عودة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض ستُعيد تشكيل السياسة الخارجية للولايات المتحدة تجاه العديد من الملفات الدولية، وعلى رأسها الملف اليمني والصراع مع الحوثيين.
فمن المعروف أن إدارة ترامب الأولى تبنَّت نهجًا صارمًا ضد الحوثيين وإيران، وصنَّفت الجماعة كمنظمة إرهابية قبل أن يتم التراجع عن القرار في عهد الرئيس بايدن.
لكن السؤال المطروح الآن: كيف سيتعامل ترامب مع الحوثيين بعد أن أصبح رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية مرة ثانية؟ وما هي التداعيات المتوقعة على الساحة اليمنية؟
وكما هو معروف، اتخذ الرئيس ترامب خلال فترة رئاسته الأولى (2017-2021) موقفًا متشدِّدًا تجاه الحوثيين، معتبرًا إياهم أداة إيرانية في المنطقة. وشملت سياساته تجاه الجماعة:
تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية (FTO) في يناير 2021.
فرض عقوبات على قادة الجماعة، مما أدى إلى تعقيد وصولهم إلى الموارد المالية.
دعم التحالف العربي بقيادة السعودية من خلال صفقات أسلحة وسياسات ضغط على إيران.
توجيه ضربات عسكرية لبعض الأهداف الحوثية ردًّا على استهداف المنشآت السعودية.
وبالتالي، فإنه من المتوقع أن تُعيد إدارة ترامب في فترته الرئاسية الجديدة اتخاذ الإجراءات السابقة ضد الحوثيين، وربما تتجاوزها إلى:
التضييق المالي الشديد على الجماعة من خلال فرض مزيد من القيود البنكية الصارمة ومنع حصول الجماعة الحوثية على أي دعم مالي خارجي.
تعقيد جهود الأمم المتحدة لتقديم المساعدات الإنسانية في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، إذا استمرت الجماعة في استهداف الملاحة البحرية والقيام بعمليات قرصنة.
تنفيذ عمليات عسكرية أكثر حسمًا، بما في ذلك إمكانية اغتيال قادة الجماعة أو تقديم دعم مباشر للشرعية لاستعادة المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون.
فتح قنوات تفاوض مشروطة مع الحوثيين، إذ قد تهدد إدارة ترامب بإعادة العقوبات والإجراءات السابقة ضدهم ما لم يوقفوا التصعيد العسكري.
وكان ترامب قد وعد خلال حملته الانتخابية بـ"إنهاء الحروب" في المنطقة، وهو ما قد يُفسَّر بأنه سيتجه إلى عقد صفقات واتفاقات ملزمة، أو حسم الصراعات عسكريًا بسرعة بدلًا من إطالة أمدها بالدبلوماسية.
ويبدو أن سياسة "استرضاء الحوثيين" التي شهدناها في عهد بايدن لن يكون لها مكان في حقبة ترامب الجديدة، مما يجعل الحوثيين أمام تحديات خطيرة قد تهدد وجودهم كمنقلبين ومتحكمين بالعاصمة وبعض المحافظات اليمنية الأخرى.
وبالنظر إلى ما أكده ماركو روبيو، المرشح لمنصب وزير الخارجية الأمريكي في إدارة ترامب المحتملة، فإن السياسة الأمريكية ستكون منفتحة على الحوار مع إيران، بشرط ضمان الأمن والاستقرار في المنطقة ومنع طهران من امتلاك الأسلحة النووية أو استخدام مواردها لدعم الجماعات المسلحة.
لكن في الوقت ذاته، من المرجح أن يعود ترامب إلى سياسة "الضغط الأقصى" على إيران، والتي قد تشمل:
استهداف خطوط الإمداد الإيرانية للحوثيين وعرقلة تدفق الأسلحة والمساعدات إليهم.
فرض عقوبات أشد قسوة على الشركات والكيانات التي تدعم إيران والحوثيين.
وقد يدفع هذا التصعيد الإدارة الأمريكية إلى تعزيز التعاون مع السعودية والإمارات من خلال:
زيادة الدعم اللوجستي والعسكري للقوات اليمنية الشرعية.
تخفيف القيود على مبيعات الأسلحة للرياض وأبوظبي.
دعم عمليات عسكرية أكثر جرأة ضد الحوثيين.
ومن المتوقع أن يتم تعديل خارطة الطريق السياسية في اليمن، بحيث يعاد التفاوض بشأنها، وتُفرض شروط أكثر صرامة على الحوثيين لصالح الشرعية والتحالف العربي، مع تحرير الأمم المتحدة من سياسة "ترضية الحوثيين"، وجعل مواقفها أكثر وضوحًا في تحديد من يعرقل عملية السلام.
وقد يشهد اليمن في الأشهر القليلة القادمة تصعيدًا عسكريًا كبيرًا، وهو ما يبدو واضحًا من التحركات الميدانية الأخيرة، حيث بدأ الحوثيون في:
التحشيد العسكري الداخلي، مما يعكس حالة القلق والترقُّب لديهم.
شنّ حملة اعتقالات داخلية، خوفًا من وجود عمليات استخباراتية ضدهم.
تصعيد التهديدات ضد السعودية، متوعدين باستهداف اقتصادها وتدميره.
الترويج لامتلاكهم قدرات صاروخية متطورة، بنسبة دقة "100%" كما يدَّعون، مما يشير إلى محاولتهم ردع أي هجوم أمريكي أو تحرك سعودي واسع ضدهم.
هذه التهديدات المبالغ فيها دليل ضعف ومحاولة تحسين موقعهم في المعادلات، وهي لن تغيِّر الواقع. فبعد انتهاء الحرب في غزة، أصبحت القوة العسكرية الحوثية معطلة ومجرد استعراض لا أكثر، وإذا استمرت الجماعة في تصعيدها العسكري ضد الداخل اليمني، فإنها ستنكشف أكثر أمام الشعب اليمني. وبذلك، لن يكون أمامها إلا التفاوض والتنازل داخليًا لتقليل الخسائر المحتملة.
وهناك مؤشرات على الرضوخ الإيراني الحوثي لإدارة ترامب، فقد ذكرت بعض المصادر أن إيران نصحت الحوثيين، عقب دخول الرئيس ترامب البيت الأبيض، بإطلاق سراح طاقم سفينة "جالاكسي" كبادرة حسن نية ودليل على تغيُّر في الموقف، كي لا تُفرض عليهم عقوبات أقسى.
بينما زعم الحوثي نصر الدين عامر أن كل ما يفعلونه يُنسب لحماس وغزة، وقال عامر في تغريدة له: "بطلب من الإخوة في حركة المقاومة الإسلامية حماس، وعبر الإخوة الأشقاء في سلطنة عُمان، سيتم اليوم بإذن الله إطلاق سراح طاقم السفينة الإسرائيلية المحتجزين لدى القوات البحرية اليمنية منذ أكثر من عام وشهرين... علمًا أن اليمن أكدت منذ البداية أن أمر الطاقم بيد الإخوة في حماس". كذلك، صدر بلاغ صحفي عن المجلس السياسي الحوثي بإطلاق سراح المحتجزين اليوم، لنفس الأسباب.
ترى، هل هي صفقة موازية؟ أم أنهم يكذبون باسم حماس؟ فما مصلحة حماس من إطلاقهم وما هو المقابل؟
ختامًا، عودة ترامب إلى البيت الأبيض ستحدث تحولات جذرية في السياسة الأمريكية تجاه الحوثيين، وقد تؤدي إلى تصعيد عسكري كبير أو إعادة ترتيب مسار الحل السياسي بشروط جديدة. الأشهر القادمة ستكون حاسمة في تحديد مستقبل هذا الصراع، وسط متغيرات إقليمية ودولية متشابكة.
فهل الحوثيون مستعدون لهذه التغييرات؟ وكيف ستتعامل الحكومة الشرعية والتحالف العربي مع الفرصة الجديدة؟
الأيام القادمة ستكشف لنا الكثير من الإجابات.
-->