الرئيسية > نوافذ ثقافية > الأبعاد الوطنية للهوية اليمنية عبر التاريخ وفي ظل المتغيرات الطارئة على الساحة الوطنية والمتغيرات الإقليمية

الأبعاد الوطنية للهوية اليمنية عبر التاريخ وفي ظل المتغيرات الطارئة على الساحة الوطنية والمتغيرات الإقليمية

" class="main-news-image img

لقد مرت اليمن بمراحل متعددة عبر حقب تاريخية غابرة تشكلت فيها الهوية الوطنية وارتسمت قسماتها وملامحها على الإنسان اليمني والأرض اليمنية  .

فاليمن هي مهد التاريخ ومنبع حضارات العالم إذا لا توجد حضارة في المعمورة إلا وقد تأثرت بعوامل التأثير من الحضارة اليمنية فهجرة اليمنيين الذين انتقلوا عبر حقب التاريخ الى بلدان العالم شكلوا  حضارات  وفتحوا الآفاق  وبنوا حضارات تلك الدول او ساهموا في نشوئها وبنائها وكانت لهم بصمات على واقع تلك البلاد بما يدل على أن اليمني يحمل هويته الوطنية معه أينما سار وذهب ويؤثر في محيطه الإجتماعي .

أولاً )   اليمن في الكتب السماوية 

اليمن  هي أصل العرب  وهذا ليس قولي بل هو ما جاءت به بطون الكتب القديمة فقد ذكرت اليمن في التوارات او مايسمى بالعهد القديم بإسم يمنات وذكرت في كتب الإغريق ببلاد العجائب وبلاد السعيدة كما أن الله كرمها يسورتين في كتابه الكريم الأحقاف وسبأ  وذكر الله ملوك اليمن التبابعة  إذ قال تعالى  وهو يصف العظمة والجبروت الذي تميزوا به  :- 

  أهم خير أم قوم تبع 

 وهذا دليل على أن الهوية الوطنية اليمنية لها تعظيم وتفخيم جاء في سياق أيات التنزيل الحكيم  ووصف الله  لهم بالعظمة والتفخيم .

وذكرهم  الله في سورة سبأ إذا قال جل جلالة .

لقد كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور  .

لقد كانت اليمن هي البلاد التي عرفت  قانون الدولة نظرا للدول المتعاقبة في الجغرافيا اليمنية،  كدولة حضرموت ودولة معين ودولة قتبان ودولة اوسان ودولة سبأ  وحمير  وهي دول  تشكلت فيها الهوية الوطنية وحملت الأبعاد الوطنية للدولة اليمنية القديمة فيما قبل الإسلام  بكل عظمتها وبما حملته من مضامين وطنية واقتصادية وثقافية وأيضا عسكرية .

 فملوك اليمن كانت جيوشهم  تجوب الجزيرة وتسيطر على رقعة واسعة من الأرض ، إذ أنها احكمت السيطرة على كامل ارجاء الجزيرة العربية فلم يذكر التاريخ إلا دول اليمن المتعاقبة على جزيرة العرب  .

ثانيا )  اليمن هوية وقومية وجغرافيا تتشكل  الإطار الجيوسياسي للدولة اليمنية 

وعليه فإن اليمن ليست إتجاه كما يروج أعداء اليمن بل إن اليمن هوية وتاريخ وحضارة وبلاد ذكرت في كتب التاريخ والتنزيل الإلهي بإسم يمنات ومن هذا المنطلق نحن  أمام هوية وطنية ذكرها الله في كتبه المنزلة على رسله و هي قومية تشكلت عبر أزمنة تاربخية تجسدت فيها الحضارة اليمنية مشكلة هوية اليمني الذي يعتبر زرع الأرض اليمنية  فمنها بداية الخليقة ومنها منتهاها فاليمن أصل موطن الإنسان الأول الذي من خلاله قامت حضارات الدول الأخرى. 

و عندما جاء الإسلام أكد  على الهوية اليمنية  إذ جاءت نصوص شرعية بأحاديث نبوية ذكرت فضل اليمن واليمنيين تأكيدا من الرسول صلى الله عليه وسلم على  هويتهم اليمنية القحطانية إذا قال جاءكم اهل اليمن هم أرق قلوبا وألين أفئدة  الإيمان يمان والحكمة يمانية .

 وقال جاءكم اهل اليمن هم خير من في الأرض وأحاديث تفضيل اليمن على من سواهم كثيرة ومتعددة تضمنتها  كتب التاريخ والتنزيل الإلهي   . .

غير أن الهوية اليمنية تأثرت بعوامل متعددة منها الغزو الحبشي  قبل الإسلام  والدخول الفارسي الأول مع  سيف بن ذي يزن  والدخول الفارسي الثاني والذي تجسد  بدخول يحيى حسين الرسي في العام 282 للهجرة مع إثنين من أبنائه قادما من الرس إلى صعدة وأنشأ جامع الهادي.  

 لقد كان دخول يحيى حسين الرسي الى اليمن يعتبر فتنة عظيمة إذ أن الرجل جاء يحمل هوية مناقضة ومنافية للهوية الوطنية فلقد جاء بصفة الهاشمي العدناني الذي يرى أن لهم الحق الهي والإرث  النبوي وأن لهم حق الولاية واستطاع أن يؤثر في العديد من القبائل اليمنية في همدان وما جاورها واستطاع أن يشكل جيشا من القبائل اليمنية ليقاتل بهم بقية مناطق اليمن  .

.وكان هذا أحد عوامل التأثير والتدخل على الهوية الوطنية اليمنية وأصبحت هناك محاولة لإيجاد بعد وطني آخر مغاير ومنافي للبعد الوطني اليمني  إذ أن الرسي وادعائه الإنتماء للعدنانية القرشية أراد تجيير  الهوية اليمنية وإدخال الهوية الهاشمية لتكون هي السائدة على القرار السياسي اليمني واختزال الهوية الوطنية اليمنية الجامعة،في هوية فئة وطائفة هي في الأصل لا تنتمي للأرض اليمنية ..

 واستشعر اليمنيون هذا الخطر الداهم الذي يحاول تقويض الهوية الوطنية بهوية دخيلة  ..

 فكان اليمنيون يقاومون هذا الدخل الهجين على هويتهم وكانت المقاومة عبر الدول الوطنية اليمنية   التي نشأت في أواخر الخلافة العباسية  مثل الدولة الصليحية والدولة الرسولية والدولة الطاهرية وهي دول  امتدت على رقعة واسعة من الأرض اليمنية فمثلا الدولة الرسولية والتي امتد حكمها إلى مكة والمدينة المنورة  والطائف إذ أن هذه مناطق كانت تخضع للدول اليمنية المتعاقبة وكذلك الدولة الطاهرية وهي الوريث للدولة الرسولية وامتدت  إلى المدينة المنورة والطائف الى حضرموت   . 

ولذلك فإننا عندما نتحدث عن البعد الوطني نحن أمام حضارة تليدة شكلت البعد والهوية الوطنية وهذه الدول اليمنية قارعت المد الإمامي الذي كان يتقدم الى صنعاء  ثم ينحسر عائدا الى شمال الشمال حيث استطاعت الطائفة الرسية من تشكيل حاضنة شعبية في مناطق الشمال الأقصى مستغلة الجهل لدى الناس في تلك المناطق ولأنهم أي الرسيين تسربلوا  بسربال النبوة وآل البيت ومظلوميتهم وأنهم الأحق بالخلافة تلك التسويقات التي دغدغوا  بها مشاعر عوام اليمنيين في تلك المناطق  .

ومن ثم جاء الغزو التركي العثماني الذي قوض الدولة الطاهرية وأنهى حكمها وسيطر على شمال اليمن وظل الجنوب تحت تحت حكم السلطنات الوطنية حتى جاء الاحتلال البريطاني  لعدن في عام 1838 م 

ولم تستطع  الإمامة السيطرة  على شمال اليمن إلا بعد أن سلمتها تركيا الحكم  باتفاقية عقدت بين الإمام يحيى وممثل تركيا في اليمن وسلمت تركيا الجزء الشمالي الذي كان تحت قيادتها للإمام يحيى في عام 1924 وأسماها بالمملكة المتوكلية الهاشمية وأزاح عنها صفة الهوية اليمنية واستبدلها بالهاشمية وهذا هو أخطر أنواع التدخل في اختزال الهوية الوطنية  .

 وهذا لعمري كان صلفا وغرورا من هذه الطائفة إذ كيف تحاول تنشئة هوية هاشمية في بلد غير هاشمي ومحاولة طمس هوية البلد الذي احتضنهم وآواهم ونصرهم في مواطن كثيرة إلا أن هذه السلالة بصلفها أرادت طمس هوية اليمن واستحداث هوية لا تنتمي للأرض اليمنية وهنا تنبه اليمنيون لذلك الإختزال  لهويتهم فقامت العديد من الثورات وكان هناك من الرموز الوطنية الذين حاربوا من أجل ترسيخ الهوية الوطنية مثل نشوان الحميري  والمقبلي وغيرهم  ورغم دموية الإمامة إلا أن الثورة كانت تتقد  ولم تخفت أبدا . وكان هناك رموز ثورية ونضالية  مثل الزبيري والنعمان والثلايا والقردعي والحميقاني والعواضي وغيرهم .

واتقدت الثورة في السهول  والجبال حتى استطاع اليمنيون اقلاع الإمامة في السادس والعشرين من سبتمبر المجيد  عام 1962 .

ولكن منذ ذلك الوقت وذلك  التاريخ ظلت اليمن محل صراع إقليمي إذ أن الثورة لم تقتلع جذور الشر وكان صلح حرض عام 1967 بداية لرسم واقع جديد وتدخل عربي وفارسي في القرار السياسي اليمني وظلت اليمن بؤرة صراع إقليمي وفشلت النخب السياسية التي تنفذت على سدة الحكم منذ فجر الثورة وإلى يومنا هذا من أن تخرج من إطار الإملاءات الخارجية وما الحرب الدائرة اليوم إلا نتاج فشل الإدارات اليمنية من إدارة الدولة رغم توفر الإمكانيات لهم والتي يستطيعون من خلالها بناء دولة محورية لها عمقها العربي والإقليمي والدولي  .

وفي  2015 دارت رحى حرب إقليمية على الأرض انقسم فيها اليمنيون الى قسمين قسم يتأطر تحت ما اسمي بالتحالف العربي وقسم تحت إدارة إيران وكانت حرب عصفت بكيان وكينونة اليمن إذ انطلقت عاصفة الحزم بأهداف  التصدي للمشروع الفارسي  وفي المقابل حارب الحوثيون بمساعدة ما أسموه العدوان على اليمن بالتعاون مع حليفهم الإستراتيجي إيران  .

وما بين حرب المملكة وإيران على الأرض اليمنية قتل اليمنيون ودمرت أرضهم واستبيحت أعراضهم وتفكك جيشهم  واصطربت أوضاعهم إذ شردوا في الآفاق نتيجة ذلك الصراع المحموم من قبل الإقليم. 

وخلال الثمان السنوات لا شرعية عادت ولا حوثية انتصرت بل لقد قدمنا أرواح اليمنيين قربانا لمصالح دول خارجية بعيدا عن مصلحة الشعب اليمني وما الشرعية وجيشها  والحوثيين ومليشياتهم إلا بيادق بيد الدول المتصارعة على الخارطة اليمنية  .

وجاءت  الأحداث الأخيرة في العالم  حرب  روسيا اوكرانيا والتي كانت بداية لتعدد الاقطاب وانعكست  على الشرق الأوسط وعلى ملفات متعددة  سوريا اليمن لبنان العراق واعتقد أن اتفاق إيران السعودية جاء ضمن هندسة المصالح بين البلدين وهو نتاج مشاورات ومباحثات سربة في عمان والعراق أفضت الى هذا الإتفاق الذي يضع استراتيجية جديدة سيرتسم من خلالها واقع جديد  .

وهذا الإتفاق  ينبثق من أدراك البلدين أنهما على شفا جرف هار فلقد أثرت حرب اليمن على إقتصاد البلدين وكان الإتفاق نتاج بحث طويل بينهما وهو يأتي من خلال التوازنات السياسية والعسكرية بين البلدين  ..

بمعنى انه تقسيم للمصالح بينهما فالعراق بعد امني وقومي لإيران  وكذلك لبنان وسوريا .

بينما اليمن بعد أمني  واستراتيجي  للمملكة واعتقد أن الإتفاق سيأتي ضمن هذه التوازنات وهو هندسة مصالح وتوازنات إقليمية  ..

السلام  الذي يجب أن يدركه اليمنيون هو السلام الذي يأتي من أوساطهم ومن داخلهم ولا ينتظرونه  ليأتيهم معلبا  من المملكة  أو من إيران .


الحجر الصحفي في زمن الحوثي