حضرت المسلسلات المشتركة خلال السنوات السابقة بشكل لافت، حيث تفاءل البعض بما يمكن أن تضيفه للمشهد الدرامي، بينما قال آخرون إنها لن تتمكن من تجاوز عقبة الخصوصيات المحلية للبلدان العربية.
ورغم تشابه الظروف في المجتمعات العربية، إلا أن هناك اختلافات عديدة يمكن أن تؤثر على الدراما، مثل القوانين المطبقة في كل بلد، وسلم الأولويات من القضايا في كل مجتمع، إلى جانب اختلاف المستوى الفني للممثلين، ومساحة الحرية المسموح للدراما التحرك فيها
ويقول الناقد علي الراعي لـ"إرم نيوز": "لم تضف الدراما المشتركة، جديداً إلى الفن؛ لأن الدافع تجاري تسويقي، وليس إبداعيًّا يهدف لتحقيق رسالة ما".
ويستشهد الراعي بمسلسل "ع أمل"، السوري اللبناني، الذي لم تتحدث الصحافة اللبنانية عن نجومه السوريين، تأثراً بالاضطرابات السياسية التي جرت، أثناء عرض المسلسل.
ويضيف الراعي: "اضطرت شركات الإنتاج اللبنانية، إلى الاعتماد على الممثلين السوريين للاستفادة من خبرتهم ونجوميتهم، فحققت هدفين، الأول هو رفع مستوى الدراما اللبنانية، والثاني إنتاج مسلسلات رابحة تسويقيًّا".
من جانبه، يرى الكاتب سامر محمد إسماعيل، أن الدراما التلفزيونية لن تعاني من اختلاف الخصوصيات بين البلدان العربية؛ لأن هدفها ترفيهي في الغالب.
وأوضح إسماعيل لـ"إرم نيوز": "إذا ظهرت أي قضايا خلافية في الدراما، نتيجة الخصوصيات المحلية للبلدان العربية، ستهرع شركات الإنتاج لتعديلها مباشرة لضمان عرض المسلسل".
ويرى الراعي، أن تطور الدراما السورية ونجاحها، جعل شركات الإنتاج العربية تتبنى إنتاج المسلسلات السورية لأهداف تجارية، بغض النظر إن كانت قضاياها مناسبة لأغلب المجتمعات العربية أم لا.
مسلسل النار بالنار وقضية اللجوء
وسبق لمسلسل "النار بالنار"، السوري اللبناني، الذي عرض الموسم الماضي، أن تسبب بانتقادات كثيرة بسبب تناوله موضوع اللاجئين السوريين في لبنان، بشكل وُصف بغير المناسب.
ويتساءل إسماعيل، عن جدوى الدراما التلفزيونية المشتركة، إن كانت سترزح تحت الاعتبارات الخاصة لكل بلد عربي، وفي مقدمتها الرقابة التي يراها كل على هواه؟".
ويعتقد الراعي أن الدراما المشتركة ستواجه تحديات كبيرة في المستقبل، ويضيف: "الخصوصيات المحلية في المغرب والمشرق والخليج، ستؤثر على قضايا الدراما، فمشاكل المرأة في المغرب مختلفة عن المرأة في الخليج أو بلاد الشام".
وظهرت مشكلات الخصوصيات المحلية في مسلسلي "نظرة حب" و"مال القبان"، وكان من الصعب الحصول على رضا الجمهور عند مقاربة قضايا حساسة مثل التهريب على الحدود بين الشام ولبنان، أو تأثر العائلات المختلطة بالتوترات السياسية.
ويضيف الراعي: "أثبتت المواسم الدرامية السابقة، أن المسلسلات السورية الصرفة، أفضل بكثير من المسلسلات المشتركة، وهذا يعود إلى تأثير الخصوصيات المحلية، وفي مقدمتها اختلاف مستوى خبرات الممثلين في كل بلد".
ويرى الراعي أن طبيعة نظام كل دولة، وموقفها من التحرر والديمقراطية، إضافة إلى اختلاف اللهجة، من الخصوصيات ذات التأثير الكبير على الدراما.
ويضيف: "لنتخيل لو اجتمع في مسلسل واحد، ممثلون من سوريا والمغرب مثلاً، فكيف سيتفاهمون في ظل صعوبة لهجة كل طرف على الآخر؟".
كما تؤثر الخصوصيات المحلية على طبيعة القضايا المتناولة، فالدول العربية لا ترى القضية الفلسطينية بنفس المنظار، كما تختلف أهمية هذه القضية بالنسبة للمجتمعات القريبة أو البعيدة عن مكان الصراع.
لكن الناقد، الراعي، يورد أمثلة لمسلسلات مشتركة نجحت هذا الموسم قائلا: "نجح مسلسل تاج على سبيل المثال، في اعتماد ممثلين لبنانيين يتقنون اللغة الفرنسية، لأداء أدوار عناصر الجيش الفرنسي، ويمكن اعتبار هذا العمل هو الوحيد الذي نجح في توظيف الدراما المشتركة لخدمة العمل".
وتسبب المسلسل الكويتي "زوجة واحدة لا تكفي"، باتهامات للممثلة أيتن عامر، بالإساءة للفن والمجتمع المصري، نتيجة رقصها في أحد المشاهد، في حين لم توجه هذه التهمة لممثلات رقصن في مسلسلات غير مشتركة!
ويبدو أن الخصوصيات المحلية تصبح أكثر حساسية في المسلسلات العربية المشتركة، فيما لا تثير أي جدل أو انتقادات في الأعمال محلية الإنتاج والتمثيل.
وتقول الكاتبة نور قزاز لـ"إرم نيوز": "من الطبيعي أن تحدث هذه الحساسيات، في بدايات الدراما العربية المشتركة، لكنها ستتلاشى لاحقاً مع تكريس التجربة واستيعاب الجمهور لخصوصية التمثيل وصدق النيات في العمل الفني".
وتعتقد نور، أن الدراما المشتركة نوع من التبادل الثقافي والفني الذي يرفع نسبة الوعي ويعبر عن التنوع في العالم العربي، مع ضرورة مراعاة الحساسيات الخاصة؛ لأن الهدف هو تقديم إبداع فني يرقى بالمجتمع وليس إثارة الخلافات.