الرئيسية > جولة الفن > مليشيا الحوثي تسخّر الدراما لتمكين مشروعهم الطائفي

مليشيا الحوثي تسخّر الدراما لتمكين مشروعهم الطائفي

" class="main-news-image img

رغم مضي أكثر من شهر على انتهاء موسم الدراما اليمنية، فإنه لا يزال الجدل قائماً حول المستويات الفنية للمسلسلات، في وقت يغيب فيه النقاش حول تجاهلها للانقلاب الحوثي وأثره على هوية ومستقبل البلاد، بخلاف الدراما التي تنتجها الجماعة خدمةً لأجندتها الطائفية، وتأكيداً لأحقيتها في حكم اليمنيين.

 

 

 

وتتكرر الآراء المتبادلة في هذا الشأن كل عام، غير أنها لا تتعرض إلى ابتعاد الغالبية من المسلسلات عن قضايا المجتمع، سواء المتأصلة أو الطارئة بفعل الانقلاب والحرب، ما عدا بعض الإشارات إلى انقطاع الرواتب، وانتشار الجريمة والمخدرات، في حين تذهب بعض الأعمال إلى التغني بالتاريخ بأسلوب موارب لمناهضة مشروع الجماعة الحوثية.

 

ويستغرب الناقد اليمني رياض حمّادي من أن القنوات التي تناهض الحوثيين تتبنى برامج ساخرة ضدهم، لكنها لا تخطط لإدراج هذا النقد ضمن المسلسلات الدرامية، وربما يأتي ذلك من باب الجهل بدور الدراما في الصراع الحاصل، أو أن منتجي هذه المسلسلات يرغبون في عرض مسلسلاتهم على شاشات القنوات الحوثية، فيتجنبون إغضاب الجماعة.

 

ويقول حمّادي لـ«الشرق الأوسط»: «ابتعاد هذه المسلسلات عن المشاكل الاجتماعية الحقيقية التي تمس حياة اليمني، يجعلني أميل إلى أن السبب هو رغبة المنتجين في نسيان الحرب ومسبباتها، والتركيز على هوامش تبهج المشاهد»، مشيراً إلى أن هناك سبباً يتمثل في افتقار القوى المناهضة للحوثيين لخطط إعلامية تتفوق على خطط خصمها.

 

ويتوزع بث المسلسلات الحوثية على القنوات الناطقة باسم الجماعة، وقنوات رسمية سيطرت عليها الجماعة عند اقتحام العاصمة صنعاء منذ ما يقارب العقد، إلى جانب قنوات أخرى تابعة لقيادات حوثية نشأت بفعل الفساد والمال المنهوب خلال السنوات الماضية.

 

سيطرة على الوعي

تنتج المؤسسات والقنوات التابعة للجماعة الحوثية مسلسلات سنوية تتبنى رواية الجماعة للانقلاب والحرب وآثارهما، ويتم وصف خصوم الجماعة فيها بـ«الدواعش والإرهابيين والمرتزقة والعملاء والخونة»، بينما لا يظهر الحوثيون في دراما القنوات المناهضة لهم أي شكل أو صفة.

 

وكما يرى الناقد حمادي، فمن الضروري وجود دراما تتناول الموضوعات السياسية بشكل غير مباشر، وإلا لأصبحت خطابة مستهجنة، فالمتابع للسينما والدراما العربية والعالمية يدرك أن كل الموضوعات قابلة للمعالجة بأساليب تحقق الهدف المطلوب، ولا تضر بالعمل أو صانعيه، لكن هذا يبدو مستحيلاً في ظل تدهور قطاع الدراما اليمني، وغياب النصوص الذكية تقنياً والعميقة مضموناً.

 

ومنذ اندلاع الحرب، لجأت القنوات التلفزيونية التابعة للقوى السياسية والاجتماعية المناهضة للجماعة الحوثية إلى إنتاج مسلسلات تستأنس بالتاريخ اليمني، وتتمسك من خلاله بالهوية اليمنية التي تتعرض للتجريف بفعل الانقلاب الذي ضرب النسيج الاجتماعي، وهي مسلسلات يجمع غالبية النقاد على فقرها الفني، وركاكة معالجاتها الدرامية.

 

ويتهم المخرج اليمني الشاب محمد طالب في حديثه لـ«الشرق الأوسط» الجماعة الحوثية بتقييد وعرقلة الأعمال الفنية لصالح دعم وتمكين مؤسساتها، مثل مؤسسة «الهادي الثقافية» التي تنتج أعمالاً سنوية مؤدلجة تهاجم خصوم الجماعة، وتعزز سيطرتها التوعوية على المجتمع وفق قوله.

 

وفي المقابل، يرى طالب، أن القنوات المحسوبة على القوى المناهضة للحوثيين لا تملك الحرية الكافية، إذ تتعدد هوياتها ومصادر تمويلها، لتتخلى تبعاً لذلك عن الأعمال السياسية المناهضة للجماعة، وتبنّي الأعمال الاجتماعية أو الفانتازية، وتحاول الابتعاد عن الحرب ليجري تغييب الكثير من القضايا المهمة التي تظهر في البرامج الأخرى لهذه القنوات.

 

ولا تستحق المسلسلات التي يجري تقديمها لليمنيين تسمية الدراما وفقاً لأكاديمي في جامعة صنعاء، فهي تبدو أقرب إلى المقاطع التي تتوسل الكوميديا المستهلكة والمكررة والمقلدة، لكنه ينبه إلى أن الجماعة الحوثية تستغل كل الفضاءات الممكنة لتقديم رسائلها، ومخاطبة المتابعين بآيديولوجيتها، بينما تكتفي القنوات التابعة لخصوم الحوثي بتسلية المتابعين وإضحكاهم.

 

الأكاديمي الذي طلب  عدم ذكر اسمه، حفاظاً على سلامته، أوضح أنه اضطر إلى متابعة بعض المسلسلات التي تبثها القنوات الحوثية لمعرفة ما يجري تضمينه من موجهات تخاطب ذهنية المتلقي اليمني، فوجد أن هذه المسلسلات يجري إنتاجها بوعي تام بمعركة الجماعة ومشروعها، ورغم رداءتها الفنية، فإنها أكثر احترافاً من مسلسلات تلفزة خصوم الجماعة.

 

دعوة للدعم الرسمي

يعدّ تحقيق العوائد المالية هو الأساس في كل إنتاج تلفزيوني، وهو ما يدفع شركات الإنتاج وقنوات التلفزة إلى تجنب تقديم دراما تثير الجدل، وتمنع شرائح مجتمعية من متابعتها.

 

ويرى الكاتب اليمني وسام محمد  أنه توجد سمة في الدراما اليمنية التي لا تزال تميل إلى تحقيق أعلى مشاهدات كل موسم رمضاني، حيث يسري اعتقاد أن معالجة قضايا الحاضر سيجعلها تفقد جزءاً من الجمهور المستهدف.

 

وثمة اعتبارات كثيرة تجعل من الدراما المعروضة في القنوات غير التابعة للجماعة الحوثية، محايدة ومغتربة عن الواقع، بل وحذرة وفقاً لمحمد، منها ما يتعلق بكثير من الفنانين والمنتجين الذين يعيشون في مناطق خاضعة لسيطرة الجماعة، ومنها ما يتعلق بغياب النقاش في المستوى الثقافي، أي غياب الأفكار الواضحة التي يمكن استلهامها.

 

ويرفض محمد إنتاج دراما مؤدلجة رداً على ما تنتجه الجماعة الحوثية، فـ«سيكون هذا فجاً وعلى حساب القيمة الفنية»، كما يدعو إلى ضرورة وجود توجه حكومي داعم للأعمال الفنية الدرامية، إذ لا يمكن أن نتوقع أن تكون الأعمال الدرامية بجودة عالية ما لم يكن هناك دعم حقيقي.

 

ويخلص إلى أن الرد على الدراما الحوثية إلى جانب الدعم، سيوفر إشاعة جو من الحرية، وهذا كفيل بجعل الفن يفطن وحده للدور الذي عليه القيام به.

 

لكنّ الناقد حمّادي ينبه إلى أن هناك جمهوراً سطحياً يتقبل الأعمال الآيديولوجية المباشرة، بل وتروق له، وهذا الجمهور يتأثر بالدراما الحوثية وبرامجها المباشرة، والمطلوب للرد على هذا النوع من الدراما هو دراما أذكى وأكثر عمقاً تحقق التعاطف، وتحرض الجمهور على الوعي بمشكلاته.


الحجر الصحفي في زمن الحوثي