لم تكن أمريكا أسيرة إسرائيل وقينها المطيع يومًا إنسانية، لم يحزن قادتها لفواجع الشعوب وانتهاك حقوقها، إنهم أحفاد طلقاء السجون ومرتكبي الجرائم العابرة للقارات، إنهم الحقراء في صور السادة، والعبيد بصور الأحرار، نخبةٌ حاكمة متوحشة تعبث بالعالم، تتحكم بمصائره، عصابةٌ أسيرة للصهيونية منزوعة الأخلاق والقيم..
لا يعنيها مصائر السواد الأعضم من شعوب الأرض تجوع تعرى تقتتل تموت، دعاة الحضارة المادية الطفل المتسخ ثيابه بثروات الفقراء والبندقية العالق بها دماء الأبرياء، لا يعنيهم حرق الجثث وصب الزيت على نارها، وقصف المنشآت الحيوية وحتى غلال الطعام ومخازن القمح والأدوية..
يتركون المركز ويذهبون لدمار الأطراف، يتجاهلون خادمهم المجرم ويتجهون نحو الضحية، لا يعنيهم كل ذلك بقدر ما تعنيهم مصالحهم الاقتصادية والصعلكة في بحار العالم تلويث شواطئه وإذلال من عليها من البشر وحرق مزارعهم وما يمتلكون من بسيط الأدوت..
عصابات تتعاشق فيما بينها وتتساحق سياسيًا ومصالح، عصابة الحوثية السلالية، والصهيونية اليهودية ونخبة الساسة الأمريكيين، خرجت كلها من جحرٍ واحد تتغوط من فيه واحد تتقيأ من معدة واحدة تسلخ الناس في مسالخ هدفها المشترك وإن اختلفت عرقياتها واللغات..
يقف الشعب اليمني متعجبًا من المسرحية الهزلية التي تلعبها أمريكا وإسرائيل وإيران عبر صعاليكهم في المنطقة، قوى لديها من التشفي والارتياح لما يجري من دمار حضاري وإنساني، قيمي وديني في اليمن، سقوط لا يستوعبه عقل إنسان لديه أبجديات الفهم..
وفي الوقت الذي يكون الوطن هو السقف المرفوع، موئل الانتماء والدفء الحاني، منبع الإحساس بالكرامة، تريد أن تخرجه العصابات عن معنى الوطن، ثراء غير مشروع يمكن البعض من شراء البعض الآخر، تريد شيوع الفقر حتى يضطر الحُر أن يبيع نفسه وكرامته.
بلغ الضيق مداه ممن يدَّعون الإسلام، بدأت الناس تتململ وتتمرد على الدين برمته، ذُبح بغداد عاصمة الرشيد باسم المذهبية والدين والتشيع وأُحرقت دمشق ولبنان العروبة باسم العلوية والصرخات الحسينية، ودُمرت مدائن تاريخ اليمن باسم الآل، منذ أن وصل الآل إلى اليمن أواخر القرن الثالث الهجري لم يرَ اليمن العافية، سَقَمُ وعِلل وحروب الدعوى الإلهية لم تبارحه، عجلةً لن تقف ستأتي على الجزيرة تباعاً والبقية تأتي..
لم يظفروا بالخلافة في دارها، في العراق ولا في الشام، حقبةً يسيرة كانت للخليفة على ابن ابي طالب حقبةً كانت رماحًا وسيوف وزعت المآسي واليُتم والأرامل على كل العراق والشام، وحتى اليمن في أقاصي الجنوب نالها منها النصيب الأكبر..
مناحة الحسين تثير سخرية الغرب وتلهب ظهور السُذج بسياطهم، سارت معارك قريش بين أفخاذها بني العباس وبني أمية والطالبيين ومن دار في أفلاكهم الدامية، ولا زال مثلث برمودا يلتهم من البشر المزيد..
لم تجتمع على اليمن مآسي العصابات الثلاث في تاريخها، أمريكا، وإسرائيل بريطانيا والحوثية مدمني لعق دماء أبناء اليمن ابتهجوا بما جرى بالأمس في ميناء الحديدة لأنهم الهدم ولإهانة والإذلال، قصف للسواحل والأراضي المأهولة بالمساكين، ليس في الأمر لا ناقةً له ولا جمل، والطيرمانات بحفظ أمريكا مصونة..
عصابات تتبادل الأدوار فيما بينها لإخراج اليمن من محيطة العربي كونه جذرهم العميق، مخزنهم الإنساني المشبع بالمنجزات الحضارية، تشعر ثلاثية العصابة بالصغار أمامه ويخافون قدرته وثأثيره، فأحاطوه بالمفاعلات المنوية من كل اتجاه..كي يصبح أعجوبة شيعية تلطم، وصوفية تشعوذ ومنابر شيطانية تحرض على العنصرية والطائفية ليل نها..
تعلّمت العصابات كيف تستثمر جهل القبائل العمياء في حروبها، ثم أدركت كيف تستغل أهل المناطق الفقيرة وتصفدهم بقيود التشيُع، من خلال تدوير التجهيل والخسف والقصف، أرغموهم على الخيانة، يريدونه شرًا محض.. يقول سارتر الإنسان الأكثر وعياً وداركاً لايمكن أن يكون شريرًا لأن الشر يتطلب غباءً ومحدودية في التفكير..
غير ان الجبال التي اعتبروها ملاذًا بعيدًا وآمِن، والأرض التي اعتبروها سهلة، والإنسان فيها منهك فاقد الحيلة جراء التكالب عليه، ستنقلب يومًا عليهم براكين وأرضًا من حمم تحرق العصابة ثلاثية الدخيلة والمتدخلة في أرض سبأ من كل جانب..
-->