كانت الولايات المتحدة في موقف دفاعي في الشرق الأوسط منذ انسحابها أحادي الجانب من خطة العمل الشاملة المشتركة مع إيران في 8 مايو 2018. وفتح الانسحاب الطريق أمام توسع كبير للنفوذ الصيني والروسي في جميع أنحاء المنطقة، بدل إعادة التفاوض على الصفقة من موقع قوة وإبقاء إيران تحت السيطرة.
وبلغ هذا ذروته في صفقة لاستئناف العلاقة بوساطة صينية بين العدوين السابقين، إيران والمملكة العربية السعودية، ووضع الأساس لهجوم كامل مدعوم من إيران على حليف الولايات المتحدة الرئيسي في المنطقة، إسرائيل. وأبرزت الولايات المتحدة منذ غزو روسيا لأوكرانيا في 24 فبراير 2022 أنها لن تقف مكتوفة اليدين وتشاهد الصين وروسيا تفتكان موقعها بصفتها قوة مهيمنة في العالم.
ويقول الباحث الاقتصادي سايمون واتكينز في تقرير نشره موقع أويل برايس الأميركي إن المشروع المشترك رباعي المحاور المعلن عنه مؤخرا في مصر بين شركة بريتش بتروليوم البريطانية (بي بي) وشركة بترول أبو ظبي الوطنية الإماراتية (أدنوك) يُعدّ مثالا على ذلك. ولمصر أهمية كبيرة في العالم العربي، وخاصة في الوضع الجيوسياسي الحالي. وطالما اعتبرتها الدول العربية قوة رائدة، وهو موقف عززه دورها المركزي في انبثاق أيديولوجيا “القومية العربية” منذ 1950.
الأيديولوجيا على فكرة تلاحم الدول العربية لتحقيق أهداف مشتركة، بناء على أوجه التشابه السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية، لبناء هوية تمنحها سلطة في العالم تتجاوز تلك التي سمحت بها القوى الاستعمارية الغربية بعد الحربين العالميتين. وكان أقوى مؤيد لصعود هذه الأيديولوجيا هو الرئيس جمال عبد الناصر الذي حكم مصر من 1954 إلى 1970.
وكان من أبرز بصمات هذه الحركة حينها تشكيل اتحاد الجمهورية العربية المتحدة الذي جمع مصر وسوريا من 1958 إلى 1961، وتشكيل منظمة أوبك في 1960، وسلسلة الصراعات مع إسرائيل خلال تلك الفترة، ثم الحظر النفطي في1973/74.
وطالما سعت إيران (وهي دولة فارسية، وليست عربية) إلى الاستفادة من هذه الأيديولوجيا القومية العربية في جهودها لتوسيع الحرب بين إسرائيل وحماس وتعميقه إلى صراع بين الدول اليهودية المسيحية في العالم بقيادة الولايات المتحدة من ناحية، والدول الإسلامية التي تقودها هي من ناحية أخرى. وتشغل مصر موقعا فريدا في سوق النفط العالمية، وهو ما تدركه الولايات المتحدة وحلفاؤها.
وتصل تقديراتها الرسمية المتحفظة من احتياطيات الغاز إلى حوالي 1.8 تريليون متر مكعب، وهي تسيطر على قناة السويس التي يمر عبرها حوالي 10 في المئة من النفط والغاز الطبيعي المسال في العالم. كما تسيطر على خط أنابيب سوميد الحيوي، الذي يمتد من محطة العين السخنة في خليج السويس بالقرب من البحر الأحمر، إلى ميناء سيدي كرير غرب الإسكندرية في البحر المتوسط.
ويعدّ هذا الخط بديلا حاسما لقناة السويس ويمكّن من نقل النفط من الخليج إلى البحر المتوسط. وتبقى قناة السويس واحدة من نقاط العبور الرئيسية القليلة التي لا تسيطر عليها الصين. وتمارس بكين سيطرتها على مضيق هرمز من خلال “اتفاقية التعاون الشامل بين إيران والصين لمدة 25 عاما”. كما تمنح الصفقة نفسها الصين سيطرة على مضيق باب المندب، الذي تُشحن من خلاله السلع عبر البحر الأحمر نحو قناة السويس قبل مرورها إلى البحر المتوسط ثم غربا.
وتحقق ذلك لأنه يقع بين اليمن (تدعم إيران الحوثيين منذ فترة طويلة) وجيبوتي (التي أحكمت الصين قبضتها عليها). ويرى واتكينز أن المشروع المشترك بين شركة بريتش بتروليوم وأدنوك الإماراتية سيكون خطوة نحو ترتيبات إيجابية بين الولايات المتحدة وحلفائها من جهة، والدول العربية التي ربما ظن التحالف أنه خسرها من جهة أخرى وتؤكد حقيقة أن المشروع يجري في أهم دولة عربية على أهميته المحتملة.
وقادت شركة شيفرون، من الجانب الأميركي، وشركتا بريتيش بتروليوم وشل البريطانيتان وشركة إيني الإيطالية على الجانب الأوروبي، عملية الانتقال إلى قطاع النفط والغاز في مصر. وقالت شركة بريتش بتروليوم مؤخرا إنها ستستثمر 3.5 مليار دولار في استكشاف حقول الغاز في مصر وتطويرها خلال السنوات الثلاث المقبلة. وأكدت أن مضاعفة هذا المبلغ سيكون ممكنا إذا أدت العمليات إلى اكتشافات جديدة.
وستمكّن الصفقة الجديدة بين شركة بريتيش بتروليوم (بحصة 51 في المئة) وأدنوك (بحصة 49 في المئة)، من استكشاف امتيازات الغاز وتطويرها في أربعة مشاريع رئيسية: مجمع شروق (مع حقل ظهر المنتج)، وشمال دمياط (مع حقل أتول المنتج)، وشمال البرج (مع حقل ساتيس غير المطور)، والتنقيب عبر منطقة امتياز شمال الطابية البحري وبيلاتريكس- شرق سيتي، وشمال الفيروز. ومن المتوقع أن يكتمل التشكيل الرسمي للمشروع المشترك المدمج خلال النصف الثاني من السنة الحالية.