء..
أقول هذا وأنا أرى ما يجري من استعدادات واستعداء.. يطل برأسه من جديد من خلال تحركات الكيانات ومكونات، وكتاب ونشطاء كانوا الى وقت قريب صامتون.. وهنا أدعو سعادة الأخ السفير أحمد علي عبد الله صالح أن يحسم أمره ويتخذ قراره لصالح التمسك بالسلطة الشرعية، ففيها لا بغيرها سنصل لمشروع الدولة الذي ننشده؛ أرجو أن ينخرط السفير بالسلطة كما انخرط فيها الاخرون؛ ولا داعي ابداً، للاتهامات والتخوين واستحضار الماضي..
وهنا أقول.. فإما ميثاق شرف موقع بعد الاتفاق على رؤية واهداف واضحة؛ أراه مناسباً جداً في هذه اللحظة التاريخية، مع باستيعاب الفاعلين الجدد في إدارة المرحلة الانتقالية ،شريطة أن يكونوا مؤمنين وملتزمين بالولاء للدولة والجمهورية، ومحددين موقفهم صراحة من الانقلاب وأهله ؛ وهذا هو المستحب والمطلوب عاجلاً!؛
وإذا لم يفعل ذلك.. فإن التصفير والعودة الى الساحات والاعتصامات، وفقاً لمبدأ عودة، بعودة قد تكون واردة.. وما هذا التحرك الذي يشاهد، ما هو إلا نتيجة لإخفاق مجلس القيادة الرئاسي في توحيد الصف وتحشيد الطاقات والجهود والموارد نحو انهاء الانقلاب وخلق نموذج واستيعاب كل من له ولاء للدولة والجمهورية والديمقراطية والسلطة الشرعية.. وأظن المجلس قد أخفق حقاً في جعل مستواه القيادي منسجماً ومتجانساً ومتوافقاً!
فالحراك الحاصل مهم.. إذا وظف توظيفا إيجابيا لصالح السلطة الشرعية، لا بالضد منها..
وعليه.. فإني أدعو مجلس القيادة وهيئة التشاور والمصالحة لسرعة الدعوة لكل القوى المؤمنة بالسلطة الشرعية للاجتماع الفوري والاتفاق على رؤية والتوقيع على ميثاق شرف؛ فذلكم هو الأفضل للجميع.. فإن تقاعسوا فرائحة التصفير فائحه، وربما إلى عودة الساحات والاعتصامات من جديد؛ وما ستحمله لو حصلت من إبراز التناقضات والاختلافات وتعظيمها قد يقضي على السلطة الشرعية والمشروع، وستَصُبُّ بالنهاية لصالح الحوثي وشرعنة انقلابه على أنه ثورة شعبيه.. والحليم تكفيه الإشارة!!
-->