لحظة الإفراج

تيسير السامعي
الأحد ، ١٦ ابريل ٢٠٢٣ الساعة ٠٩:٥٦ مساءً

 

عندما تكون معتقلا في سجن تابع لمليشيات مسلحة تنتهي كل أحلامك وأمنياتك وتطلعاتك، وتظل لحظة الإفراج عنك هي الحلم والأمنية الوحيدة في الدنيا.

كل يوم وأنت تنتظر الباب يفتح، ويُنادى باسمك، مشاعر لا يعرفها إلا من عاشها، وتحمّل أوجاعها.

كنت معتقلا يوما، وعشت كل اللحظات التي عاشها من تم الإفراج عنهم اليوم.

لازلت أتذكر ليلة الإفراج عني، ولحظة خروجي من السجن، ولقائي بشقيقي الذي كان ينتظرني خارج السجن، ثم بكاء أمي الشديد، وهي تسمع صوتي. 

فرح أبي وإخواني وأخواتي وأهلي جميعا، وأبناء قريتي، وزملائي  الإعلاميون الذين كتبوا التقارير والمنشورات؛ فرحا بخروجي.

كم هي تلك اللحظات إيلاما حينما كان الخبر يتسرب إلى أحد المعتقلين يخبره بأن أباه أو أمه أو ابنه أو زوجته أو أحد أقربائه مات؛ قصص كثيرة كنا نسمعها ونحن في السجن. "يا الله، كم كان السجانون قساة قلوب لا تحرك تلك القصص وتلك الأخبار فيهم مشاعر الإنسانية، ماذا أبقوا لليهود ليفعلوه"، يقول المعتقلون بحسرة وألم.    

لم نكن نعلم أو نصدق أن المليشيات بهذا القبح وبهذه الفضاضة عندما كنا نقرأ جانبا من التاريخ، بل كنا نعد ذلك تحاملا للوصول إلى أهداف سياسية؛ صدقنا ذلك عندما عشنا واقعا مريرا  وتجارب مؤلمة في سجونها، ووجدناها أشد قبحا من ذلك.

دققوا جيّدا في كل الصور التي تأتيكم من المطارات التي استقبلت الأسرى والمعتقلين، كل صورة تحكي قصة وجع، وفي اللحظة نفسها قصة فرح جاءت بعد سنوات من الألم.

شاهدوا صورة ابنة الزميل توفيق المنصوري وهي تنظر إلى الطائرة التي تقلّ والدها، صورة تتفجّر مشاعر وأحاسيس؛ تجعلك تدوس كل الشعارات والأهداف المبررات، التي قامت من أجلها الحرب، بقدميك.

من يشاهد هذه الصورة ولا يبكي، ولا يخشع قلبه، ولا يلين فؤاده، هو شقي نُزعت من قلبه الرحمة والإنسانية، وصار حيوانا متوحشا.

كان بالإمكان أن نصنع هذه الفرحة التي وصلت إلى كل بيت يمني قبل سنوات، ويتم الإفراج عن جميع الأسرى والمعتقلين، لو أننا -نحن اليمنيين- انتصرنا لأنفسنا، وتركنا العمل للأجندات الخارجية.

وسيبقى السؤال: إلى متى يترك المجال لهذه المليشيات تعيث فسادا ودمارا وتمارس حروبا نفسية وجسدية بحق اليمن واليمنيين، دون حسيب أو رقيب؟

-->
الحجر الصحفي في زمن الحوثي