مصفوفة عاجلة في ضوء أولويات.. رئيس الوزراء سالم بن بريك: التحديات والحلول المقترحة

د. علي العسلي
الأحد ، ١٨ مايو ٢٠٢٥ الساعة ٠١:١٣ مساءً

 

تمرّ اليمن بمنعطف حاسم يتطلب قرارات جريئة واستثنائية، ورؤية واضحة تنتقل من التنظير إلى التطبيق. وقد جاءت تصريحات رئيس الوزراء، الأستاذ سالم بن بريك، لتضع الأمور في مسار جديد قائم على الحزم وتغليب المصلحة الوطنية، بعيدًا عن المكايدات، والمحاصصة، والفساد.

 

ندرك أن هذا التكليف جاء في أصعب الظروف، لا كتشريف، بل كأمانة ثقيلة. ومن هذا المنطلق، فإن المطلوب هو حكومة تنفيذ لا تأجيل، وحسم لا تردد. وانطلاقًا من هذه الروح، أضع بين يدي دولة رئيس الوزراء مصفوفة تنفيذية عاجلة، تهدف إلى ترجمة أولوياته المعلنة إلى خطوات عملية قابلة للتنفيذ، كخريطة طريق إنقاذية ذات أبعاد اقتصادية، وإدارية، وسياسية.

 

أولويات رئيس الوزراء كما أعلنها:

1. الحفاظ على المركز القانوني للدولة. 

2. استعادة التوازن في المالية العامة. 

3. مواصلة الإصلاح الاقتصادي والمالي والإداري الشامل. 

4. دعم معركة التحرير. 

5. مكافحة الفساد. 

6. تعزيز العلاقة بين الحكومة والسلطات المحلية. 

7. احتواء التدهور الاقتصادي والخدمي. 

8. تقوية حضور الدولة في خدمة المواطنين

 

وفيما يلي عرض للتحديات والحلول المقترحة وفقًا لكل أولوية:

 

1. الحفاظ على المركز القانوني للدولة

 

يتطلب هذا الملف استعادة الموارد السيادية عبر إعادة تصدير النفط والغاز، وإجراء مفاوضات دولية برعاية أممية وخليجية تضمن ربط الدعم الدولي للحكومة الشرعية بتعزيز الاعتراف بها، وتفعيل أدواتها السيادية، بما في ذلك البنك المركزي الموحد وإدارة الموارد من العاصمة المؤقتة عدن.

 

2. ضبط الوظيفة العامة وتحقيق التوازن المالي

 

يتطلب هذا الهدف إلغاء الازدواج الوظيفي في القطاعين المدني والعسكري، وتنقية كشوفات الرواتب، وإعادة هيكلة الأجور والمعاشات وربطها بمعدلات التضخم. كما يُقترح إنشاء صندوق مستقل لإصلاح نظام الأجور والتقاعد، بعيدًا عن تدخلات السياسة اليومية.

 

3. الإصلاح الاقتصادي والمالي والإداري الشامل

 

تبدأ الخطوة الأولى بإشراك الكفاءات الوطنية، وتفعيل أدوات الشفافية والمساءلة، ورفع كفاءة الأداء الحكومي. وينبغي إعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة على أسس وظيفية لا سياسية، وتقديم الكفاءة على الولاءات المناطقية أو الحزبية، في إطار رؤية مدروسة تعيد للدولة هيبتها.

 

4. دعم معركة التحرير

 

تُعدّ هذه أولوية استراتيجية غابت سابقًا، ويُحسب لرئيس الوزراء إبرازها. ولتفعيلها، ينبغي أن تكون عدن عاصمة فعلية تمثل الدولة وتستعيد رمزيتها، من خلال رفع العلم في الدوائر الرسمية، وتوحيد وتنظيم الأجهزة الأمنية.

 

المقترحات العملية تشمل:

1. دمج القوات المسلحة والأمنية تحت قيادة موحدة.

2. دفع رواتب الجنود بانتظام.

3. توفير موارد لتحريك الجبهات.

4. تحسين الخدمات في المحافظات المحررة.

5. تشكيل لجنة أزمة برئاسة رئيس الوزراء.

 

وحسنًا يفعل رئيس الوزراء بتكثيف لقاءاته في الخارج في سبيل تأمين وتوفير الموارد لإنجاز ما سبق ذكره، قبل عودته لإدارة الحكومة إدارة رشيدة من العاصمة المؤقتة عدن.

 

5. مكافحة الفساد

 

يتطلب هذا الملف تفعيل دور مجلسي النواب والشورى، وتوسيع صلاحيات هيئة مكافحة الفساد والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، مع ضمان الاستقلال المالي والقانوني للسلطة القضائية. كما يجب وضع حد للتداخلات مع وزارة المالية، وتعزيز الشفافية في التعامل مع المنح والمساعدات، بما يطمئن المجتمع الدولي ويشجع الشركاء على الاستمرار في الدعم.

 

6. تعزيز العلاقة مع السلطات المحلية

 

من الضروري تنفيذ توجيهات رئيس مجلس القيادة الرئاسي بخصوص نقل بعض الصلاحيات من المركز، وتوحيد الأنظمة المالية، وتحقيق التكامل بين المركز والأطراف، بما يعزز مبدأ اللامركزية كمدخل وممارسة عملية تسبق الدولة اليمنية الاتحادية بأقاليمها المتفق عليها.

 

7. احتواء التدهور الاقتصادي والخدمي

 

تتطلب المعالجة العاجلة تنشيط دورة الإنتاج، وتخصيص موارد للاستثمار في القطاعات الحيوية، وتشجيع القطاع الخاص على المساهمة، وتوحيد الأوعية الضريبية والجمركية، وتحسين التحصيل وتوريد الإيرادات إلى البنك المركزي. كما ينبغي دمج الرواتب، وضبط الكتلة النقدية، وتوفير دعم مستدام للخدمات الأساسية كالصحة والتعليم والكهرباء.

 

8. تقوية حضور الدولة في خدمة المواطن

 

يعني هذا تفعيل أجهزة الدولة لتلبية احتياجات المواطنين، وتوفير الأمن، وضمان انتظام صرف الرواتب، والاهتمام بشؤون المغتربين، وتشجيع مبادراتهم التنموية، بما يساهم في ترميم جسور الثقة بين الدولة والمجتمع.

 

ختامًا

 

إن المصفوفة المعروضة ليست توصيات نظرية، بل رؤية تنفيذية تنبثق من واقع مأزوم يبحث عن مخرج. تنفيذها يتطلب إرادة سياسية صلبة، واستقلالًا إداريًا وماليًا، وشراكة حقيقية مع الكفاءات الوطنية.

 

نثق أن رئيس الوزراء سالم بن بريك، بما أبداه من وعي والتزام، قادر - إن سار بخطى واثقة - على تحقيق اختراق نوعي في المشهد اليمني، يعيد الأمل للناس، ويضع البلاد على سكة التعافي.

 

فهذه مسؤولية وطنية قبل أن تكون شخصية أو سياسية، ولا تحتمل التأجيل أو التردد. فإما أن نكون بحجم المرحلة، أو نترك الوطن يضيع بين أوراق التصريحات.

اليمن لا يحتاج رجال سلطة، بل رجال دولة... والفرصة لا تنتظر!

-->
الحجر الصحفي في زمن الحوثي