الرئيسية > تقارير وحوارات > شهادات أسرى اليمن: فرحة الحرية تداوي جروحاً جسدية ونفسية

شهادات أسرى اليمن: فرحة الحرية تداوي جروحاً جسدية ونفسية

" class="main-news-image img

 

قبل أيام من حلول عيد الفطر، أُنجز اتفاق تبادل مئات الأسرى من ضحايا الحرب اليمنية، واحتشدت عائلاتهم في المطارات لعناق أحبّة حُرموا طعم الحياة لسنوات. أيام عصيبة عاشها الأسرى والأهالي قبل التأكد من إتمام عملية التبادل، التي لم يصدق كثيرون إمكانية إتمامها إلا برؤية الأسرى أحراراً.

 

في أحاديثهم مع "العربي الجديد"، اختلطت فرحة الأسرى السابقين وذويهم بالدموع، وروى عدد منهم قصصاً تختزل حجم المعاناة في الأزمة الإنسانية الأسوأ في العالم، بحسب توصيف الأمم المتحدة.

 

قبل يومين من عيد ميلادها، تلقّت الصحافية اليمنية رندا محمد نبأ الإفراج عن شقيقها رامي، الرائد في الجيش اليمني، فكان العيد عيدين. اعتُقل رامي خلال قتاله في صفوف القوات الجنوبية ضدّ قوات أنصار الله "الحوثيّين" في محافظة صعدة. تقول: "أُصيب في القتال، ونُقل إلى السجن المركزي في صنعاء، حيث قبع أربع سنوات. كان ممنوعاً لفترة طويلة من التواصل معنا، وكنا نجهل مكانه، ثمّ سمحوا له بالتواصل معنا من أجل طلب المال لتدبير مصاريفه".

 

تضيف: "كل سنة قضاها في السجن كانت بمثابة دهر. كانت المأساة كبيرة، فقد اختطفوا شاباً في عمر الورد، وقوّضوا حياته، واضطررت كصحافية أن ألتزم الصمت خوفاً من تعرّضه للأذى. أما والدي ووالدتي، فتدهورت أوضاعهما الصحية، ودخلت أمي في حالة اكتئاب، حتّى إنّهما عجزا عن الذهاب إلى المطار. فرحة الإفراج عن رامي لا يمكن وصفها، ولحظة رؤيته الأولى كانت صعبة، وامتزجت فيها بالفرحة بالصدمة".

 

وسردت رندا عذابات شقيقها، قائلةً: "لم يهتم الحوثيّون بالوضع الصحي لأي من الأسرى إلا قبل خروجهم بيوم، كذلك لم تكن معاملتهم بطريقة إنسانية. روى أخي بعضاً من تفاصيل ما تعرّضوا له من تعذيب، سواء بوضعهم في (الضغاطة) وهي غرفة مترين بمتر، أو بتعليقهم وجَلدهم، أو حرمانهم الماء والطعام. كانوا يُعاقَبون بشكلٍ جماعي، ويكررون عليهم أنهم مرتدون، وعليكم العودة إلى حضن الوطن، أو أنهم يقاتلون مع الدواعش، ويعدونهم في حال الاستجابة للمطالب بنيل حريّتهم. لكن أخي رفض بالطبع".

 

تتابع: "أخي بيننا اليوم، لكن لا يزال هناك الكثير من الأسرى، ولا يمكن أن نتجاهل المختطفات والسجينات، اللواتي أُلصقت بهنّ تهم التخابر مع التحالف. الأرقام التقديرية تتحدث عن أكثر من 1700 امرأة في سجون الحوثيّين، وللأسف لم تشملهن الاتفاقية باعتبارهنّ لسن مقاتلات، في حين أنّ الحوثيّين استعادوا سميرة مارش، المتهمة بتفجير أحد الأسواق، من السجون السعودية".

وتقول أم رامي مغالبة دموعها: "بداخلي وجع كبير؛ يكرر رامي مطالبتي بالفرح، لكن فرحتي لا تخلو من الغصّة. أخبرني أنّه في مرة كان يستنجد طلباً للماء، فانهالوا عليه بالضرب، إضافة إلى ما تعرّض له من تعليق وتعذيب وحرق".

 

يختزل العقيد السابق في الجيش اليمني، عبد الحكيم الملاحي، معاناته بالقول: "لقد أخذ السجن من عمري الكثير، وأصابتني الأمراض من جراء الإهمال الصحي والتعذيب المفرط. اعتُقلت بتهمة الانتماء إلى الحوثيّين. حتى إن كنتُ من أنصارهم، فهل تمكن معاملتي بهذه الوحشيّة، مع العلم أنّني ضدّ الانتماءات السياسية التي دمّرت اليمن. أمضيت في السجون خمس سنوات من الألم والمعاناة، وتنقّلت بين أكثر من سجن في السعودية، ولم نرَ في أي منها معاملة إنسانية، بل تعرّضنا للضرب ونزع الملابس والجَلد بالسوط والتعليق، فضلاً عن الإهانات. لم تردعهم أية محرمات، بل أمعنوا في ممارسة انتهاكاتٍ فظيعة".

 

يضيف الملاحي، الأب لستّة أولاد: "أخضع منذ عودتي إلى صنعاء للعلاج، إذ أعاني من مشاكل في القلب، وارتفاع الكوليسترول وانزلاق في الفقرات وآلام في المفاصل. أمضيتُ أكثر من أربع سنوات في سجن انفرادي، وكانوا يلزموننا بالوقوف باستمرار، ويمنعوننا حتى من الاتكاء على الجدار".

 

ويقول ابنه أيمن: "كنا نشعر بأنّه غاب مائة عام. بعد اعتقاله، لم نعرف أي معلومة عنه، وكانت تردنا شائعات عن وفاته. بعد نحو عامين ونصف عام، سمحوا له بالتواصل معنا، وسمعنا صوته مرتين فقط خلال سنوات الاعتقال، ولمدة ثلاث إلى خمس دقائق في كل مرة".

 

ينتظر يحيى، شقيق الجندي المحرّر حمدي الأشبط، وصول شقيقه إلى المنزل في تعز، بعد أن وصل إلى عدن. يقول: "كان حمدي في معسكر تدريبي للالتحاق بالجيش، فاعتقله الحوثيّون في أثناء هجوم على النقاط الأمنية، ولم نعرف عنه شيئاً طوال ثلاثة أشهر، ثم بدأنا نسمع شائعات عن وفاته، إلى أن تواصلوا معنا من صنعاء بعد نحو ستة أشهر، وأبلغونا أنّ اسمه بين الأسرى. بعدها بدأ يتصل بنا مرة أو مرتين كلّ شهر لطلب المال".

 

اعتُقل حمدي في عام 2019، وكان عمره حينها لا يتجاوز 21 سنة، وخرج ضمن صفقة التبادل بعد أربع سنوات من المعاناة والتعذيب والظروف القاهرة داخل السجن. يقول: "كنت أتمنّى الموت يومياً، فأنا لم أكن على قيد الحياة حقيقة، والوضع كان مزرياً، وكانوا يزجّون بنا في الزنزانة الانفراديّة لأتفه الأمور، ويحشرون فيها ستة أسرى رغم مساحتها الصغيرة، فنجبر على البقاء واقفين".

 

ويكشف مصدر مقرّب من الصحافي المحرّر مروان المريسي، أنه خرج قبل إتمام الاتفاقية بأسبوع، ولا يعرف إن كانت الاتفاقية قد أسهمت في تحريره، لكن كان من المفترض أن يخرج هذا العام بعد انقضاء محكوميّته التي حُدّدت بخمس سنوات. يضيف المصدر الذي فضّل عدم الكشف عن هويته: "كنا على تواصل مع منظمات حقوق الإنسان، وربما هذا ما أسهم في كشف معلومات عنه بعد سنة من اختفائه. مروان ينتمي إلى مدينة إب، وكان يقيم في السعودية، واعتُقل من أمام المستشفى حيث كان يتابع صحة ابنه، ثمّ اقتادوه إلى المنزل لتفتيشه، وعرفنا من الجيران أنّه اعتقل، ولاحقاً علمنا أنّه في سجن ذهبان في جدة، وقد سمحوا لزوجته بزيارته، وكان يتصل بأهله، وربط البعض اعتقاله بتغريدة اعتبرت مسيئة للمملكة، غير أننا لم نعرف التهمة الحقيقية أبداً، ونحمد الله على عودته سالماً".

 

ويسرد المصدر: "معاناة مروان الأكبر داخل السجن كانت عندما فقد ابنه البالغ عمره تسع سنوات، والذي كان يعاني ضموراً في العضلات، ولم يسمح له بالوداع الأخير. غير أنّ السنة الأخيرة كانت الأفضل، إذ تكررت فيها الاتصالات والزيارات، وتمكّن من رؤية ابنته وابنه الثاني. حالياً وضعه الصحي والنفسي جيّد، لكنّه يحاول التأقلم مع الواقع".

 

وتقول المتحدثة الإقليمية باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر في الشرق الأوسط، إيمان الطرابلسي، لـ"العربي الجديد": "اختتمنا عمليات الإفراج عن أسرى النزاع في اليمن، الأحد الماضي، والعمليات التي امتدّت لثلاثة أيام، شملت نحو 900 سجين سابق، وضمت 15 رحلة بين 6 مطارات، هي أبها والرياض في السعودية، وعدن وصنعاء والمخا ومأرب في اليمن، ونواصل مساندة تنسيق عمليات الإفراج أحادية الطرف التي أعلنتها السعودية، والتي ستشمل نحو 104 سجناء سابقين، وذلك عبر رحلات انطلقت من مطار مدينة أبها إلى اليمن".

 

تضيف الطرابلسي: "لم يقتصر دورنا على الجانب اللوجستي وترتيبات النقل وتنسيق الرحلات، بل شاركنا في المفاوضات بشراكة مع مكتب المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن قبل عمليات الإفراج، ولعبنا دور الوسيط في المحادثات، وتولّت فرق الحماية التابعة لنا إجراء مقابلات مع كلّ محتجز ورد اسمه في المفاوضات للتأكد من تطابق الأسماء، ومدى عِلم المحتجز بعملية إطلاق سراحه، ومدى رغبته في العودة إلى الوطن، وموافقته على نقطة العودة التي اتُّفق عليها، وكانت فرقنا موجودة في المطارات مع طاقم طبي ومتطوّعين من جمعيّتَي الهلال الأحمر اليمني والسعودي، وقدّمنا وجبات، ودعم نقدي لتمكين المحتجز السابق من مواصلة الرحلة إلى منزله، إلى جانب توفير هواتف جوالة للاتصال بذويهم. شكّلت عمليات التبادل قصة نجاح إنساني، وبعثت الأمل في نفوس ملايين اليمنيّين، إذ اجتمع شمل 900 عائلة".

 

وروت المتحدثة الإقليمية قصة ياسر، الذي كان على متن أولى الرحلات من عدن إلى صنعاء، بعد أن قضى خمس سنوات داخل السجون. "ذكر ياسر أنّه عندما احتُجِز كانت ابنته الوحيدة تبلغ من العمر سنتين، وتوفيت خلال وجوده في السجن، وعند إطلاق سراحه، اختلطت مشاعره ما بين الفرحة والحزن".

 

تواصل: "إنّها قصة من مئات القصص لسجناء حُرموا عائلاتهم، فمعظم من قابلناهم لم يتسنَّ لهم الاتصال بذويهم على مدار سنوات، وكانت المكالمة الأولى عبارة عن مشاعر متأجّجة تحوّل معها بعضهم إلى طفلٍ يخبر والدته بأنّه على وشك الوصول".

 

وكشف مدير "مرصد الحريات الإعلامية"، مصطفى نصر، لـ"العربي الجديد"، عن أنّه "أُفرِج عن أربعة صحافيين كانوا محكومين بالإعدام في محاكمات مسيّسة تفتقر إلى أدنى معايير العدالة، وهناك نحو 13 صحافيّاً آخرين، بعضهم مختفٍ قسراً، مثل محمد المقري الذي اختُطف من حضرموت في عام 2015، ووحيد الصوفي الذي فُقد أثره في صنعاء، والبعض يُحاكمون في عدن، على خلفية اعترافات أُجبروا على الإدلاء بها تحت التعذيب، مثل الصحافي أحمد ماهر، وبعض الصحافيين الذين جرت محاكمتهم في صنعاء، قضوا مدة محكوميّتهم، ولم يُفرَج عنهم، مثل محمد الصلاحي".

 

يوضح نصر: "لا يزال الصحافيون الذين اعتقلوا من مدينة الحديدة أسرى لدى الحوثيّين في صنعاء، بالإضافة إلى يمنيين كانوا يعملون مسؤولين إعلاميين في السفارة الأميركية، ونحو 11 موظفاً يمنياً في السفارة، ونطالب المجتمع الدولي بمزيد من الضغوط للإفراج عن بقيّة المعتقلين".


الحجر الصحفي في زمن الحوثي