حكاية مواطن مع موظف حكومي يمني!

عبدالواسع الفاتكي
الثلاثاء ، ٢٤ يناير ٢٠٢٣ الساعة ١٢:١٨ صباحاً

تكاد تكون ثقافة متأصلة وظاهرة مستفحلة ، تلك البيروقراطية الإدارية والعلاقة الغير سوية ، التي تحكم العلاقة بين المواطن اليمني والموظف اليمني في المرافق الحكومية ، التي ما إن تدلف لها مصطحبا اوراقك المتعلقة بموضوعك  ، الذي تريد حله ، لكنك تتفاجأ بأنك بالنسبة للموظف اليمني مشكلة ، يجب التخلص منها أو تعقيدها ، واضعا كل العراقيل أمام حلها .

 يشعرك الموظف بأنك مدان وأن مجرد نقاشك معه ، يعد جريمة ، واستفسارك خيانة ، وترددك عليه قلة ذوق ، تستحق عليه أن يرفع صوته أو بكفهر وجهه أو بزمجر ويرعد ، منتفضا من فوق كرسيه الوثير ، مشيرا لك بالانصراف وعدم تعكير مزاجه ، وتفسير إصابته بالقولون والسكري والمعدة حاضر ، على وجه السرعة ، فيما لو اشتكيت به لمسؤوله المباشر ، الذي سرعان ما يوجه بالتحقيق معه ، لكن أصحاب القلوب الرحيمة من زملائه أو بعض مسؤوليه ، سرعان ما يسارعون لتهدئة الموقف وإقناع المواطن بأن ما يراه ويشاهده من تصرفات لا مسؤولة ، وعنجهية تجاهه مبررة نتيجة تعكير مزاج الموظف المبجل الناجم من ضغط العمل .

عليك إذن أن تسأل الموظف اليمني في المؤسسة الحكومية عن حالته المزاجية أولا ، وعن نفسيته قبل أن تقدم له أوراق معاملتك ، وعليك أن تتحمل تباطؤه في إنجازها ، ونظراته المتعالية عليك ، وإشاحة وجهه عنك  ، ولو سألته باحترام ملحا عليه بأدب أن يتكرم ، وينظر للأوراق التي في يديك ،  والتي تناوله إياها من شباك النافذة ، بينما هو على أريكة جالسا يحملق في المواطنين المتجمعين على الشباك ، وقتئذ فتحت على نفسك باب غضبه وعصبيته وإن هدأت نفسه ، قلب أوراقك وبحث عن أي سبب أو عذر ينسف معاملتك من أساسها ، متعللا مثلا بركاكة الخط ، طالبا منك سلسلة طويلة من المطالب ، التي تخفي وراءها عرقلة معاملتك أو تأديبك كونك تجاوزت حدودك في الخروج عن صمتك والتحدث معه ، عليك أن تظل صامتا لا تنبس ببنت شفة حتى ولو أنصرف دون أن ينجز معاملتك ، ما عليك إلا أن تتوضأ وتصلي لله سبحانه وتعالى أن يهديه في اليوم التالي ؛ ليمهر أوراقك بتوقيعه المبجل ؛  لتنتقل إلى مكان آخر  ، حاملا أوراقك ، وتبدأ حكاية جديدة مع موظف آخر . 

بالنسبة لمدير الموظفين الوصول إليه ، يحتاج لمعجزة وإن وصلت له فأنت محظوظ إن استلم أوراقك ، دون اعتراض من مرافقيه أو سكرتيره ، ومحظوظ جدا إن قرأ أوراقك ووجهها للجهات المختصة ، في أغلب الأحوال يكن وجهه عابسا كبروتوكول  رسمي ، تقتضيه اللوحة التي أمامه المنحوت سيادة اسمه عليها أو هالة التبجيل التي تحيط به من الحراس ، ومن يتحكم بالدخول لمكتبه أو الخروج  ، عندما تخرج من مكتبه بنظر إليك المواطنون المنتظرون خارج مكتب المدير  نظرة ، تنم عن اندهاش كبير ، وكأنهم يقولون لك : ما هي العصا السحرية التي ساعدتك على مقابلة المدير ؟! بينما هم مازالوا يبحثون عن ممرات الدخول الموصدة أمامهم ، فعيون المدير وأعوانه وحراسه ، يقفون بالمرصاد لكل من تسول له نفسه التجرؤ والذهاب لسيادة المدير ؛ لعرض مشكلته فوقت المدير ثمين ، ولديه جدول أعمال لا يسمح لمقابلة المواطنين ، مع وجود استثناءات لمراجعي المؤسسة من العيار الثقيل ؛  فإنزال الناس منازلهم تقليد وظيفي يمني ، يكاد يكن سمة غالبة لدى معظم الموظفين ومدراء المرافق الحكومية .

استخراج وثيقة أو تعديلها أو اعتمادها في نظر بعض  الموظفين اليمنيين ومسؤوليهم ، مسألة عويصة ومشكلة معقدة وخطب جلل وكارثة عظمى ، يرتكبها المواطن ،  تستدعي أن تدخل دهاليز طويلة وملتوية من التوقيعات ، وتقليب الأوراق وفحصها من اليمين للشمال والعكس ومن فوق إلى تحت والعكس ، وعندما تتجاوز الموظف الأول إن حالفك الحظ تحمل أوراقك للموظف الثاني ؛  لتدشن الدخول في دهاليز آخرى من الذهاب والإياب والرأي والرأي المضاد ، وفي أفضل الأحوال تتلقى نصيحة منه ، بأن تذهب لزميله الموظف القابع في جواره ،  والذي ما إن تقدم إليه  ، ويرى أوراقك ، ينظر لك على عجالة قائلا :  موضوعك ليس عندي هو عند فلان ،  لتأخذك الدهشة بأن فلانا هو من أحال معاملتك لزميله ،  وتظل تؤدي طواف المعاملة سبعة أشواط ذهابا وإيابا ، تتبدئ بالموظف القريب من باب المكتب وتنتهي بالقابع في زاوية المكتب .

معاناة طويلة مريرة يعانيها المواطن اليمني في المؤسسات  الحكومية ،  التي وجدت لخدمته ، وتذليل كل الصعوبات أمامه ، وتسيير الشؤون العامة لما فيه مصلحة المواطن ، لكن الغالب على المؤسسات العامة أن  نسبة من موظفيها ومديريها باتوا عبئا ثقيلا على المواطن ، لا هم لهم إلا تنغيصه وتكدير صفو عيشته ، ووضع العراقيل أمامه ، بل محاسبته وكأنه مجرم يستحق العقاب ، لا مواطن يحتاج الرعاية والاهتمام .

الحجر الصحفي في زمن الحوثي