ثقافة الغزو.. وخسارة المعركة

د. محمد شداد
الجمعة ، ٢٧ ديسمبر ٢٠٢٤ الساعة ٠٤:٢٣ مساءً

 

الثقافة في عمومها هي مجموعة المعارف والعلوم والقيم التي تؤثر في بناء الحضارة البشرية، وسَّعَ الإسلام عند مجيئه مدلوها ولم يلغها، بمعنى آخر أن الإسلام وسعها لتشمل جميع المفاهيم المتعلقة بجوانب الحياة، ومن ثم فقد أصبح مصطلح الثقافة من أكثر المصطلحات ذيوعًا في مجال الدراسات الثقافية الانسانية والاجتماعية.. 

 

 وعليه فالحفاظ على الهوية الثقافية والحضارية في عالمنا العربي واليمني على وجه الخصوص من أوجب الواجبات، لأنّا بإزاء تحدٍ طاغٍ لهُويات وثقافات أجنبية ومحلية، تستهدف الهُوية العربية وعلى رأسها الفارسية تليها ثقافة الغرب الاستعمارية، كليهما وبطريقةٍ ممنهجة تستهدفان كل الروافع الحضارية والقيم الدينية والأخلاقية للعروبة واليمن على وجه الخصوص..

 تجريف للوعي شكَّل هجمات قاسية سعى إلى خلخلة جوهرية لكل ما هو ثابت اتكئ عليه المجتمع واستقي منه ماء حياته واستفز جيناته عند مواجهة المحو والطغيان الثقافي الهادف إلى تحويل الناس إلى بشرٍ توابع، وآلات للحرث والزرع والقتال دون دراية لماذا ولصالح من تقام الحروب..

 

الغزو الفكري الناعم يعد من اخطر أنواع الغزو، إذ يكون بمقدور الأمم والشعوب الغازية السيطرة على مقدرات الأمة العربية، وكسب ولاءات صُناع قرارها بعد تهجينهم، على إثر إصابتهم بالصدمة الحضارية لديهم.

وما فعلته إيران وتفعلة دول الغرب والشرق في هدم البناء الثقافي والحضاري للأمة على المداءات البعيدة والقريبة، شكَّل قوة تجني ثمارها دون عناء مادي وبدون مقابل، وقعت الأمة في الفخ، خسرت المعركة العسكرية بعد أن خسرت المعركة الثقافية القومية والحضارية في عموم الوطن العربي، أهمل العرب الإنسان المثقف وكذلك في اليمن، أهملت الكاتب الباحث والشاعر فأُهملت على إثره الجامعات والمدارس ومراكز الأبحاث بعد أن وجَهتْ النُظُم السياسية المتعاقبة الميزانيات للمشاريع السياسية الوهمية وتركت الأساس..

 

 تُركتْ المؤسسات التعليمية الثقافية ومن فيها العاملين ضحية للحاجة والفقر، خُصصت الميزانيات بجهلٍ وعمى للشيخ والنافذ والكاهن المشعوذ مُنحت بحسب العرق والولاء، حتى أصبح الأكاديمي اللامع صانع المعرفة والتنوير يعمل لدى مخبز أو كاتب مذكرات لدى مهرج أُطلق عليه اسم الثائر أو العمدة صاحب الشرائح المتعدة يعمل ويوالي بحسب المصلحة والطلب..

 

خسرنا المعركة الثقافية والمعرفية، بعد إسناد شأنهما لصانع القرار الذي ليس لديه صلةً بذلك الفضاء، بل ذهبت القضية أبعد أُسندت لمن لديه خصومة مع المعرفة والثقافة أصلاً.. وبالتالي تقع مسؤولية الكارثة على كل من رشحهم هتف باسمهم ولف لفهم، جريمة خسارة المعركة الثقافية مشتركة بين قطاع نفوذ وظيفي واسع شارك جُلُهُ بالهزيمة..

 

غرس المتغلِب السلالي فكرة الولاء له في عقول ضحاياه من صُنَّاع القرار بطرق ناعمة مباشرة وغير مباشرة استقطب النافذ وحامل السلاح والهراوة القمعية، استخدمت المال لكسب الولاءات وثقافة احتقار الزنابيل، حرمت مصاهرة اليمنيين كسلالة وأباحت تزويج اصحاب القرار وحملة الشهائد العليا وأصحاب المهارة والمكانة في المجتمع، بغرض التوسط للأقارب واستصدار الأوامر وتوزيع المنح والوظائف، وإنجاب الأطفال وغرس ولاءهم بطرق ناعمة للأخوال والأجداد أنجب الرئيس صالح زيد بن علي من الكحلانية وأعقب عبدالله بن حسن الأحمر هاشم وحسين من المتوكلية وغيرهم في السلسلة كُثُر فكرةٌ هدامة سكنت عقولهم وسيطرت على الوجدان..

 

ظهر طابور مناهض للثقافة اليمنية عندما بدأ اليمني خوض معركة الدفاع عن ثقافته وعروبته قالوا عنه قومي واذا ما انحاز إلى يمنيته جرموه، نعتوه بالعنصرية عندما ما وصَّفَ السلالي بسلاليته واستخدموها لاستعباد الناس ونهب أملاكهم ومصادرة حقوقهم السياسياسة الفكرية والإنسانية..

وعودًا على بدء لا يوجد تعارض بين قيم الإسلام وتعاليمة، والمبادئ الوطنية والإخلاص للوطن والانتماء الأمة لوطنها وحضارتها، ولا تلغي الهوية الدينية الهوية الوطنية ولا تصطدم معها ولا تفسد لها واجب شرعي أو تعبدي، ركبوا على فكرة الهوية الايمانية ليستنزفوا العقل من كل القيم الأخرى، إغواء الناس بالهوية الدينية نهجٌ باطل أريد به الباطل..

 

غرست العصبية القبلية والسلالية المذهبية، الكُره للآخر، احتقرت المتعلم صاحب الفكرة الوطنية الشاعر الكاتب سَخِرت من المدرسة والمدرس من الجامعة والاستاذ، واعتدت عليهم قللت من شأنهم هدمت الوعي الثقافي لديهم..عزف الناس على إثرها عن التعليم، زجوا بهم في المعسكرات في أتون الحروب اللامتناهية، فقدوا قدراتهم العقلية والمهنية عجزوا عن الكسب الحلال، عن العمل التجاري الحُر، أصبحوا فقراء مجرد أكتافًا لحمل السلاح، وأبوقًا تصرخ بالولاء والشعارات التي لايدركون معانيها وخطورتها على حاضرهم ومستقبل أجيالهم.. 

 

ومع كل ذلك فقد ارتفع منسوب الوعي عند الشباب وأدركوا خطورة المشروع الإمامي السلالي البغيض وأدرك معظم الشعب اليمني أنه بإزاء فكرة قاتلة تخبو ثم تظهر تبلى ثم تتجدد، عادت الفكرة بوحشية لم يشنقها ثوارنا الأوائل بل لم تتح لهم الفرصة من أذنابها، تركوها تعمل على مدى عقود تتسللت إلى عقول الناس، جرَّفت قيمهم الوطنية والحضارية القومية محتها من عقولهم وأحلَّت محلها فكرة التشيُع المذهبية العرقية الممقوته..

 

غير أنا لن نخسر المعركة ثانية لعلها الدواء الناجع بعد الصهر الثقافي الوطني الشديد بات لدينا قيادة رأس اليمن الحر مؤهلين أكاديميين قُراء أكِفاء ومقاتليها صاروا جيوشًا واعيين، حملو هم الوطن أحسنوا الفكرة الثورية الجمهورية صاروا بالملايين، باتوا أخامس، توزعت متاريسهم على كل القنوات الفضائية في المنصات والإعلامية في وسائل النشر والتواصل الإجتماعي وعلى رؤوس الجبال وفي بطون الأودية..

 

 أعطت الجريمة التي ارتكبتها الإمامة السلالية العائدة بحق شعب اليمن درسًا بليغًا قاسيًا أيقضت روح أشعلت المقاومة الوطنية الوهج الثوري الذي كاد أن يخبو وينطفيء أيقضت الأقلام الخاملة والعقول المخدرة شحذت سهام الرؤية الوطنية الثاقبة، بهم سينتصر اليمن وستشرق شمسه بوهجٍ آخر لا محالة..

-->
الحجر الصحفي في زمن الحوثي