قبل اسبوعين، كنت في السفارة وصادف أن الأخ دولة رئيس الوزراء، الاستاذ سالم صالح بن بريك، كان لديه اجتماعا ..
لم أكن من رواد الفنادق ولا المشجعين لذلك فأنتهزتها فرصة لتحديد موعدا لزيارة سيادته.
تحدثت مع أحد الاعلاميين المرافقين له وقلت له: "اود لقاء الاخ دولة رئيس الوزراء". وعدني الرجل بتحديد موعد، واخذت وعده على محمل الجد. عدت الى منزلي واعددت ملفاً موجزاً، لتسليمه لمعاليه فقط حرصا في اختصار وقت اللقاء، وما زلت حتى اللحظة انتظر ذلك اللقاء!
ما دفعني لطلب اللقاء لم يكن طموحاً شخصياً او سعياً وراء مساعدة مالية –وهذا ما اخبرت به المرافق، بل اريد اللقاء لامر مهني، ورغبة حقيقية في الحديث مع رجل اعرفه جيدا، رجل متواضع لا ينظر الى من يلجأ اليه بتعال او تجاهل. رجل من زمن العطاء، بشعور وطني ومسئولية وضمير حي، يمتلك شجاعة نادرة لمواجهة الحقائق، وحكمة في التعامل مع المواقف الصعبة، واتخاذ القرارات المناسبة في الوقت المناسب. انه رجل دولة حقيقي في زمن صعب يحتاج لأمثاله.
وبدون شك كنت ساتطرق في الحديث اليه عن واقع الناس، عن همومهم اليومية، عن ما يمكن فعله لتحسين حياتهم.
كنت عازمة على طرح فكرة اساسية: ان الحكومة، حين تتوافر لديها النوايا الصادقة والمخلصة، تستطيع تحقيق الكثير، وربما بتكلفة اقل، لو وضعت احتياجات المواطن في صدارة اولوياتها، خاصة وأن استقرار الجبهة الداخلية عامل مهم واداة فاعلة في زمن الحرب والسلم.
بحسب معرفتي بتجاوب دولة رئيس الوزراء مع مثل هذه المبادرات، عدت الى منزلي متفائلة، موقنة أن طلبي سيلقى قبولا. لكن ها هو الأسبوع الثاني ينقضي، والحكومة تبدو وكأنها دخلت في بيات صيفي خانق، ربما تعاطفا مع المواطن الذي تحرقه لسعات الحر الممتزجة بالرطوبة، وسط انقطاعات الكهرباء المزمنة!
اعلم ان اختيار بن بريك لرئاسة الحكومة لم يكن محض صدفة، بل جاء تتويجا لمسيرة نجاح وخبرة في مختلف المواقع. لكنه اليوم يقف امام تحديات لم تعد تقبل التسويف أو المماطلة.
لا أعلم لماذا مايزال هناك هدوءا متأنيا لدولة رئيس الوزراء ابتدأ بصمت ليس كسابقيه وكأنه ينتظر نتائج امر متفق عليه سلفا.
الكهرباء التي باتت ترفاً، المياه التي تحولت إلى ازمة يومية، الخدمات الصحية والتعليمية المتردية… كلها ملفات ساخنة تنتظر قرارات جريئة تعيد للدولة هيبتها.
اما الاقتصاد، فتضخم العملة والفوضى السعرية وجشع بعض التجار ارهق المواطنين. والحكومة مطالبة الآن بفرض رقابة صارمة، وتفعيل ادوات ضبط الاسواق، وتوفير فرص عمل حقيقية، خصوصا لفئات الشباب والنساء الذين طال انتظارهم.
في الجانب الامني، فإن استعادة سلطة الدولة وهيبة القانون باتت امرا لا يحتمل التأجيل. الفوضى والانقسامات تنذر بخطر اكبر، والمطلوب مقاربة امنية جديدة توحد الجهود، وتعيد الاعتبار لمفهوم الدولة الوطنية الجامعة.
وفي مواجهة الفساد، لم يعد مقبولا التراخي او التردد. لا بد من قرارات شجاعة، ومحاسبة حقيقية، وتفعيل ادوات الرقابة والشفافية، لأن الفساد يستنزف مؤسسات الدولة ويقوض ثقة المواطن.
وفي الوقت الذي نأمل فيه أن تكون حكومة بن بريك حكومة إنقاذ مصغرة لمعالجة تضخم التعيينات للقيادات الإدارية العليا الموروثة من الحكومات السابقة، وتجاوز ما احدثته تلك الحكومات من اغراق لمؤسسات الدولة بتعيينات لكوادر غير منتجة – بل في أحيان كثيرة تكون معيقة و لا تمتلك معرفة ودراية حقيقية بطبيعة عملها ولماذا عُينت في هذا الموقع او ذاك – فإننا نأمل أن تحد الحكومة الجديدة من سياسة التعيينات في المناصب القيادية، وتكون الاولوية للكفاءات والخبرات الحقيقية التي تستطيع تحمل المسؤولية والنهوض بمؤسسات الدولة.
والاهم من كل ذلك، أن دولة رئيس الوزراء مطالب بفتح حوار وطني شامل، يستوعب الجميع بدون اقصاء احد، ويضع حداً للانقسامات التي انهكت البلاد. اليمن، بحاجة إلى توافقات حقيقية، لا لمزيد من الصراعات والتجاذبات.
اليوم، عيون الداخل والخارج تترقب خطوات الحكومة الجديدة. النجاح لن يقاس بالأقوال او الشعارات، بل بالافعال والنتائج الملموسة التي يشعر بها المواطن العادي. انها لحظة اختبار حقيقية لا تحتمل الفشل.
الكرة في ملعبكم، اخي دولة رئيس الوزراء… وفي انتظار الأفعال، يبقى الأمل معقوداً بأن تكون حكومتكم بداية لمسار جديد نحو استعادة الدولة، وبناء يمن يليق بأبنائه. والشعب ينتظر. عزائي بهذا المقال هو اني التقيت بالاخ دولة رئيس الوزراء عبر الصحافة.
-->