تزايدت مؤخراً حالات الإختلالات والأمراض النفسية في أوساط المجتمع اليمني ، لدرجة ملفتة وخطيرة جداً ، وهذه هي النتيجة الطبيعية للضغوط النفسية الهائلة التي يتحملها المواطن اليمني ، وخصوصاً أصحاب الدخل المحدود وفي مقدمتهم مئات الألآف من الموظفين المحرومين من مرتباتهم وحقوقهم للعام السابع على التوالي ، وهو ما حول حياتهم إلى كابوس مخيف ومرعب ، في ظل صمت حكومي وإقليمي ودولي مريب ومخجل ، وللأسف الشديد كل يوم تتطور تلك الحالات النفسية بشكل ملفت ' فهذا يدعي أنه نبي ، وهذا يقول أنه المهدي المنتظر ' وهكذا ، طبعاً الإضطرابات النفسية التي تعرض لها هؤلاء الأشخاص ، وغيرهم كثير من أبناء اليمن ، لم تأتي من فراغ ، بل هي نتاج ضغوط الحياة الكبيرة ، التي انعكست بشكل سلبي على حالتهم النفسية ، وكم من مآسي وكوارث ومشاكل وجرائم يعيشها المجتمع اليمني بسبب ذلك ، فبمجرد أن تخرج إلى الشوارع العامة ، سوف تلاحظ على الفور بأن ظاهرة المجانين والمختلين نفسياً في تزايد مستمر ، وسوف تلاحظ في كلام الناس حالة اليأس والاحباط وفي عيونهم كل صور الحزن والألم ..!!
وإذا غُصت في تفاصيل حياة الأسر اليمنية ، سوف تصاب بالذهول من هول تفشي ظاهرة الاضطرابات النفسية بين أفرادها بمختلف مستوياتها وأنواعها ، وسوف تصاب بالألم والحزن من هول آثارها السلبية على حياتهم واستقرارهم ، فكم سمعنا من حالات قتل داخل الأسرة الواحدة ، وكم سمعنا من حالات طلاق ، ومن حالات تعذيب للطفولة ، ومن حالات انتحار ' واعتداءات جسدية وجنسية ، وحالات ضياع وانحراف وتشرد ، وكل ذلك سيكون له إنعكاس خطير على تنامي مستوى الجريمة داخل المجتمع ، وإذا استمرت الأوضاع الاقتصادية والمعيشية تسير نحو السلبية ، فإن المجتمع اليمني للأسف الشديد سوف يشهد مزيداً من الاضطرابات والحالات النفسية ، وهكذا وضع هو مؤشر خطير ، يتطلب من الجهات الرسمية والمجتمعية والمنظمات الدولية الإنسانية دق ناقوس الخطر ، فالحالة النفسية المزرية والمتردية والسلبية ، التي يعاني منها العديد من أفراد المجتمع اليمني ، نتيجة الضغوط المعيشية الهائلة أصبحت فوق قدرات وطاقات الإنسان ، ولولا الإيمان بالله تعالى والذي يعتبر خط الدفاع الأخير الذي يحمي الكثير من أفراد المجتمع اليمني من الوقوع في براثن الأمراض والاضطرابات النفسية ، لشاهدنا الهوايل في هذا المجال ، كيف لا والكثير من أرباب الأسر اليمنية باتوا عاجزين عن توفير لقمة العيش لمن يعولونهم في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية ..!!
وإذا لم يتم وضع الحلول والمعالجات السريعة للحد من هذه الضغوط والتخفيف منها ، فإن هذه الظاهرة سوف تتنامى وتتطور ، وسوف تظهر الكثير من الاضطرابات والحالات النفسية بين أفراد المجتمع اليمني ، قد يظن البعض أنني أبالغ في هذا الطرح ، لكن الذي ربما لا يعلمونه ، أن الأسرة اليمنية المحافظة ، تعمل على التستر على أفرادها الذين يعانون من الحالات والاضطرابات النفسية ، ولا تظهر إلى العلن إلا القليل منها والتي تخرج عن السيطرة ، ولو يتم عمل بحث ودراسة مسحية حكومية أو إنسانية أو أممية ، فإن النتيجة سوف تكون كارثية ووخيمة ، خصوصاً في ظل الأوضاع القائمة ، وفي ظل تزايد الضغوط الحياتية ، وتدهور الحالة المعيشية والاقتصادية والتي باتت تحاصر الإنسان اليمني من كل إتجاه ، وتضيق عليه الخناق من كل جانب ، وفي ظل عدم وجود أي حلول أو مبادرات لتخفيف كل ذلك ، من على كاهل المواطن اليمني ، الذي أصبح غنيمة ومقصد لكل فاسد وناهب وطامع ، في ظل تلاشي سلطة النظام والقانون ، وظهور سلطات بديلة وموازية ، منتشرة في مختلف المحافظات اليمنية تحت مسميات مختلفة ، لها قوانينها وأنظمتها الخاصة بها ..!!
ما جعل المواطن اليمني يعيش في دوامة من الصراع النفسي ، وفي حالة من عدم الاستقرار والأمان ، وجعلته عرضة للابتزاز والنهب والسلب ، تحت مسميات ورسوم وجبايات ما جاء بها من سلطان ' في ظل حرمانه من أبسط حقوقه الإنسانية والاقتصادية ، وفي ظل لا مبالاة من المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية والحقوقية ، وكأن الإنسان اليمني غير محسوب على الجنس البشري ليتفرج العالم كله عليه ، وهو يتجرع المعاناة والمآسي والكوارث ، بل إن هناك تواطؤ داخلي وإقليمي ودولي ، في إطالة أمد الأزمة اليمنية ، وفي كل ما يتعرض له الإنسان اليمني من استنزاف وضغوط وإرهاق وحرمان ، في ظل مجتمع دولي تحكمه المصالح والحسابات السياسية السلبية ، والضمير الإنساني عنده في حالة إجازة ..!!
-->