في اول خطاب رسمي له، اتسم بالشمول وحمل ابعادًا متعددة، حاول رئيس مجلس الوزراء، سالم بن بريك، رسم ملامح خارطة طريق لمرحلة سياسية بالغة التعقيد، جامعًا بين تعهدات الإصلاح من جهة، والتأكيد على وحدة الموقف الرسمي خلف القيادة السياسية ممثلة بفخامة الرئيس رشاد العليمي من جهة اخرى. إنه خطاب بثلاثة اوجه، حمل رسائل متعددة للداخل والخارج، لكنه يواجه تحديًا كبيرًا في تحويل النوايا الى افعال، وفي إخراج الحكومة من دائرة الاقوال الى ميدان الإنجاز الفعلي، في واقع مرهق بالأزمات والانقسامات السياسية.
دولته لم يُخفِ جسامة المهمة التي اوكلت اليه بل تحدث بلغة اقرب الى المكاشفة حين قال: "وقفت امامكم وقد حملت امانة ثقيلة في ظروف استثنائية"، وهو توصيف دقيق للمرحلة التي تمر بها الحكومة اليمنية، حيث الأزمات باتت متداخلة، والثقة الشعبية في الاداء الرسمي تعاني من تآكل كبير.
ورغم ذلك، بدا واضحًا الثلاثة الأوجه الرئيسية التي تضمنها خطاب رئيس الوزراء على النحو التالي:
أولًا، الوجه السياسي، من خلال تأكيد رئيس الوزراء التزامه بتوجيهات مجلس القيادة الرئاسي واستعداده الكامل للعمل بتكامل وتنسيق مع المؤسسات العليا، وهي رسالة ضمنية الى المكونات السياسية بضرورة الاصطفاف خلف الحكومة لتجاوز مناخ التشظي والتنازع.
ثانيًا، الوجه الإداري–الاقتصادي، حيث تحدث دولته عن اولويات عاجلة تتصل بمكافحة الفساد، وتوريد الإيرادات الى البنك المركزي، وتفعيل المؤسسات الرقابية. وهي قضايا تمس جوهر الإشكال الحكومي، خصوصًا وأن الفساد لم يعد استثناءً، بل اصبح جزءًا من بنية الدولة الإدارية.
ثالثًا، الوجه الإنساني، حين خاطب رئيس الوزراء المواطن بلغة تعاطف واضحة، مؤكدًا على اولوية تحسين المعيشة، وصرف المرتبات، وتوفير الخدمات، مع تخصيص مساحة لتمكين المرأة والشباب، وهو توجه إيجابي يُحسب له، إن تُرجم إلى سياسات عملية.
وقد اشتمل الخطاب على رسائل سياسية مهمة، من ابرزها تأكيد رئيس الوزراء أن جماعة الحوثي تمثل السبب الجوهري في استمرار الكارثة الإنسانية، واصفًا إياها بأنها اداة إيرانية، وهو توصيف يعيد تموضع الحكومة ضمن المعركة الوطنية الكبرى ضد مشروع خارجي يهدد اليمن والمنطقة.
كما دعا الخطاب، الشركاء الإقليميين والدوليين الى دعم الحكومة باعتباره استثمارًا في الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي، وهي رسالة مزدوجة تجمع بين طلب الدعم وتذكير المجتمع الدولي بمسؤوليته تجاه اليمن.
وفي ظل صراع النفوذ داخل المناطق المحررة، جاءت دعوته الى تجاوز الحسابات الضيقة والمكايدات السياسية كضرورة لاستعادة قدرة الدولة على البناء والتعافي.
لا شك أن خطاب رئيس الوزراء حمل نبرة مختلفة، وأظهر وعيًا سياسيًا وإداريًا بحجم التحديات، لكنه – كغيره من الخطابات الرسمية – سيُقاس بما سيتحقق على الأرض. فإما أن تكون الحكومة على قدر التحدي، وتتحول الى حكومة فعل وإنجاز، او تكون مجرد رقم جديد في سلسلة الإنهاك العام.
-->