خاطرة الجمعة (10): "بين محبة الله وغضبه... جمعة وعيد!"

د. علي العسلي
الجمعة ، ٠٦ يونيو ٢٠٢٥ الساعة ٠٦:٤٨ مساءً

 

وما قدروا الله حق قدره...

محبة الله ليست كمحبة البشر؛ هي امتثال لأوامره وطاعة له، والتزامٌ بحدوده، ودوام ذكره.

أن تؤدي الفروض في أوقاتها، فأنت تحب الله،

أن تراقبه في السر والعلن، فأنت تحب الله،

أن تحيي الشعائر وتتواصل مع الأرحام، فأنت تحب الله.

محبة الله أن لا تنشغل عنه بشهوات الدنيا وزخرفها...

ما أطيب أن تكون معية الله معك!

في الجمعة الماضية، ختمناها برجاء أن نكون ممن يحبهم الله، الذين قال عنهم:

﴿ وَاللَّهُ يُحِبُّ ٱلصَّـٰبِرِينَ ﴾

[آل عمران: 146]

الصبر في الشدائد، والثبات على الحق، والصدق في القول والعمل... تلك صفاتهم.

أما جمعتنا هذه... فهي جمعة جديدة، ننتقل فيها من الحديث عن ما يُحبه الله، إلى ما لا يُحبه.

فالله لا يحب:

الظالمين،

ولا الخائنين،

ولا المفسدين،

ولا المتكبرين،

ولا الفرحين المغترّين،

ولا الكافرين،

ولا كل مختالٍ فخور،

ولا المعتدين،

ولا الخوّان الأثيم...

دعونا نبدأ بالظلم... فهو أبغض ما يكون إلى الله.

في كتاب الله آيات كثيرة تحذر من صفات يكرهها الله، لتكون لنا عظةً وموعظةً.

وقد تزامن موضوعنا هذا مع عيد الأضحى المبارك، حيث امتزج الفرح بالشعيرة بمرارة الظلم في غزة، واليمن، وسائر الأمة الإسلامية.

فرحنا كان ممزوجًا بألم داخلي...

فالظلم يغيّب العدل، ويهمّش الحق، ويُقصي الأصوات الصادقة!

التدبر في آيات سورة آل عمران

نقف عند الآيات (56-58) من سورة آل عمران، لنرى ميزان الله في العدل:

الآية 56:

 ﴿ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًۭا شَدِيدًۭا فِى ٱلدُّنْيَا وَٱلْـَٔاخِرَةِ ۖ وَمَا لَهُم مِّن نَّـٰصِرِينَ ﴾

وعيدٌ شديد للكافرين، وتهديدٌ بالخذلان الكامل، إذ ظلموا أنفسهم بالكفر.

الآية 57:

 ﴿ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ ۗ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلظَّـٰلِمِينَ ﴾

الإيمان لا يكفي وحده، بل لا بد أن يُقرَن بالعمل الصالح.

لكن ختام الآية جاء مهيبًا: "والله لا يحب الظالمين"

كأنما هي رسالة تحذير: لا يُغني الإيمان إن خالطه ظلم!

الآية 58:

﴿ ذَٰلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ ٱلْـَٔايَـٰتِ وَٱلذِّكْرِ ٱلْحَكِيمِ ﴾

هذه ليست مجرد آيات، بل هي "ذكر حكيم"، فيه التمييز بين من يحبهم الله ومن لا يحبهم، وفيه الموعظة والميزان.

تأملات إضافية:

التكرار في قوله تعالى: "والله لا يحب الظالمين"

يدل على قبح الظلم، وأنه من الكبائر التي تتعدى على حقوق الآخرين.

محبة الله تعني رضاه وعنايته، أما نفي المحبة فهو نذير سخط وعقاب.

الظالمون مقصون عن رحمة الله، فلا يجتمع حبه مع من يظلم خلقه.

رسائل هذه الجمعة:

إلى من بيده القرار:

لا يغرك فرح الشعيرة، فالظلم يحجب محبة الله!

إلى المظلوم الصابر:

اثبت واصبر، فلك محبة الرحمن وتوفية الأجور.

إلى العاقل المتأمل:

اجعل لنفسك ميزانًا:

هل ما تفعله مما يُحبّه الله أم مما لا يُحبه؟

ثم اختر: موقعك في محبته أم في غضبه؟

إلى أصحاب السلطة:

إياك والظلم! لا يغترّ أحدٌ بقوته، فإن عاقبة الظلم وخيمة.

إلى كل مظلوم:

ثق أن دعوة المظلوم لا تُرد، وإن طال الزمان.

مراتب التحذير من الظلم:

 ﴿ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلظَّـٰلِمِينَ ﴾

[آل عمران: 57]

﴿ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ ٱلظَّـٰلِمُونَ ﴾

[الأنعام: 21]

 ﴿ وَٱلظَّـٰلِمُونَ مَا لَهُم مِّن نَّصِيرٍ ﴾

[الحج: 71]

﴿ وَسَيَعْلَمُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوا۟ أَىَّ مُنقَلَبٍۢ يَنقَلِبُونَ ﴾

[الشعراء: 227]

دعاء من وحي التدبّر:

 اللهم اجعلنا من الذين آمنوا وعملوا الصالحات،

ولا تجعل لنا في الظلم نصيبًا، ولا في الجور طريقًا.

اللهم لا تحرمنا محبتك، ولا تكتبنا في زمرة الظالمين.

اجعل يومنا عيدًا بالحق، لا عيدًا بالزيف.

ووفّنا أجورنا بفضلك، وأجرنا من كل من لا تحبهم.

اللهم يا عادل، يا حكيم، يا رحيم... آمين.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

-->
الحجر الصحفي في زمن الحوثي