ذكرى الجلاء ودروسها المتجددة

موسى المقطري
الثلاثاء ، ٢٩ نوفمبر ٢٠٢٢ الساعة ١١:٠٥ مساءً

 

ومع المرور العاطر لذكرى الجلاء في 30نوفمبر 1967م نقف لنستلهم بعضاً من الدروس والعبر المتجددة التي نثرها لنا حدثٌ أسدل فيه اليمنيون الستار على أكثر من قرن من الاحتلال الأجنبي، وكانت نضالاتهم الممتدة من عام 1963م وماقبلها تتوج بمشهد الرحيل لأخر جندي بريطاني ، لترحل معه أوجاع تلك الفترة العصيبة التي حُرم فيها اليمنيون من السيادة على أرضهم وقرارهم .

أول الدروس أن الجلاء النهائي للمستعمر البريطاني لم يكن حدثاً منقطعاً عما سواه من أحداث تلك الفترة، لكنه مثل نتيجة لمرحلة طويلة من النضال والكفاح شملت اليمن بشطريه يومئذ، ولم يكن اليمنيون من مختلف جهات الوطن ومخالفه يومها بعيدين عن أبجديات هذا النضال الممتد مابين عدن وتعز والضالع وابين وصنعاء، بل كانوا محركيه وسادته وحماته .

الجلاء هو النتيجة الحتمية للصبر وتكرار المحاولة وهزيمة اليأس قبل هزيمة العدو ، وذاك هو جوهر النصر في كل معركة وطنية ، فالنصر قرين الصبر ، ولو أن المناضلين يأسوا يوماً أو استسلموا حين واجهتهم المصاعب لما كانوا وصلوا لهذا اليوم الأغر ، ولعل أهم هذه المصاعب فارق التسليح والتجهيز والإعداد وفقدان الرفاق في ميادين المعركة والخيانات الداخلية والخذلان المر وجهل الشعب بحقوقه وقدراته .

ومن دروس الجلاء  أن الشعوب حين تطلب حريتها لا يستطيع كائناً من كان إيقافها ، ولا تتنازل عن مطالبها ، وخاصة حين تصبح المسالة متعلقة بسيادتها على أرضها، وأن المستعمر مهما استمر أو ناور أو تدثر تحت أي عنوان خادع فإن للأرض أهلاً سيجعلون رحيله منها حقيقة مؤلمة، وسيقدمون أرواحهم لأجل ذلك ، وهذا ما حصل مع اليمنيين في الرابع عشر من أكتوبر عام 1963م، إذ تحول البسطاء الذين كانوا يبحثون عن لقمة العيش في ميناء هذه المدينة إلى أسوداً حين دعاهم داعي النضال، وأذاقوا المستعمر مرارة الكأس وشدة البأس ، وكانت النتيجة الحتمية إعلان الاستقلال التام، ورحيل أخر جندي بريطاني لتشكل السنوات الأربع بين الحدثين مدرسة نضالية قدم فيها الشرفاء أرواحهم رخيصة لأجل تحرير الأرض من المستعمر، وعانى الشعب كله كثيراً خلال هذه السنوات لأجل الوصول لهذا اليوم المجيد .

ومن الدروس التي فرضتها ذكرى الجلاء ولابد من استحضارها عملياً اليوم أنه ولزاماً علينا ونحن نعيش ذكرى الاستقلال الكامل لشعبنا في الجنوب أن نتذكر أن السيادة الوطنية والتحرر من المتحكمين بمصير الشعب والأرض هما ما يجب ان نركز على توطيده اليوم ونحن نناضل لاستعادة الوطن من أيدي الانقلاب والمشاريع الصغيرة ، ولابد أن نتعلم من تاريخنا الحافل بروح الانجاز الثوري أن الثورات لا يكفي تحقيقها، لكن ينبغي حمايتها من المتسللين لواذاً، والمتسلقين من خلف الجُدُر، ودعاة الوطنية الذين يعلوا صوتهم حين نحتفل بالنصر، وكانوا قبله قابعين في غياهب الانبطاح متمرغين بذل الاستكانة ولابسين رداء الخذلان. 

إخيراً فإنه من الحكمة اليوم ونحن نستعرض ذكرى الجلاء للمستعمر أن نهتم بإعادة تقييم الخطاب الوطني وتحويله نحو النموذج الجامع، والسير نحو مشروع الوطن الكبير بعيداً عن المشاريع الصغيرة سواء كانت سلالية أو جهوية أو عنصرية أو تحت أي عنوان براق خادع أخر ، ولا حل لهذه الأرض لتعود حرة قوية إلا الالتحام تحت راية الوطن الكبير  فينسى اليمنيون هوياتهم الخاصة وتبقى الهوية الوطنية الجامعة هي مهوى الأفئدة ومنتهى الآمال

الحجر الصحفي في زمن الحوثي