الرئيسية > تقارير وحوارات > رغم ظروف الحرب.. طلاب بالعراء من أجل التعليم في اليمن

رغم ظروف الحرب.. طلاب بالعراء من أجل التعليم في اليمن

" class="main-news-image img

 

في إحدى قرى مديرية حيس في محافظة الحديدة غربي اليمن، يكابد العشرات من الطلاب من أجل التعليم، وسط إمكانيات أقل ما يقال عنها شحيحة، فلا مدرسة ولا أدوات تعليم، ولا حتى أدوات سلامة تقيهم من حرارة الصيف وبرد الشتاء.

 

يتوافد في الصباح 270 طالبا وطالبة من ثلاث قرى في ريف مديرية حيس، إلى مساحة أرض تتوسط القرى الثلاث، عارية وقاحلة، حيث يمنح ظلال الأشجار الأطفال غطاء لتلقي دروسا في القراءة والكتابة على يد شباب متطوعين أتوا من قرى مجاورة مختلفة.

 

بهذه الامكانيات البسيطة يحاول الطلاب من كلا الجنسين الوصول إلى نقطة نور العليم ليبددوا ظلام الجهل أملا في حياة مفعمة بالعلم والمعرفة، إلا أن عوائق كثيرة تقف أمامهم وهم يخوضون غمار الوصول إلى هذه المنطقة لتلقي دورسا لعل وعسى أن تنتشل من مستقنع الجهل والفقر.

 

 حلم الأطفال

 

"الطفل محمد" ابتسم حينما سُئل عن شعوره وهو يدرس، فقد عبّر عن سعادته الغامرة وهو يقول إنه "سعيد" لأن بمقدوره الآن كتابة اسمه.

 

وبهذا التطلعات والآمال يسعى (محمد) رغم محدودية أداركه لتحقيق حلمه في سن مبكرة، يحلم بتعليم جيد وآمن، وفي بيئة مشجعة للعلم من الأسرة والمجتمع ومن الدولة.

 

طفل آخر يقارب محمد في العمر يقول إنه يحقق اليوم أمنيته بتعلم القراءة، ويتمنى الطفل أن يستمر المتطوعين في تأدية عملهم إلى أن يصبح بمقدورهم التعلم بشكل ذاتي في ظل تلك الظروف القاسية والمأساوية.

 

جُلَّ حلمه القراءة والكتابة، وهي بمثابة الخطوة الأولى في مشوار الألف ميل للوصول إلى حلم يتسابق عليه المؤمنين بأهمية العلم والتعليم، وهذا باختصار حلم الطلاب الذين يفترشون الأرض ويلتحفون ظل الأشجار منذ الساعة الـ 7 صباحا وحتى العاشرة، حيث يضطر المعلمون المتطوعون إلى التوقف عن التدريس بفعل حرارة الشمس والظروف الطبيعية القاسية.

 

الحديدة وحرمانها من التعليم

 

تفتقر غالبية مديريات محافظة الحديدة الساحلية لإمكانيات التعليم، حيث تغرق بالجهل منذ عشرات السنين، دون اهتمام من الحكومات المتعاقبة، رغم أنها تدر لخزينة الدولة مليارات الريال، دون أن تعود بالفائدة لهذه المحافظة الفقيرة والمحرومة من مواردها.

 

ويشكل التعليم في محافظة الحديدة العائق الأبرز بالنسبة للسكان في ظل النقص الحاد في توفير متطلبات العملية التعليمية خاصة في أرياف المحافظة.

 

وعلى المستوى الحكومي أكد وكيل محافظة الحديدة، وليد القديمي،في تصريح لـ " يمن فريدم" أن معاناة التعليم في المناطق المحررة صعبة جداً، بسبب تفجير الكثير من المدارس من قبل الحوثيين وبعض المدارس أصبحت شبه منتهية بسبب الاعتداءات المتكررة بالطيران المسير او الكاتيوشا.

 

وأشار القديمي في حديثه عن واقع التعليم في الحديدة إلى أن بعض الأسباب التي فاقمت من وضع التعليم هي كما أوضح "تزايد عدد النازحين الفارين من مليشيا الإرهاب الحوثي في المناطق المحررة في تزايد، حيث وصل عدد النازحين إلى ما يقارب (19) ألف أسرة، مما تسبب في ازدحام المدارس ونقص في المنهج الدراسي".

 

وذكر " أن السلطة المحلية في المحافظة والمديريات المحررة بترميم بعض المدارس وبناء البعض ومنها فصول دراسية مؤقته بعضها من الخيم ".

 

وركّز وكيل محافظة الحديدة القديمي في تصريحه على العجز في الكادر التعليمي من معلمين ومعلمات، وقال: " لدينا 310 متطوع ومتطوعة يعلمون أبنائنا وبنات".

 

وتابع القديمي " نطمح في المرحلة القادمة اعادة بناء كافة المدارس وتوسعتها لاستيعاب كل الطلاب والطالبات النازحين الى المناطق المحررة بأذن الله".

 

طموحات تعيقها الإمكانيات

 

يبذل المعلمون المتطوعون في قرى مديرية حيس جهدا جبارا لا يمكن أن يقدر بثمن في سبيل إنارة عقول الطلاب القادمين من قرى مختلفة، أملا في ترك بصمة لا يمكن للزمن أن يمحوها، فالمعلمين كالطلاب لهم طموحات إلا أن الإمكانيات تقف عائقا كبيرا أمام تلك الطموحات، ومع ذلك تبقى معركة مستمرة بين ما يسعى من أجله المعلين وبين الصعوبات.

 

يشعر المعلم المتطوع، (خالد أحمد شجان- بكالوريوس لغة عربية) وهو يؤدي رسالته السامية في عمل تطوعي لتعليم الطلاب، وهو ما يجعله يشعر بالسعادة رغم البيئة المحيطة به، ويقول خالد إن "أرياف وقرى مدينة حيس حديثة التحرير وهي في أمس الحاجة إلى تفعيل عملية التعليم ولكن للأسف الشديد لم تحظى بالنظرة الكريمة من قبل المعنيين في هذا الجانب رغم مناشدتي لهم مراراً وتكراراً وكوني أحد المعلمين والمعلمات المتطوعين في قريتنا لتعليم الطلاب".

 

يكرر المتطوع خالد في حديثة لـ " يمن فريدم" مناشدته للمسؤولين والمعنيين في الحكومة الشرعية، رغم مناشداته في أكثر من مناسبة، لكن لا حياة لمن تنادي حسبما قال في تصريحه.

 

ويسرد خالد في كلامه أن مديرية حيس منذ تحريرها " لم يتم تفعيل المدارس ولا التعليم في الأرياف إلا في ثلاث أو أربع قرى وجميع مدارس الأرياف مغلقة".

 

لم يقف خالد ومعه متطوعين آخرين مكتوفي الأيدي حيال من يجرى للتعليم في المديرية، توجه هو وزملائه للتطوع في التدريس تحت الأشجار، وذكر منهم (الأستاذ وعاقل القرية أحمد سالم مشعل، والجندي الأستاذ عبدالرقيب القدسي).

 

الجميع شاهد حال المتطوعين والطلاب، ولم يتوقف خالد ورفاقه بل ناشدوا جهات رسمية والتي لم تكن متجاوبة معهم فقد قال مدير مكتب التربية بالمديرية: "تعلّمون عشرات الطلاب وتريدون مني افتح لكم مدرسة".

 

حاولنا في " يمن فريدم" التواصل مع مدير مكتب التربية والتعليم التابع للحكومة الشرعية، بمحافظة الحديدة، إبراهيم أجعش، لكن لم نتلقى أي رد على رسائل له عبر الواتس أب.

 

رسالة مملوءة بالتحدي

 

يخوض المعلومون المتطوعون خلال العام الدراسي في بعض قرى مديرية حيس تحديا غير عاديا وهم في مهمة تنوير الطلاب وتعليمهم وسط تلك الأرض القاحلة التي تنعدم فيهل سبل الراحة، ويحاول المتطوعون من خلال عملهم إيصال رسالة لمن خذل تلك المناطق ولم يوفر لها كل مكانيات التعليم، أنهم قادرون على مواجهة التحدي وتضاريس الطبيعة ويصنعون جيلا من الأطفال المتعلمين.

 

"أسامة محمد" أحد المتطوعين في قرى مديرية حيس، بدأ عمله في مجال التدريس كمتطوع بعد تخرجه من الثانوية العامة، محمد لم يشعر بالإحباط من تلك التحديات والعوائق التي تحول دون تحقيق حلم الطلاب والطالبات، بل عبّر عن شعوره حين يرى الأطفال وهم يتقنون جمع الحروف وقراءة الكلمات باقتدار، وهذا الشعور يولد لدى محمد حالة من التحدي والإصرار بمواصلة هذا المشوار المليء بالصعوبات وقلة الإمكانيات.

 

المتطوع خالد يشكو افتقارهم للمبنى والمناهج الدراسية، وسط تردي الحال المادية للطلاب الذين لا يستطيعون توفير إمكانيات التعليم في ظل تلك الظروف العصية عليهم، ويقول خالد: " علما أن الطلاب من أسر نائية وفقيرة وايتام ولا يوجد في هذه القرى من الآباء موظف حكومي، وإنما كلهم ذوي الدخل المحدود فكيف يكون حال الطلاب، الطلاب لا يمتلكون حتى دفاتر المدرسة".

 

الحرب وتداعياتها على التعليم

 

سببت الحرب التي تدخل عامها الثامن الكثير من التداعيات والدمار على المنشآت التعليمية خاصة في المحافظات التي شهدت أعمال عسكرية خلال تلك السنوات، وكانت محافظة الحديدة على رأس قائمة تلك المحافظات التي تعرضت مدراسها للتدمير الجزئي والكلي وتشرد فيها المعلمين والطلاب وأسرهم.

 

ونالت المديريات الواقعة جنوب محافظة الحديد النصيب الأكبر من ذلك الدمار والتشريد وتراجع العملية التعليمية وفق ما ذكرته الأمم المتحدة.

 

منظمة الأمم المتحدة للطفولة(يونيسف) قالت إن أكثر من 60 ألف فتى وفتاة خارج المدرسة بسبب القتال في الحديدة، حيث أجبرت أعمال العنف أكثر من ثلث مُجمل المدارس هناك على الإغلاق، من ضمنها 15 مدرسة تقع على جبهات القتال، ومدارس أخرى تعرّضت لأضرار فادحة أو تم استخدامها كملاجئ للعائلات النازحة. اضطرت المدارس التي تُدرّس على فترتين في المنطقة إلى تقليص عملها ليقتصر على ساعات قليلة في الصباح.

 

وتقول المنظمة في تقريرها "في المناطق الأكثر تضرراً في الحديدة، لا يستطيع سوى واحد من بين ثلاثة طلاب مواصلة الدراسة، أما المعلمين فنسبة حضورهم هي أقل من ربع عددهم الإجمالي في المدرسة. معظم العاملين في سلك التعليم في اليمن لم يتلقوا رواتبهم لأكثر من عامين، واضطر العديد منهم إلى الفرار بسبب العنف، أو بحثاً عن فرص أخرى تمكنهم من تدبير احتياجاتهم الشخصية".

 

وفي مجمل حالة التعليم في اليمن عامة تشير اليونيسف إلى أنه يوجد أكثر من مليوني طفل خارج المدرسة في جميع أنحاء اليمن، أي بارتفاع نصف مليون طفل منذ تصاعد النزاع في عام 2015، وأن واحدة من بين خمس مدارس في جميع أنحاء البلاد غير صالحة للاستخدام بسبب تدميرها، وإصابتها بالأضرار، لإيوائها لعائلات نازحة، أو لاستخدامها لأغراض عسكرية.


الحجر الصحفي في زمن الحوثي