لماذا يمارس الحوثيون سياسة التجويع في اليمن؟

همدان العليي
الثلاثاء ، ٢٧ ديسمبر ٢٠٢٢ الساعة ٠٣:٠٦ مساءً

أدَّت سيطرة جماعة الحوثي على العاصمة صنعاء إلى مغادرة عشرات السفارات الأجنبية والشركات والمؤسسات الدولية التجارية والتنموية، لعدم توفر البيئة الدستورية في البلاد، وهيمنة جماعة متطرفة على مؤسسات الدولة. خلال العام 2014م فقط، غادرت نحو 35 شركة نفطية اليمن(1). وبحسب تقرير صادر عن البنك المركزي اليمني، فإنَّ عائدات اليمن من قيمة الصادرات تراجعت إلى مليار و673 مليون دولار في نفس العام، قياسًا مع أكثر من مليارين و662 مليون دولار عام 2013، بتراجع بلغ 989 مليون دولار(2)، الأمر الذي انعكس سلبًا على حياة آلاف الأسر اليمنية التي كانت تستفيد من وجود هذه الشركات في اليمن.     تنامت حالة عدم الثقة بالوضع في اليمن، واستمر هروب الاستثمار الأجنبي والمحلي، وخروج آلاف العاملين إلى رصيف البطالة(3). وبعد مرور حوالي ستة أشهر من سيطرة جماعة الحوثي على صنعاء(4)، وتحديدًا في 21 مارس/ آذار 2015م (أي قبل إعلان بدء عمليات التحالف العربي المساند للحكومة اليمنية بخمسة أيام) أعلن الحوثيون ما سُمِّيَ بـ "التعبئة العامة"(5)(6).     بموجب هذا الإعلان وبحجة التعبة العامة، تم تسخير كافة الموارد وإمكانيات الدولة ومُخصّصاتها المالية بما فيها موازنات وزارتي التعليم والصحة ودعم الغذاء والإصحاح البيئي لصالح الجماعة وعملياتها الحربية التي أفرزت طبقة من تجار الحرب من نفس السلالة. وقد اُعُتبِر هذا الإجراء واحدًا من أهم الأسباب التي أدَّت إلى تدمير قطاعات حيوية هامة في البلاد، مِمَّا أسهم في تزايد نسب الفقر بعدما حُرِمَ الموظفون الحكوميون من كافة البدلات والعلاوات وغيرها من المُستحقَّات، بل وأوقف مرتبات كافة المتعاقدين الحكوميين. ومن المعروف في اليمن بأنَّ الراتب والبدلات والمكافآت مصدر رئيس لدعم ملايين الأسر.     بعد الإعلان عن الحرب على المناطق الوسطى والجنوبية، أُعْلِنَ عن بدء عمليات التحالف العربي الداعم للحكومة الشرعية بقيادة المملكة العربية السعودية، وخلال أشهر بدأ الانكماش الحوثي، ونجح اليمنيون في استعادة عدد من المحافظات التي كانت جماعة الحوثي قد سيطرت عليها، مثل الضالع وعدن وشبوة والجوف، ووصلت القوات اليمنية إلى قمم جبال نهم المطلة على صنعاء من جهة الشرق، وعلى بعد كيلومترات قليلة من ميناء الحديدة غربًا.     أدركت جماعة الحوثي أنَّها لن تستطيع حسم المعركة العسكرية لصالحها، فهي تفقد كُلَّ يوم مساحات شاسعة من الأراضي. وبناءً على هذه الحقيقة، لم يكُنْ أمامها إلَّا استغلال الملف الإنساني لاستعطاف المجتمع الدولي وتحقيق مكاسب عسكرية وسياسية واقتصادية وثقافية أيضًا، بما يضمن لها إيقاف تحرير المدن من هيمنتها.

    أهداف سياسة التجويع الحوثية

أهداف عسكرية: عسكرة اليمنيين لحماية مكاسبها     حرمت جماعة الحوثي الموظفين الحكوميين والمتقاعدين من رواتبهم، وضيَّقت عليهم سُبُل العيش وأغلقت أبواب الرزق، لكنَّها في المقابل فتحت باب التجنيد والالتحاق بالجبهات كخيار مُغْرٍ لكُلِّ مَن فقد دخله، ويريد عائدًا ماليًّا، أو مساعدات غذائية تُقدِّمها المنظمات. فالموظف الحكومي الذي لم يتسلم راتبه، اضطر للقتال مع الحوثيين ليحصل على مبلغ شهري يساعده على العيش، ويضمن حصول عائلته على سلة غذائية تُقدِّمها المنظمات الدولية. والفقير الذي لم يجد عملًا، أو أرهقته إتاوات وجبايات الحوثيين، سيلجأ للعمل لصالح الحوثيين سواء في الأعمال المدنية أو الأمنية أو العسكرية، بهدف الحصول على عائد مادي يساعده وأفراد أسرته على العيش، بل يمكن القول بأنَّ غالبية مَن عمل أو قاتل لصالح الحوثيين، قد فعلوا ذلك لأنَّهُم لم يجدوا فُرَصًا أخرى لكسب الرزق.     أثناء مزاولتي عملي الصحفي، سألت جريحًا أصيب وهو يقاتل إلى جانب الحوثيين عن سبب مشاركته في الحرب، وقد عرفته بأنهُ لا ينتمي للحوثيين عقائديًّا. أجاب: "نحن بلا مرتبات منذ سنتين، ولا يوجد أعمال... هل نموت؟ّ لم يكُنْ أمامي إلَّا أن أخرج أنا والنساء للتسول، أو اللحاق بالجبهات من أجل 30 ألف ريال في الشهر (نحو 30 دولارًا أميركيًّا في تلك الفترة) والسلال الغذائية المُقدَّمة من المنظمات تُقدَّم لأسرتي بين الوقت والآخر". ومن خلال متابعة شهادات كثير من المقاتلين الحوثيين الذين يتم أسرهم من قِبَل الحكومة اليمنية، ستجدهم يُفصحون عن هذه الحقيقة. لم يذهبوا لقتال القوات الحكومية لإيمانهم بمعتقدات الحوثيين السياسية والدينية، لكنَّهُم مضطرون من أجل الحصول على الرزق بعدما تمَّ تجويعهم. وقد أشار الباحث في مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية عبد الغني الإرياني لهذه المسألة عقب زيارته للمناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين بقوله: "ينضم بعض المقاتلين إلى الحوثيين لأنَّ آباءهم يريدون منهم كسْب لقمة العيش، والطريقة الوحيدة لكسب الدخل هي الانضمام للقتال"(7).     التجويع من أجل التجنيد والدفع بالمواطنين للقتال، لم تكُنْ وسيلة مبتكرة في حقيقة الأمر، لأنَّ أجداد الحوثيين استخدموها في اليمن قديمًا.     ينظر الحوثيون ومن قبلهم أجدادهم إلى اليمنيين على أنَّهُم مُجرَّد أشياء تابعة لهُم، وهذا يُفسِّر الإسراف في إراقة دماء اليمنيين حتى المؤمنين بخرافاتهم من أشياعهم الذين يقاتلون عنهم، حيث يزجُّ بهم الحوثي بطرُق تتقصَّد أن يسقط منهم قتلى، وللحوثي وأجداده في ذلك فلسفتهم وقواعدهم في فقه القتال لديهم، مفاد تلك القواعد أنَّ عليك أن تُوسِّع دائرة الدم في أنصارك من حولك لتُغرق عدوَّك في دماء أنصارك. ومن هُنا جاءت مقولتهم التاريخية "الدم يغلب السيف" أو "انتصار الدم على السيف".

    أهداف سياسية: تثبيت السيطرة وإفشال جهود استعادة اليمن     أمام خساراتها المُستمِرَّة عسكريًّا عقب تحرير مدينة عدن جنوب اليمن، استخدمت جماعة الحوثي لافتة الوضع الإنساني لإيقاف تقدُّم الحكومة اليمنية، والتحايل على القرارات الأممية، على رأسها قرار مجلس الأمن 2216، الذي أكد على ضرورة تسليمهم السلاح وخروج المليشيات من مؤسسات الدولة. وكي تجد المنظمات والدول الغربية فرصة للتدخُّل وإيقاف انهيار الحوثيين في الجبهات العسكرية، كان لا بُدَّ من صناعة الجوع والبؤس بين اليمنيين.      رأت الجماعة أنَّها مستفيدة من سوء الأوضاع الإنسانية في اليمن، فهي مجرد جماعة متمردة غير مُعترَف بها، ومن الصعب لومها أو تحميلها مسؤولية تردِّي الأوضاع التي تسببت بها، كما أن المجتمع الدولي لا يملك أدوات ضغط دبلوماسية وسياسية عليها لتتحمل مسؤوليتها الإنسانية.    وبالتالي، كُلَّما زاد أعداد الجياع والفقراء، كُلَّما تحرّكت المنظمات والدول لإيقاف عمليات تحرير اليمن من هيمنة جماعة الحوثي الموالية لإيران. وقد حقَّق هذا الأسلوب نجاحًا كبيرًا أثناء معركة تحرير الحديدة، فبعدما كانت القوات المشتركة قاب قوسين أو أدنى من تحرير مدينة الحديدة، تدخَّل المجتمع الدولي لإنقاذ الحوثيين بذريعة منع حدوث كارثة إنسانية، من خلال ما سُمِّيَ باتفاق ستوكهولم الذي لم تُنفِّذه جماعة الحوثي، وأسهم في تثبيت سيطرتها على الحديدة(8).      وقد اتهمت الحكومة اليمنية مِرارًا جماعة الحوثي باستغلال الوضع الإنساني لتحقيق مكاسب سياسية. ففي سبتمبر/  أيلول م2020م، قال الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي: إنَّ ميليشيا الحوثي تستغل الملف الإنساني كورقة ابتزاز للحكومة والمجتمع الدولي "من خلال الإصرار على نهب الأموال الخاصة بدفع الرواتب وتعطيل جهود الأمم المتحدة"(9).     في 30 ديسمبر/  كانون الأوَّل 2020م، أدرجت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الحوثيين على لائحة الإرهاب، واعتبرتها منظمة إرهابية، ليدخل القرار حيِّز التنفيذ في 19 يناير/  كانون الثاني 2021م، بعدما عُرِض على الكونغرس قبل مغادرة الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب البيت الأبيض بيوم واحد(10).     وعلى إثر القرار، قادت المنظمات الإغاثية الأممية إلى جانب العديد من المنظمات والمؤسسات الدولية بالتنسيق مع المنظومة الإعلامية والسياسية الموالية لإيران حملة إعلامية ومناصرة واسعة، تطالب فيها إلغاء القرار الأمريكي كونه سيفاقم الوضع الإنساني في مناطق سيطرة الحوثيين(11)، بما يحدُّ من قدرة المنظمات الدولية على ممارسة نشاطها في تلك المناطق، مُحذِّرين من حدوث مجاعة في حال استمر قرار التصنيف(12).     وفي 12 فبراير/ شباط 2021م، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية، إلغاء قرار تصنيف الحوثيين في اليمن "منظمة إرهابية أجنبية عالمية" مراعاة للوضع الإنساني المُتردِّي في اليمن، مع الإبقاء على بعض قياداتها في لائحة العقوبات بحسب بيان صادر عنهم(13).      وبهذا الشكل، حوَّل الحوثيون معاناة اليمنيين بعدما فاقموها إلى "خط الدفاع الأوَّل"، بحسب وصف السياسي اليساري المعروف في اليمن الدكتور ياسين سعيد نعمان(14)، والذي نشر مقالا بعنوان "الإرهاب الذي يحميه الوضع الإنساني"، قال فيه: "بات واضحًا أنَّ خط الدفاع الأوَّل عن جرائم وإرهاب الحوثيين في اليمن هو "الوضع الإنساني". هكذا يُراد للوضع الإنساني أن يتحوَّل إلى "حائط مبكى" كُلَّما أخذت المعادلة تتغيَّر لصالح إنهاء الحرب وتحقيق السلام.      باسم "الوضع الإنساني" أوقفوا استعادة الحديدة.. وبمظلة "الوضع الإنساني" يواجهون قرار تصنيف الحوثيين جماعة إرهابية.. وبتوظيف معاناة اليمنيين يتم تغليف جرائم الحوثيين بقرارات ناعمة، يستمدون منها صلفهم وإصرارهم على رفض السلام.     مثالين فقط على أنَّ الجرائم التي خلقت هذا "الوضع الإنساني" المؤلم والمتدهور باتت تختبئ داخل عباءته، وتحتمي به، في مشهد لا يوحي إلَّا بأنَّ هذا التدخل ليس له علاقة بالوضع الإنساني، لأنَّ تخليص اليمن من هذا الوضع لن يتم إلا بإنهاء الحرب، وأنَّ إنهاء الحرب لن يتم طالما وجد الحوثيون هذه الحماية المستمَرَّة: التدخل لمنع تغيير المعادلة عسكريًّا بفرض اتفاقات لا تجد من يحمي تنفيذها، والتدخل لحماية مشروعهم الإرهابي. لم يحدث في التاريخ أن وُظِّفَت معاناة الناس لحماية الجريمة المُتسبِّبة في هذه المعاناة، إلا في هذا البلد المنكوب"(15).     هذه المكاسب الكبيرة التي يُحقِّقها الحوثيون من وراء تردِّي الوضع الإنساني، أغرتهم ودفعتهم لتنفيذ العديد من الإجراءات التي تُفاقم الوضع الإنساني في مناطق سيطرتهم، وسنسلط الضوء على جزء من هذه الممارسات في ثنايا الكتاب.

    أهداف اقتصادية: تركيز الأموال والأعمال في السلالة المُقدَّسة     كثيرًا ما يتساءل المتابع للوضع في اليمن، لا سِيَّما من غير اليمنيين: كيف لجماعة عِرْقية صغيرة أن تسيطر، وتتحكم بشعب كبير مثل الشعب اليمني؟!     في حقيقة الأمر ثمَّة أسباب سياسية وعسكرية وإقليمية ودولية كثيرة ساهمت في منح الحوثيين فرصة للانقضاض على مؤسسات ومقدرات الدولة اليمنية وقدراتها العسكرية، ليُخضعوا اليمنيين بقوة السلاح والإرهاب. لكن ثمَّة سبب آخر جوهري كان له دور كبير في إخضاع اليمنيين، وهو ربط احتياجات اليمنيين ومصالحهم بهذه السلالة التي انتشرت في كُلّ مناطق اليمن.     عقب السيطرة على العاصمة صنعاء، نفَّذت الجماعة عمليات تهجير للعناصر المجتمعية الفاعلة والمُفكِّرة والرافضة لها، ثم سرّحت عشرات الآلاف من أعمالهم في المؤسسات الحكومية والمختلطة ومكّنت عِرْقيتها منها، فضلًا عن استهداف رؤوس الأموال الوطنية والقطاع الخاص ورجال الأعمال الذين لا ينتمون لها، وإنشاء جيل جديد من رجال الأعمال والتجار والمقاولين. سيطرت السلالة على كُلّ شيء، بما في ذلك المنظمات التي تُقدِّم المساعدات الإغاثية، وبهذا الشكل ربطت كافة احتياجات الناس الضرورية والكمالية بها وبالولاء لها.     هذه السياسة وتلك الممارسات المشار إليها آنفًا، وغيرها ستتم الإشارة إليها في الفصول القادمة، أدَّت إلى تركيز الأموال في "السلالة المُقدَّسة"، وإفقار بقية اليمنيين، وهذا ما سهَّل عملية تركيع المجتمع، إضافة إلى الأسباب العسكرية والسياسية المحلية والدولية الأخرى.     وكما عمل الحوثيون خلال سنوات الحرب على تجويع اليمنيين وتركيز الأموال والأملاك في سلالتهم، كان أجدادهم الأئمة الأوَّلون يرتكبون ذات السلوك الإجرامي في حق الشعب الذي استضافهم واستقبلهم.     يجيب المفكر والأستاذ الجامعي المصري مصطفى الشكعه(16) على سؤال تردَّد كثيرًا في فترة حُكم بيت حميد الدين لليمن الشمالي مفاده: لماذا يرفض أحمد حميد الدين وحكومته رفع معاناة اليمنيين وفقرهم رغم قدرته على فِعْل ذلك؟! يقول: "إنَّ الحكومة اليمنية تحارب كُلَّ محاولة لرفع مستوى الشعب، إنَّها تحارب أيَّ مواطن مهاجر لو عاد إلى اليمن غنيًّا، إنَّها تهدف إلى إبقاء الشعب العظيم فقيرًا مريضًا جاهلًا، حتى تظل قابضة على ناصية الأمور بيَدٍ من حديد، وتظلَّ تجلده بسياط الظلم، وتُلهب عطفيه بعصا الطغيان"(17). وهكذا يسعى الحوثيون من وراء تجويع اليمنيين وحرمانهم من حقوقهم إلى تكديس الثروة في سلالتهم حتى يكونوا الأغنى والأكثر ثراءً في المجتمع اليمني بما يسهل التحكم به مستقبلا. وقد أشارت دراسة هامة صادرة عن مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، بعنوان "اقتصادات الميليشيات المسلحة في المنطقة العربية: جماعة أنصار الله الحوثي نموذجا"، إلى أن الحوثيين استخدموا وسائل مختلفة للهيمنة على اقتصاد المؤسسات الحكومية والخاصة وتحويلها لصالح عملياتها الحربية واثراء عناصرها، كما رجحت بأن النخبة الاقتصادية الحوثية ستكون الأكثر ثراءً في اليمن بل ربما تكون أغنى من أي حكومة يمنية قادمة إذا استمر الوضع كما هو وفي حال حدثت تسوية بين الأطراف، وسيتم تناول الدراسة في مبحث خاص لأهميتها.

    أهداف طائفية: الإبادة الثقافية وحوثنة المجتمع     الوضع المزري الناتج عن التجويع والإفقار المتعمد، مكَّن الحوثيين من تطويع كثير من الأُسَر، وجعلها أكثر استعدادًا للتخلي عن معتقداتها مقابل توفير ما يُمكِّنها من العيش. فالموظف الحكومي المحروم من راتبه منذ فترات طويلة، أصبح يقبل حضور دورات الحوثيين الثقافية الأسبوعية التي تهدف إلى تغيير معتقدات اليمنيين السياسية والدينية، بعدما كانوا يرفضون حضور هذه الفعاليات لفترات طويلة. والمُعلّم في المدرسة، يقبل تلقين طلابه مفاهيم وثقافة الحوثيين عبر كتبهم وملازمهم، وإلا سيتم حرمانه من المبالغ والمساعدات البسيطة التي تُصرف لهُم بين الوقت والآخر بدلًا عن المرتبات والعلاوات. وكذلك الأكاديمي في الجامعة، والجندي في المعسكر. والمُزارع الذي لم يستطع توفير الوقود لتشغيل مضخة المياه، سيقبل أداء الصرخة الحوثية في المسجد، ودَعْم الجبهات بالمال مقابل توفير الشيء اليسير من المشتقات النفطية. ورَبُّ الأُسْرة سيضطر للسماح لابنه بالمشاركة في المراكز الصيفية والفعاليات الثقافية الحوثية مقابل حصوله على أسطوانات الغاز المنزلي التي يتحكَّم بها عاقل الحي أو المشرف الحوثي في المنطقة(18).     إجمالًا، تمَّ ربط مصالح اليمنيين في مناطق سيطرة الحوثيين، بمدى استجابتهم وتعاطيهم مع مشروع الحوثي الثقافي والعسكري، وهذا دفع بالكثير من اليمنيين إلى المغادرة والاستقرار في مناطق لا يسيطر عليها الحوثيون، أو خارج اليمن.

مراجع وهوامش: 1- شركة نفط أميركية تغادر اليمن، العربي الجديد، 18 فبراير/ شباط 2015م. 2- بيان صادر عن الحكومة اليمنية نشر في صحيفة العربي الجديد، 25 أغسطس/ آب 2015م. 3- الخبير الاقتصادي عبد المجيد البطلي، خبراء: إغلاق السفارات يعزل اليمن اقتصاديَّا، صحيفة العربي الجديد، بتاريخ 13 فبراير/ شباط 2015م. 4- منذ 21 سبتمبر/ أيلول 2014م، حتى يوم 21 مارس/ آذار 2015م، نكلت مليشيات الحوثي بالأطراف السياسية والمجتمعية والدينية بهدف إخضاعها وفرض فكرها، كان آخرها محاولة قتل الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي عبر قصف قصر معاشيق في عدن بالطيران في 19 مارس/ آذار 2015م أي قبل إعلان التعبئة العامة بيوم واحد. 5- أعلنت اللجنة الثورية العليا التابعة للحوثيين برئاسة رئيس اللجنة محمد علي الحوثي التعبئة العامة بذريعة مواجهة الإرهاب و"الدواعش" في المحافظات التي لم يكونوا قد سيطروا عليها والهدف إخضاع تلك المناطق لسيطرتهم. في اليوم الثاني، ظهر زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي في خطاب متلفز يؤكد على هذا الإعلان. 6- التعبئة العامة بالإنجليزية: (General Mobilization) تحويل القوات المسلحة الوطنية إلى حالة الحرب أو شبه الحرب وإعادة بناء اقتصاد الدولة ومؤسساتها وقدراتها ومواردها المادية والبشرية وقوانينها لتوفير حاجات حرب طويلة الأمد وتحقيق أهدافها، وخصوصًا مبدأ حشد القوى.. (الموسوعة الحرة). 7- اليمن: كيف يعيد الحوثيون تشكيل البلد على خطى صعدة.. اليكم عصارة زيارة فاحصة لباحثي مركز صنعاء، موقع يمن فيوتشر، 11 أغسطس/ آب 2021م. 8- اتفاق ستوكهولم في الحديدة: هو اتفاق برعاية الأمم المتحدة، وكان أبرز مضامينه انسحاب الميليشيات من موانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى إلى شمال طريق صنعاء. عقد الاتفاق في ستوكهولم، السويد، في 13 ديسمبر/ كانون الأوَّل 2018م. 9- هادي: الحوثيون يستغلون الملف الإنساني كورقة ابتزاز، صحيفة الشرق الأوسط، 24 سبتمبر 2020م. 10- ما تداعيات تصنيف "الحوثي" جماعة إرهابية؟، TRT عربي، 22 يناير/ كانون الثاني 2021م. 11- تفهمت الحكومة اليمنية المخاوف التي وضعتها المنظمات الدولية بشأن الوضع الإنساني، وأبدت استعدادها تنفيذ خطوات وإيجاد حلول اقتصادية تضمن تدفق المساعدات والأموال والسلع والبضائع إلى المناطق الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي كي لا يتضرر السكان من جراء قرار التصنيف. إلَّا أنَّ المنظمات صعَّدت من حملاتها ضد القرار، ويرى كثير من المراقبين بأنَّ هذا التصعيد كان سببه القلق من تتبع الأموال التي تقدم للمنظمات كمساعدات للشعب اليمني. فهذا القرار كان يلزم المنظمات بالكشف عن المصير النهائي لكُلِّ دولار حصلت عليه كمساعدة لليمنيين للتأكد من عدم وصوله إلى الحوثيين، لا سٍيَّما بعد مطالبات مجتمعية متعددة بشفافية العمل الإغاثي. 12- منظمات إغاثة دولية تطالب بايدن بالتراجع عن تصنيف الحوثيين "منظمة إرهابية"، فرانس 24، 25 يناير/ كانون الثاني 2021م. 13- Revocation of the Terrorist Designations of Ansarallah، U.S. Department of State، FEBRUARY 12, 2021. 14- ياسين سَعِيِد نُعْمان الشَّعْبي، هو سياسي ودبلوماسي يمني، سفير الجمهورية اليمنية في المملكة المتحدة. من مواليد طور الباحة محافظة لحج جنوب اليمن، هو رئيس وزراء ووزير يمني سابق، شغل منصب أمين عام الحزب الاشتراكي اليمني. 15- الإرهاب الذي يحميه الوضع الإنساني، د/ ياسين سعيد نعمان، موقع نشوان نيوز نقلا عن صفحة الكاتب، 27 يناير/ كانون الثاني 2021م. 16- الدكتور مصطفى محمد الشكعة مفكر وأستاذ جامعي مصري وعضو مجمع البحوث الإسلامية والعميد الأسبق لكلية الآداب جامعة عين شمس، ورئيس لجنة التعريف بالإسلام بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية بوزارة الأوقاف المصرية، وعضو لجنة الحوار الإسلامي المسيحي بالأزهر الشريف. 17- مغامرات مصري في مجاهل اليمن، الدكتور مصطفى محمد الشكعة، مركز الدراسات والبحوث اليمني، صنعاء، ص148. 18- العاقل: هو المسؤول عن مشكلات سكان الحي وتوفير احتياجاتهم وغالبًا يكون المسؤول عن توزيع أسطوانات الغاز للسكان في كثير من الأحياء.

من كتاب "الجريمة المُركّبة".. أصول التجويع العنصري في اليمن

الحجر الصحفي في زمن الحوثي