الرئيسية > عربية ودولية > لماذا فشلت المعارضة التركية في الإطاحة بأردوغان؟ (تفاصيل)

لماذا فشلت المعارضة التركية في الإطاحة بأردوغان؟ (تفاصيل)

" class="main-news-image img

 

انتهت جولة الانتخابات الرئاسية والتشريعية التركية بتثبيت حكم حزب العدالة والتنمية، وخسارة المعارضة فرصة الفوز بكرسي الرئاسة، التي لاحت بقوة بفضل اتفاق أحزابها الستة على دعم مرشح واحد هو كمال كلجدار أوغلو لمواجهة الرئيس رجب طيب أردوغان.

 

المفاجأة التي لم يكن ينتظرها أحد هي ترشح زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كلجدار أوغلو للسباق الرئاسي، في حين كانت الأنظار تتجه إلى شخصيات أخرى من داخل ائتلاف المعارضة ومن خارجه.

 

من الخارج، سرت توقعات حول احتمال أن تختار المعارضة شخصية وسطية غير محسوبة على أحزابها الستة، وجرى تداول اسم الرئيس السابق عبد الله غل، أحد شركاء أردوغان في تأسيس حزب العدالة والتنمية عام 2001، والذي تولى الرئاسة بين عامي 2007-2014، وغادر بعدها الميدان السياسي على خلاف مع أردوغان.

 

ومن الداخل، جرى تداول أسماء مرشحين آخرين، أبرزهم منافس أردوغان في انتخابات 2018 محرم إنجه، الذي حاز في حينه نسبة 30 في المائة من الأصوات، وانشق عن حزب الشعب الجمهوري ليؤسس حزب البلد عام 2021، ويترشح للانتخابات الحالية التي انسحب منها قبل الدورة الأولى بسبب ما قال إنها تهديدات وابتزاز من بعض المحسوبين على المعارضة.

 

وهناك مرشحان آخران لا يقلان وزناً عن إنجه، هما منصور ياواش رئيس بلدية أنقرة، وأكرم إمام أوغلو رئيس بلدية إسطنبول، وكلا المدينتين خرجتا عن سيطرة "العدالة والتنمية" في الانتخابات البلدية عام 2019، وصارت المعارضة تحوز فيهما أغلبية الأصوات، وهذا مؤشر انتخابي مهم.

 

لم يكن من السهل اتفاق المعارضة على مرشح واحد، ولكنها تجاوزت هذه العقبة في اتفاق تشكيلها في فبراير/شباط 2022، وبقي الاتفاق من حول شخصية المرشح، والذي بدا صعباً لأسباب عدة، أبرزها وجود أكثر من مرشح مؤهل من داخل حزب الشعب الجمهوري.

 

التحفظات على ترشح كلجدار أوغلو كثيرة، منها أنه يفتقر لمؤهلات الزعامة، من كاريزما وحضور فاعل

 

دار التنافس بين منصور ياواش وأكرم إمام أوغلو وكلجدار أوغلو، وكانت المفاجأة اختيار الأخير، وقبول الآخرين بذلك باستثناء زعيمة الحزب الجيد ميرال أكشنر التي رفضت ترشح كلجدار أوغلو وفضّلت الاختيار بين ياواش وإمام أوغلو، وكادت تهدد بفرط تحالف المعارضة، ولكنها رضخت في النهاية.

 

التحفظات على ترشح كلجدار أوغلو كثيرة، منها وفق ما هو شائع أنه يفتقر لمؤهلات الزعامة، من كاريزما وحضور فاعل في الوسط السياسي وموهبة في الخطابة وشعبية تتجاوز حزبه ورصيده في العمل العام، كما أنه لا يحظى بالإجماع عليه من داخل الحزب.

 

عوامل رفعت أسهم المعارضة التركية

 

التقت تقديرات داخلية وخارجية على أن هناك فرصتين مهمتين في الانتخابات. الأولى هي وحدة قوى المعارضة على مبدأ تقديم مرشح واحد لمواجهة أردوغان، وهذه الفرصة فريدة من نوعها لم تحصل في السابق، وقد لا تتكرر في المدى المنظور.

 

أما الفرصة الثانية، فهي تتمثل في تقاطع عوامل عدة، يمكن أن تؤدي إلى خسارة أردوغان الرئاسة، وقد بدا هذا الاحتمال أقرب مما كان عليه في أي وقت، والدليل على ذلك إحساس الرئيس التركي بالتهديد الفعلي، وهو ما انعكس في حملته الانتخابية حتى أسبوع من الجولة الأولى.

 

وجرى الترويج خلال الشهر الذي سبق الانتخابات، أن هزيمة أردوغان ممكنة، وخسارة حزبه للانتخابات التشريعية مؤكدة، لأن الشارع التركي ينشد التغيير، ويريد أن يجرب حكماً آخر غير الذي عاش معه أكثر من عقدين.

 

ورقة الرهان الكبيرة تمثلت في الجيل الجديد، الذي يناهز الخمسة ملايين. وهؤلاء ولدوا في بداية حكم "العدالة والتنمية"، ويصوّتون للمرة الأولى. وأكدت تقديرات المعارضة أن أغلبية هؤلاء تطمح إلى تركيا بعيدة عما تمثله برامج وأفكار التحالف الحاكم المحافظ، وأقرب للعلمانية والخيارات الغربية.

 

استندت الحسابات الداخلية والخارجية لهزيمة أردوغان على معطيات اقتصادية وسياسية. وعلى هذا الأساس جرى الرهان على تقديم برنامج متين، يمكن أن يجذب جيل الشباب، والشرائح المترددة من الناخبين.

 

استندت الحسابات الداخلية والخارجية لهزيمة أردوغان على معطيات اقتصادية وسياسية

 

وتم توظيف المسألة الاقتصادية بقوة ضد الرئيس التركي، خصوصاً ارتفاع نسبة التضخم والأسعار، إلا أنها لقيت انقساماً من حولها، لأن حكم "العدالة والتنمية" الذي تجاوز عقدين، هو الفترة الأولى التي شهدت فيها تركيا نمواً اقتصادياً واسعاً على مستوى مشاريع البنى التحتية العملاقة من مستشفيات وجامعات ومطارات وطرق وشبكات سكك الحديد وقطارات الأنفاق.

 

ولعبت المعارضة ورقة الموقف الغربي السلبي من سياسات أردوغان، التي تحظى بالتأييد الواسع، حينما يتعلق الأمر بالخلافات مع اليونان حول الغاز في المتوسط، وتأييد أذربيجان في الحرب مع أرمينيا، وتنويع مصادر السلاح بين أميركا وروسيا وحرب أوكرانيا.

 

حسابات خاطئة للمعارضة

 

إلى وقت قصير من الجولة الأولى، لم يكن معسكر أردوغان واثقاً من فوزه، بل كان هناك شبه تسليم بخسارة البرلمان بسبب تراجع أداء "العدالة والتنمية"، ومنذ خسارة البلديات المهمة، أنقرة، إسطنبول، إزمير، عام 2019، ساد الاعتقاد أن سيناريو الخسارة يمكن أن يتكرر على مستوى الانتخابات التشريعية.

 

وجاءت نتائج الجولة الأولى على عكس كافة الحسابات، بما فيها تلك التي استقرت عليها ماكينة "العدالة والتنمية"، الذي حافظ على تقدمه على المعارضة، وتفوق أردوغان على منافسه الرئيسي بفارق كبير هو خمس نقاط، أي ما يتجاوز مليونين ونصف مليون صوت.

 

كما أكدت نتائج الجولة الثانية عدم دقة حسابات المعارضة، لجهة القدرة على هزيمة أردوغان، وزاد في ذلك الأخطاء السياسية التي ارتكبتها، وسوء الأداء على مستوى إدارة التحالفات، وظهر ذلك بوضوح بعد ظهور نتائج الجولة الأولى، وتفاقم قبل الجولة الثانية بقليل.

 

وأكثر ما أضر مرشح المعارضة، يمكن تلخيصه بأربع نقاط. الأولى هي تقربه الشديد من القوميين العنصريين المتطرفين المعادين للأجانب، ورفع لواء حملة طرد اللاجئين السوريين.

 

والنقطة الثانية هي تحالفه مع حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، وهو أمر يعتبره القوميون الأتراك عملاً انتهازياً، لأنه لا يراعي الموقف التركي العام من "حزب العمال الكردستاني" المصنف إرهابياً في تركيا.

 

تقرب كلجدار أوغلو بشكل كبير من القوميين العنصريين المتطرفين المعادين للأجانب، ورفع لواء حملة طرد اللاجئين السوريين

 

والنقطة الثالثة هي محاولة الاستثمار الطائفي من قبل كلجدار أوغلو نفسه، وهو أمر أثار ردود فعل سلبية في الوسطين العلماني والمحافظ، لأن هذا العنصر لا يدخل في تركيب الهوية التركية.

 

والنقطة الرابعة هي المواقف الخارجية، خصوصاً الغربية التي دعمت كلجدار أوغلو، لتظهر المواجهة في نظر الشارع التركي بين أردوغان الوطني المحافظ، وكلجدار أوغلو حليف الغرب الذي يريد تغيير سياسات تركيا المستقلة عن الغرب والشرق.

 

بعض هذه النقاط أثارت ردود فعل سلبية على المستوى الداخلي، وخارجياً بدأ الإعلام الغربي بتغيير رأيه فيما يخص دعم مرشح المعارضة التركية، وحصل تحول ملحوظ قبل أسبوع من الجولة الثانية.

 

كانت وجهة النظر من الخارج أن الجامع المشترك بين الأحزاب الستة المعارضة، هو أنها تتبنى خطاباً "ديمقراطياً وسطياً" يتجنب الإقصاء أو التطرف تجاه فئة محددة من الشعب، كما تجمعها معارضة أردوغان والسعي إلى إطاحته.

 

وبعد أن كانت أغلبية وسائل الإعلام الغربية تتحدث عن المعارضة التركية بوصفها حاملة مشروع التغيير والانفتاح والديمقراطية، أخذت تلاحظ بقوة أن خطابها انحرف نحو القومي العنصري المتطرف.

 

انحراف نحو الخطاب القومي العنصري

 

وكان لافتاً أن صحيفة "لوموند" الفرنسية التي كانت ترى قبل ذلك في أردوغان مرشحاً محافظاً، ومنافسه رمزاً للعلمانية، عنونت على "الانحراف الخطير للمعارضة نحو اليمين"، وقالت إنه قبل أسبوع من الجولة الثانية باتت لهجة وموضوعات حملة كلجدار أوغلو مستوحاة من الخطاب القومي المتطرف.

 

وحسب الصحيفة الفرنسية، فإن التغير في خطاب المعارضة بدأ عشية ظهور نتائج الجولة الأولى من الانتخابات في 14 مايو/أيار الحالي، حينما تبيّن بشكل ملموس الثقل الذي يمثله القوميون. وقالت إن منافس أردوغان قرر أن ينحرف نحو اليمين بعيداً. وقصدت أنه ذهب باتجاه اليمين المتطرف.

 

وبالفعل التقى كلجدار أوغلو مع أوميت أوزداغ زعيم حزب "النصر" العنصري والمحرض البارز على اللاجئين السوريين، حليف المرشح الذي فاز بالموقع الثالث في التنافس الرئاسي زعيم "تحالف الأجداد" سنان أوغان، الحائز نسبة 5,3 في المائة من الأصوات في الجولة الأولى، والذي عرض عليه في حال فوزه، منصب وزير الهجرة وحتى موقع نائب رئيس الجمهورية.

 

وركزت وسائل إعلام غربية على الهجوم الذي شنه زعيم "الشعب الجمهوري" في 17 مايو/أيار على اللاجئين الذي حدد عددهم بحوالي 10 ملايين، وقالت إنه سبق له أن تحدث عن إعادة اللاجئين السوريين، لكنه لم يسبق له أن استعار خطاب الأحزاب القومية المتطرفة.

 

وأكدت مراكز تركية متخصصة في تحليل نتائج الانتخابات أن تقدّماً كبيراً حققته الأحزاب القومية المنضوية في التحالفين الكبيرين، أحزاب الحركة القومية والحزب الجيد والاتحاد الكبير والنصر، ونالت في الانتخابات التشريعية حوالي 23 في المائة من أصوات الناخبين.

 

والملاحظ أن هذه النسبة لا تشمل القوميين الذين ينضوون داخل الحزبين الرئيسيين، "العدالة والتنمية" و"الشعب الجمهوري". وقد أظهرت هذه الدورة على نحو واضح نمو الحس القومي داخلهما، الذي يظهر في صيغة تمجيد الشعور القومي والأمة التركية والوطن والعلم التركي.

 

تشير عدة آراء إلى أن خسارة المعارضة من شأنها أن تؤثر سلباً لجهة بقائها موحدة، وتبدو احتمالات تفككها أقرب، لأن العامل الذي جعل اللقاء بينها ممكناً لم يعد قائماً وهو قطع الطريق على ولاية رئاسية جديدة لأردوغان. وبدأت مؤشرات عدة إلى ذلك داخل بعض الأحزاب.


الحجر الصحفي في زمن الحوثي