علق الناقد والصحفي يحيى الجبيحي على كتاب احمد سيف حاشد، الذي يحمل عنوان "فضاء.. لا يتسع لطائر،
وجاء تعليق الجبيحي بين تأييد وانتقاد، حيث بدأ تعليقه بكلمات حب وثناء وجهها لكاتب الكتاب أحمد سيف حاشد، ننشرها كما جاءت على النحو التالي:
((فَضَاء.. لا يَتَّسِعْ لِطَائر!!))
" أخي وأُستاذي العظيم، يحيى عبدالرقيب الجُبَيحي، ثمَّة أشياء كبيرة غير محبتك، تجمعني بك، وأولها نِضَالَك وكفاحك وسنوات صبرك..
تقبل كتابي
أحمد سيف حاشد
عضو مجلس النواب
1/10/2024م"
كلمات الإهداء أعلاه.. هي بخط مؤلف الكتاب عنوان هذه "الدردشة" وبقدر اعتزازي بها.. بقدر اندفاعي لقراءة كتاب: (فضاء.. لا يتسع لطائر)! ليس حُباً للإطراء قطعياً.. فأنا والحمدلله لستُ ممن يُحب ذلك ومن يعرفني وتعامل معي يعرف ذلك جيداً، وإنما أحسب أن دوافع كلمات الإهداء تلك.. والتي قد يكون بالغ بها الأُستاذ أحمد سيف حاشد، أحسب أنه كان صادقاً بها.. رُغم أوجه التباين بيننا وهو كثير!. ثم.. تعودتُ الكتابة عن بعض الكتب المُهدى لي شخصياً من مؤلفيها والتي تستحق القراءة فعلاً بوجه عام!!
وهكذا.. وبعد استلامي لـ: (فضاء.. لا يتسع لطائر) من أحد الواصلين إلى تعز قادما من (القاهرة) حيث تفضل المؤلف بتسليم هديته لزميل الزنزانة (حمزة).. والذي أرسله بدوره لزميله.. تصفحتُ.. الكتاب أو السيرة الذاتية.. لِأجدني مندفعاً للقراءة بكل تمعن وكما عهدتُ الأُستاذ أحمد عند بعض كتاباته.. سواء أيام صحيفته التي ظلت بفحواها بين راضٍ عنها وساخطٍ منها.. أعني (المستقلة) أو بغيرها.. يمتاز بِحق.. بأسلوب سهل ممتنع.. خاصة عند سرده في الكتاب لحياته الأُولى بالقرية.. لأتذكر عند القراءة.. السيرة الذاتية الفريدة.. والاستثنائية (الأيام) لعميد الأدب العربي الدكتور طه حسين – رحمه الله وعفى عنه – مع الفارق الكبير!! والتي قرأتها غير مرة فكما تعايشتُ مع طفولة طه حسين بالريف المصري وعرفتُ كقارئ عن بعض التوجهات الاجتماعية واستمرار الخرافات والإيمان بالأولياء وغير ذلك.. بجانب مواجهته لمحنة (العمى) وما لقيَ من متاعب.. الخ.. فقد تعايشت أيضاً مع طفولة أحمد سيف حاشد، وما واجه من حياة قاسية وضنك العيش، وفقدان بعض أحبته.. مكرراً مع الفارق الكبير بين طريقة سرد وكتابة طه حسين عما هي لدى الزميل أحمد.. حتى حياة (العشق) التي عايشها وصولاً إلى الفشل فيه!! إنها صورة مصغرة من الحياة الاجتماعية التي سادت بمسقط رأس أحمد سيف حاشد أيام طفولته، والتي تتكرر بمعظم إن لم يكن بكل مناطق وأرياف اليمن مع بعض التباين بالعرض وليس بالجوهر! كذلك سردة فترة دراسته الأُولى حتى المرحلة الجامعية بما في ذلك علاقته بمدرسيه.. مذكراً القارئ عن مدى صموده وتحديه لبعض ما واجه.. وهو يكتب بأُسلوب أدبي ساخر أحياناً !! جامعاً عند الكتابة بين الأديب والمؤرخ والسياسي والاقتصادي والجغرافي.. الخ.. وكل ذلك لهدف إعطاء القارئ ما يعتبره بما يكتب شاهداً لجزء من بعض أحداث وواقع تاريخنا اليمني بكل مساويه وحسناته.. ولو من وِجهة نظره هو.. ولعله لذلك.. قد توفق في إهداء كتابه: (للمظلومين!) .. الخ.. حتى تأثيراته الحزبية وتحديداً باليسار.. لم يغفل عن ذكرها.. بما في ذلك تغيير أسماء بعض أبنائه أثناء التأثر وبعد الإفاقة!! فقد كان أباً لـ: (فيدل) ليغيره مع تغييرات الآراء والأحداث والتوجهات و.. و.. إلى: (فادي) ويسار.. إلى: (يُسرى).. (ليت شعري ماهي وِجهة نظر (فادي) و (يسرى) اليوم)؟!
أجل.. ظل يكتب ويخلط بين الجدّ والهزل والحزن والفرح والسخرية والإعجاب.. حتى أنه ينتقد جماعات دون قُدرتها على انتقاده حسب زعمه؟! وإن كان يعرف الرد لماذا لم يفصح عنه؟!
وحينما يسرد بكتابه بعض آراء وأفكار وأشعار بعض الشعراء والمفكرين والسياسيين عرباً وعجماً.. ليستشهد بها ثم ليربط ذلك ببعض معايشته لأحداث خاصة وعامة.. فإنه ينقل ما قد لا يتوافق معه معظم قراؤه وكاتب هذه "الدردشة" منهم ببعض ذلك.. والتي منها حديثه عن طفولته وكيفية وصوله إلى دنياه.. واستفساراته عن الحياة والموت وما بعد الموت.. لينقل للقارئ.. وهو يتحدث عن ذلك بعض آراء وشعراء ملحدين قدامى وحديثون، عَرباً وعجماً.. مُستشهداً ببعض أبيات شعرية من قصيدة أو أُغُنية: (الطلاسم) لشاعر المهجر إيليا أبو ماضي التي غناها عبدالحليم حافظ.. وهي القصيدة التي سرد بها الشاعر تساؤلاته عن الحياة وكيفية الوجود بها والغموض بتلك الكيفية.. والتي رد عليه بعض أهم الشعراء والمفكرين المصريين واللبنانيين أنفسهم.. بما فيهم مسيحون كـ.. إيليا أبو ماضي نفسه.. فاستشهاده بها.. إنما ينم عن إعجابه بفحواها.. وكاتب هذه "الدردشة" وإن أُعجب بالجانب الأدبي بها.. لكنني أعرف جيداً عن حكمة وجودي في هذه الحياة.. والمصير بعدها والحمدلله.. وذلك هو ما ينطبق على أُغنية: (من غير ليه؟) التي غناها وهي آخر أغانيه – محمد عبدالوهاب – إذا يقتصر إعجابي على الأداء الفني فحسب!! وأحسب أنني لستُ وحيداً بذلك.. أذكر هنا فصل: (رغبة في التحليق) ص (23 - 34) وهي الصفحات التي تناولت ألغاز المؤلف – هداه الله !! فإعجابي عكس إعجاب أحمد سيف حاشد وكاتب كلمات: (من غير ليه؟!).. أحسب أن بعض قراء (قَفَشَاته) منذ أيام صحيفة (المستقلة) ممن أظهروا غضبهم على بعض ما كان يكتب بصحيفته.. خاصة بعض زملائه بمجلس (النوام) أقصد: (النواب) لم يقرأوا بعد كتابه موضوع هذه "الدردشة" خاصة هذه الصفحات!
ولكم أُعجبت بثقته بذاته.. وهو بالفصل (فضاء ضاق بطائر) ص45 يتحدث بكل فخر عن مهنة والده..
حتى اسمه.. لا يخلو من مداعبته وكشفه لبعض حقائق البعض بصورة لاذعة جداً: فكلمة: (هاشم) ص54 أثقلت كاهله حسب تعبيره.. والسبب هو ما أطلق عليهم أنا شخصياً بـ: (أنصار أنفسهم) حتى ولو لم يفصح عنهم.. لكن كل قارئ قرأ ما قرأته خاصة ما يخص تلك الكلمة.. لابد أن يعرف من يقصد! مع الاختلاف في عدم افصاحه عنهم.. هل هو خوفاً أم غير ذلك؟!! ذلك أن اسم (هاشم) أثقل كاهله بسبب جهلهم وغرورهم وتمسكهم بماضٍ عفى عليه الزمن! ومن ذلك حصر سلالة سيد البشر بهم دون غيرهم.. والسبب.. كما ذكر اتهامهم له أن اسمه الرباعي (هاشم).. استخدمه للإساءة ولأغراض انتهازية أو سياسية أو اجتماعية – حسب زعم أحدهم – كما جاء بالصفحة (58)..
ولم يسلم الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر – رحمه الله – من (شطحات) الكاتب! ومن ذلك حينما قرأ الشيخ عبدالله بصفته رئيس مجلس النواب اسمه بالمجلس.. وليقف عند كلمة: (حاشد) ويغيره الشيخ نفسه إلى الاسم الرابع: (هاشم) ص57.. ولا أعتقد صحة ذلك.. بل غير مستساغ لمعرفتي الشخصية بالشيخ عبدالله رحمه الله – مالم يُوجد سبب آخر مُقنع!! بينما قيام أحد قادة: (الحوثي) قلب اسمه الرابع.. من (هاشم) إلى (أبو علي) ص61.. لا أستبعد ذلك منهم!! وقد يكون ما قام بسرده عن اسمه من باب التصور الفني لكتابه؟!.
كذلك، وقفتُ ملياً أمام رسائله الخمس لوالده.. (73 - 90) لقد ظللتُ أتنقل في القراءة وهو من خلال السرد يخلط بين الجد والهزل فهو يتحدث عن السلطة السياسية ثم سرعان ما يتحدث عن والدته؟! يتحدث عن طفولته وسرعان ما يذهب بعيداً بسرده.. كما يتحدث عن حياته الدراسية (292 - 387) وسرعان ما يخلط بجدية بما واجهه عند الدراسة بأيام حملاته الانتخابية وبداية حياته البرلمانية.. وهكذا دواليك!!.. وقد يوجد ما يستحق الربط بين هذا وذاك، لكني شخصياً كنتُ أتمنى الترتيب عند السرد بالجوانب التاريخية.. أي يتحدث مثلاً عن طفولته ودراسته بصورة منتظمة تاريخياً.. وحينما يأتي حديثه عن بداية حياته العملية ووجد ما يستدعي الربط والدلالة بما حدث أيام طفولته ودراسته يمكنه الاستشهاد بذلك وليس العكس؟! ودون أن ينسى انبهاره بموسكو.. وسرد المواقف المفرحة والمحرجة خاصة عند بداية دراسته (446 - 510).. ولأول مرة أعرف التوافق في تنظيم سكن الطلاب والطالبات بأُم الاشتراكية يومها وأيام أُم الرأسمالية ولا تزال أعني الولايات المتحدة حينما قارنتُ سكني الجامعي بولاية إنديانا الأمريكية بسكنه بالاتحاد السوفيتي سابقاً..
لقد قرأتُ الكثير عن أحداث يناير 1986م بين الرفاق.. لكن سرد أحمد سيف حاشد ص (511 - 542) عن تلك الأحداث "القبلية" امتاز عما عداه بتسجيل ما حدث بصفة يومية! رغم بعض تناقضاته.. فمن قوله: (أردنا أن نتسلح دون ان نعلم هذا التسليح يتبع أي جهة ؟!) رغم أن المركز الذي استلم منه حسب قوله: (آلي وذخيرة خط ناري 120 طلقة) ومن خلال فحوى حديثه نفسه أنه كان من الطغمة؟!!.. كما أن حديثه بـ ص 522 حينما قال: (خلال أحداث يناير 1986م كنتُ حريصاً أن استخدم سلاحي في حدود الدفاع عن النفس) إنما يريد أن يتملص من مسؤولية ما حدث.. وبعض إن لم يكن معظم من حملوا السلاح يومها رددوا نفس كلامك.. ولذا أنت مذنب يا أبا (فيدل) أقصد (فادي) حتى ولو لم تقتل ذبابة طالما وقد حملت السلاح وكُلفت بأداء مهام محددة كما ذكرت أنت ذلك!
توقفتُ ملياً في حديثه عن بعض التصفيات بعد الحرب خاصة حينما قال: (وقد تم تحت عنوان "شمالي" تصفية جُل الضباط والصف والجنود الشماليين ولم ينجح منهم إلا القليل). ص 536 لكن وحسب ما قرأتُ لغير واحد أن القتل والتصفيات كان يتم من خلال الفرز بالبطاقات الشخصية فأنت من أبين وشبوة مثلاً لابد أن تقتل، أو أنت من يافع أو الضالع وردفان يجب أن تُقتل! وهكذا.. لكن إضافة تصفية (شمالي).. هل كانت تصفيتهم بالصورة التي ذكرها.. أبو (يسار) أقصد (يسرى) من قبل الزمرة أم من قبل الطغمة؟!..
مع أنه من خلال قراءتي في ص 538، ظهر لي أن مَن قُتلوا من الشمال كانوا مع مَن قُتلوا من الضالع وردفان ويافع، وهذا يُوضح أن الزمرة جماعة علي ناصر محمد هم وراء قتلهم.. فإذا صح استنتاجي وأحسب أنه هو الصحيح، فإن من أغرب الغرائب أن رفاق السلاح مع الشماليين بالأمس، هم من أصبحوا ينادون اليوم بالانفصال عنهم، فيا للعجب؟!!
وحينما ظل يكرر أن الخطايا بعد أحداث يناير تكررت حينما هُزمت اليمن في حربي 1994م و 2015م ؟!.. حسب زعمه، ألم يكن الأجدر به توضيح الفارق الكبير جداً بين أحداث يناير وبين الذي هو من أسباب حرب عام 2015م بل ومن أسباب المصائب والمصاعِب والمحن التي ظللنا ولازلنا نتجرع مرارتها حتى اليوم؟ إن لم يكن السبب الأول؟
حتى حياته العاطفية لم ينسَ تخليدها بكتابه ص (573 - 656) ورغم سرده شِبه الممتع عن حياته العاطفية تلك فإن ذلك كله انتهى بالزواج من غير مَن أحب وأُعجب!! وذلك هو نفس ما مر به غيره بما فيهم كانب هذه "الدردشة؟!" بل إن ذكرياته لبعض مناطق عدن الحبيبة تتكرر مع بعض ذكرياتي فكما عاش (بالقطيع) عشتُ بسوق (الطعام) وبنفس مدينة (كريتر) مع وجود فارق ضئيل وهو أنه عاش بغير القطيع.. بينما قضيتُ أنا بنفس المكان ست سنوات؟..
ودون أن أنسى قراءتي لما ذكر بقالب أدبي وَحُب جارف عن عدن وبعض معالمها ومن ذلك (جبل شمسان).. و (صهاريج عدن)
وللتأكيد على ما ذكر حينما أذهب لزيارة: (الصهاريج) أحياناً أظل أتخيل بكل حب وإعجاب وشموخ كيمني، إعادتي لعشرات قرون عِدة مضت.. متسائلاً مع ذاتي.. كيف استطاع الآباء بناء هذا العمل الهندسي الرائع؟ وأظل أقارن بما أشاهد بالأهرام التي زرتها عشرات المرات، وإن أنسى.. فلن أنسى، حينما عدتُ من إحدى زياراتي للقاهرة.. أن كتبتُ مقالة بصحيفة (26 سبتمبر) عن الأهرام وأذكر أن مما قلته عنها.. اِستحالة أن يكون ذلك البناء وبتلك الحالة المُدهشة حِساً ومعنى هي من بناء الإنسان وإنما هي الطبيعة.. التي أوجَدَتْها.. مما دفع ببعض الصحفيين المصريين يكتبون ضدي وضد حجم غَبَائي كما قالوا؟! وهو ما قد ينطبق على (صهاريج عدن) التي لو كانت في غير عدن لباتت مقصد ملايين السواح من كل جهات الدنيا؟ لكنها كما هو حال بعض مآثرنا الأُخرى بمأرب والجوف وحضرموت وَغيرها.. إذ لا يوجد اهتمام كما يجب ولا حُسن دعاية أو إعلام بل ولا توعية محلية على الأقل؟ وإن كان ما يُحمد عليه بعض الآباء والأجداد هو بالحفاظ على بعض مآثرنا وليس كلها!!
أُعجبت في نهاية كتابه طلبه من الجميع أن يكتبوا مذكراتهم وسيرهم وتجاربهم، معللاً حرصه بذلك حتى لا يغتال.. المنتصرون الحقيقة.. الخ. (ص 679)
تذكرتُ أيام دراستي بالولايات المتحدة حينما أهدتنا إحدى زميلاتي الأمريكيات كتاب خاص بالسيرة الذاتية لجدها لوالدها.. وحينما استفسرتُ منها عن وظيفته القيادية التي شغلها، تفاجأتُ حينما قالت إنه كان مجرد مدرس بإحدى المدارس الثانوية بالجامعة.. وذلك ما تأكدتُ منه فيما بعد حينما اطلعت على سير ذاتية مشابهة.. إذ ليس شرطاً أن يكون كاتب السيرة الذاتية بكونه كان مسؤولاً كبيراً في الدولة كما هو حال عالمنا العربي (البائس ؟َ!)..
هكذا ظللتُ اقرأ بكل أريحية ورغبة بحق.. وحينما وصلتُ إلى قراءة آخر صفحات: (فضاء.. لا يتسع لطائر).. لاحظت جملة: (خاتمة الجزء الأول).. فهل يا ترى هناك أجزاء أُخرى؟!.. و.. ليت شعري.. ماذا سيقول أكثر مما قد قال في (688) صفحة من الحجم الكبير؟!
فإلى العزيز/ أحمد سيف حاشد هاشم.. مع تحياتي
يحيى عبدالرقيب الجُبَيِحي
تعز – في 21 فبراير 2025م