في زمنٍ تتقاطع فيه الكلمات مع المواقف، وتمتزج فيه الخطابة بالرسائل السياسية، جاءت قمّتا بغداد — السياسية والاقتصادية — لتشكّلا منصة ناطقة باسم اليمن، ومرافعة صادقة حملها فخامة الرئيس الدكتور رشاد العليمي بكلمتين: ألقى الأولى بنفسه في القمة السياسية، فيما أُلقِيت الثانية بالنيابة عنه في القمة الاقتصادية على لسان القائم بأعمال المندوب الدائم لدى جامعة الدول العربية، السفير الدكتور علي موسى.
الكلمتان تجاوزتا حدود الحروف، وعبّرتا بصدقٍ عن نبض شعبٍ يقاوم مشروع الطغيان السلالي، وشكّلتا تأكيدًا على ثوابت اليمن وهويته القومية.
علينا أولًا أن نُقِرَّ بأن الرئيس العليمي قد نال درجة امتياز في تمثيل اليمن خارجيًا، رغم ما يواجهه من معوّقات داخلية ناجمة عن بعض شركاء الشرعية الذين يضعون العراقيل في طريق الاستقرار وإدارة المرحلة الانتقالية بكفاءة. وقد يتساءل البعض: كيف يُمنح هذا التقدير لتمثيله اليمن خارجيًا، وهو لم يشارك في لقاءات الرياض الأخيرة؟! والجواب ببساطة: هل وُجِّهت إليه دعوة رسمية وتخلّف عنها؟! هذا موضوع قد نتناوله لاحقًا، بإذن الله.
أولًا: الكلمة الأولى – القمة السياسية
1. القضية الفلسطينية:
أكّد الرئيس أن فلسطين تظل القضية المركزية في وجدان اليمنيين وضمير الأمة العربية، وهي من أكثر القضايا عدالة في التاريخ.
الموقف الأول: رفض اليمن القاطع لأي شكل من أشكال التهجير أو الترحيل أو إعادة التوطين للفلسطينيين، باعتباره انتهاكًا جسيمًا للقانون الدولي.
الموقف الثاني: تمسك اليمن بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وعاصمتها القدس، وفق قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية.
2. التدخل الإيراني والعبث في بعض الدول العربية:
الموقف الثالث: الدعوة لتحويل مقررات القمم إلى أفعال، وتفعيل منظومة الدفاع العربي المشترك، لمواجهة التهديدات، وعلى رأسها الإرهاب والتدخلات الخارجية.
الموقف الرابع: إدانة التدخلات الأجنبية، خاصة عبر جماعات إرهابية تمزق الدول من الداخل. وقد استخدم الرئيس لغة دبلوماسية رصينة، فلم يسمِّ إيران مباشرة، بل ألمح بذكاء، مراعيًا احترام سيادة الدول ومكانة الدولة المضيفة.
لكن... الرسالة كانت واضحة.
المتدخل في العراق ولبنان وسوريا واليمن معروف للجميع، والتلميح الشجاع استحضر روح الزعيم الراحل صدام حسين، الذي واجه المشروع الإيراني بشجاعة نيابة عن العرب، ووقف في وجه تمدده كما وقف عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمام إمبراطورية فارس.
3. القضية اليمنية:
الموقف الخامس: التأكيد على أن ميليشيا الحوثي تمثّل تهديدًا دائمًا، لا خطرًا عابرًا، وأن اعتبارها شأنًا داخليًا يُعدّ خطأً جسيمًا دفع اليمنيون ثمنه، وتتحمل المنطقة عواقبه.
الموقف السادس: الدعوة لتفعيل قرار جامعة الدول العربية بتصنيف الحوثيين كجماعة إرهابية، استنادًا إلى سجلهم من الجرائم، والانتهاكات، ونهب مقدرات الدولة، وتهديدهم المتكرر للأمن الإقليمي والدولي.
4. اليمن والاقتصاد العربي:
الموقف السابع: الدعوة إلى إدراج اليمن ضمن المبادرات الاقتصادية، ومبادرات مكافحة الإرهاب المنبثقة عن القمتين، دعمًا لاستقراره وتنميته.
الموقف الثامن: تقديم الشكر للمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات على دعمهما السخي، ولجمهورية مصر العربية على تسهيلاتها الإنسانية والطبية لليمنيين.
الموقف التاسع: التأكيد على التزام اليمن بثوابته القومية وعمقه العربي، وحرصه على الأمن القومي العربي، رغم الجراح.
ثانيًا: الكلمة الثانية – القمة الاقتصادية (عبر مندوب اليمن)
القضية: الانقلاب الحوثي وأثره الاقتصادي والإنساني
أوضح الرئيس عبر القائم بأعمال مندوب اليمن أن الانقلاب الحوثي دمّر مؤسسات الدولة، وتسبب في خلق أزمة إنسانية خانقة، أفقدت اليمن بنيته المؤسسية، وعطّلت مسيرة التنمية.
الموقف: اليمن لا يطلب مساعدات آنية مؤقتة، بل يسعى إلى شراكات تنموية حقيقية. واقترح فخامته ما يلي:
تأسيس صندوق عربي لإعادة الإعمار يركّز على البنية التحتية والخدمات الأساسية.
تشجيع الاستثمار العربي في القطاعات الواعدة في اليمن.
دعم انضمام اليمن إلى مبادرات الأمن الغذائي والتكامل الاقتصادي العربي.
ختامًا...
ما بين الكلمة الأولى والثانية، تجلّت اليمن في خطاب متزن، عبّر عن صوت شعبها الرافض للانقلاب، المتطلع لحياة كريمة في وطن موحّد وآمن.
مواقف لا تُشترى، وحقائق لا تُزيَّف، وقضايا لا تُنسى...
فسلامٌ على من حمل راية قضيته في ساحات العروبة والعالم،
ونثر مواقفه كنجوم في ليل الانكسارات،
لعلّ الفجر يقترب... من الداخل،
بطَيّ صفحة التباينات والخلافات البينية،
لصناعة يمنٍ جديد، بسواعد أبنائه موحَّدين!
-->