في لحظة فارقة من تاريخ اليمن، أطلّ رئيس الوزراء الجديد، سالم بن بريك، بكلمة نادرة في وضوحها، واقعية في مضمونها، بعيدة عن المبالغة والشعارات، لتتحول إلى مشروع وطني يستنهض الدولة من ركام الفشل.
إنها كلمة تُوزن بماءِ الذهب، وقد تعيد الأمل إن صمدت أمام معاول الداخل وضغوط الخارج.
وفي ظلّ انهيارٍ اقتصاديٍ ومعيشيٍ غير مسبوق، ظهر على اليمنيين رجلٌ بمسيرةٍ ناصعة، وهدوءٍ واثق، يجسّد الشخصية اليمنية الجامعة، والإدارية المُجرَّبة، المتجذّرة في مؤسسات الدولة.
رجلٌ، كما قد يُقال عنه في عدن، «مُجلّس» بكل ما تحمله الكلمة من ثقلٍ، ورزانةٍ، ونزاهة. وقد وصفه الكاتبُ السياسيُّ المخضرمُ خالد الرويشان بقوله: «شجرةٌ وحيدةٌ في فلاة»."
في المعنى السياسي:
عندما يُقال عن رجل دولة إنه "شجرة وحيدة في فلاة"، فذلك يعني:
- أنه نزيهٌ وكفؤٌ وسط محيطٍ يعتريه الفساد أو الضعف.
- يعمل بإخلاص في بيئة يغلب عليها الإهمال والانتهازية.
- وجوده نادر، لكنه يصنع الفارق، كالشجرة التي تمنح الظل في صحراء قاحلة.
لقد خبر سالم بن بريك جغرافيا الدولة من منفذ الطوال إلى الحديدة ثم إلى عدن، وتقلّب في مفاصلها الإدارية، من الجمارك إلى وزارة المالية، قبل أن يُستدعى لتحمّل مسؤولية رئاسة الحكومة في أكثر الأوقات حساسيةً وتعقيدًا.
وفي كلمته الأولى، لم يلجأ إلى المبالغة أو الشعارات، بل تحدّث بصدق، ونبرة حزينة نبيلة، وبأمل هادئ، فبدت كلماته كأنها مغمّسة بماءِ الذهب!
ما الذي يُعوَّل عليه؟
يُعوّل على سالم بن بريك في النزاهة والمهنية، لكن النجاح لن يكون حليفه إلا إذا:
- حظي بدعم سياسي حقيقي من "أشقاء الخارج".
- تُرك يعمل دون عراقيل من "أشقياء الداخل" الذين يعيقون تصدير الموارد، ويشلّون حركة دواليب الدولة.
ما المطلوب منه؟
- أن يجعل عدن عاصمةً لكل اليمنيين.
- أن يعيد تصدير النفط والغاز، فهما المحك الحقيقي.
- أن ينطلق بعدها لتنفيذ أولويات المرحلة بجدية.
ورغم أن الإحباط قد ترسّخ في الأذهان بسبب تجارب سابقة، امتلأت بالوعود وخلت من الفعل، إلا أن الرجل ظهر مختلفًا، أقرب إلى صورة الشهيد إبراهيم الحمدي أو سالم ربيع علي. ونتمنى أن يقتدي بهما في العزم والعمل.
فكلمته لم تكن خطابًا عاديًا، بل كانت مشروع حكومة بأكملها:
• لا تبيع الوهم،
• لا تختبئ خلف التبريرات،
• تعد بخدمة الناس،
• وتحمل مشروع استعادة الدولة، لا إدارة الفشل.
تحليل مضامين الكلمة:
1. "حكومة تقيس إنجازاتها على الأرض، لا تبيع الوهم ولا تختبئ خلف التبريرات"
هذه العبارة تمثل تحولًا في نهج الحكم؛ فبن بريك يدعو إلى إدارة قائمة على الأرقام والنتائج، لا الأقوال، وعلى المسؤولية لا التبرير.
2. "حكومة تعطي الأولوية لتخفيف معاناة الناس... حكومة لخدمة الناس"
هنا تُبرز الحكومة بعدها الإنساني، وتضع المواطن كأولوية قصوى. فالسلطة ليست غاية، بل وسيلة لتحقيق الكرامة والعدالة الاجتماعية.
3. "حكومة رئيسها يتعهد بأنها ستعمل كفريق واحد"
تعهد يتجاوز النظرية إلى التطبيق؛ فالتناغم والتكامل شرطٌ للنجاح في بيئة اعتادت على الانقسام والشللية.
4. "حكومة لا تستجدي، بل تطالب بالدعم كمستحق"
هنا تبرز الكرامة السيادية؛ فكأنّي به يرفض منطق التسوّل الذي تبنّاه بن بريك. فاليمن، الغنيّ بموارده وموقعه الاستراتيجي، ما تزال طاقاته معطَّلة وتنتظر من يُفعّلها. وهو جدير بالدعم من منطلق الشراكة، لا من باب الصدقة.
قال في هذا السياق:
"دعمكم لا يخص الحكومة فقط، بل ملايين اليمنيين المنتظرين لأبسط مقومات الحياة... معركتنا مشتركة ومصيرنا واحد."
5. "لننجح معًا، ومن يريد أن يفشل، فليفشل بمفرده!"
رسالة تحذير قوية للمثبطين في الداخل والخارج؛ القطار قد انطلق، ومن أراد الفشل فليتحمّل عواقب انسحابه.
في التغطية الصحفية:
أفردت صحيفة الشرق الأوسط تقريرًا للصحفي علي ربيع عن تغطية مباشرة لانطلاقة بن بريك من عدن، العاصمة المؤقتة، في خطوة رمزية وعملية تعيد الاعتبار لمقر الحكومة على الأرض.
وأشار التقرير إلى ثلاث أولويات رئيسة:
1. الاقتصاد.
2. الخدمات.
3. استعادة الدولة.
كما أكد على:
• إصلاح السياسات المالية والنقدية.
• مكافحة الفساد.
• تفعيل الرقابة، ومجلسي النواب والشورى.
•إعادة الهيئات الرقابية والمناقصات.
خطوات تعكس رغبة صادقة في استعادة الدولة من تشرذمها المؤسسي، وتفعيل دورها التنموي والرقابي.
خاتمة:
من خلال تحليل الكلمة والتقارير، يمكن القول إن رئيس الوزراء بن بريك يطرح مشروعًا وطنيًا جامعًا، واقعيًا، يربط السياسة بالاقتصاد، ولا يتكئ على الشعارات.
فهل يُكتب لهذا المشروع أن يُترجم إلى إنجازات؟
أم أن معاول الداخل والخارج ستنال من أحلام اليمنيين مجددًا؟!
نأمل أن تكون هذه الكلمات التي تُوزن بماءِ الذهب... مقدّمة لأفعال من ذهب!
-->