اعتاد اليمني على التفوق والعطاء، حلفًا صاغته سنين الغربة بينه وبين الاجتهاد الذي لا يشيخ من قديم الزمان، السمعة العطرة في سلوكه وتعامله مع الآخر في بلاد الغربة غالبة، مع حتمية وجود بعض الشوائب والسلوكيات الشاذة التي لا يخلو منها مجتمع، والشاذ هنا كنظرية ثابته لا حكم له..
تسبق روائح البن اليمني ومذاقاته شرب الفناجين، تسرع حلاوة الفاكهة اليمنية إلى لسان كل ذائق قبل التذوق، تسري الجغرافية اليمنية في مفاصل التاريخ، شأن المطابخ اليمنية في شتى المهاجر يُجمع على جودة مذاقها العرب قبل الأجانب، مصانع ومراكز أبحاث العالم تشهد للعقول اليمنية بالذكاء الحاد ولمهارة الأيادي اليمنية بالتيمز ولنقاوة سريرتها وتسامحها وكريم أخلاقها في كل الدنيا تميزٌ وحضور..
برغم التطور العلمي والتقني الذي حازه اليمنيون في كل الجامعات وبمختلف التخصصات لا زالت العشوائية وبعض الموروثات الثقافية تسري في مكوناتنا كما تسري الجينات في بني البشر، غياب مضامين ضبط الفكرة الوطنية ملحوضة في أغلب المناسبات، عدى الأعياد الوطنية التي أحيتها الأحداث ونفخت في أجسادها بطولات الحرب والتضحيات الروح الوطنية الفائقة، ضد مشروع حكم الكهنوت الراجع من صميم الكهوف..
المحسوبية والمعرفة والمحاباة تسبق معاير الحضور والضبط الإداري في التنظيم والترتيب، تقدير الفاعلين الناشطين في خدمة المجتمع في الخارج تطغى عليه المصلحة والمحاباة وحب الظهور، ظاهرة متكررة..
الأمراض الاجتماعية مع تعافي الناس من معظمها لازالت تؤثر على صبغ الفعاليات بصبغة وطنية قاتمة، نفخ الأرواح في الجثامين البالية وإعادة تدويرها اجتماعيًا على أسس لا يدركها أحد مستغربة !..
حشرها وتبنيها وإبرازها على حافة الفعاليات رغم فقر تاريخ ماضيها وحاضرها مساهماتها سواءً كانت تطبيقية موضوعية أم علمية سياسية أو مادية سابقًا ولاحق مدعاة لحيرة كل ذي لب عاقل..
اليمن الأصالة كلها والفن كله وأسفار التاريخ التي لا فضاء يحدها ولا حواجز تمنعها من العبور إلى القارات شرقها والغرب، أسئلة مطروحة وأسئلة لم تطرح بعد، هل ستُبنى الدولة القادمة مع افتقار الذاكرة الشابة لكل تلك الحقائق والمعطيات؟
ومع تقديرنا لكل الجهود التي بُذلت في حفل تكريم الخريجين والمتفوقين اليمنيين يوم أمس تخلله بعض ملاحظات النقد الموجه من باب الحب والعتب ليس إلا..فتج أناشيد كويتية سلفية لمنشد كويتي اسمه حمود الخضر، سألت من كان بجواري وهذا صوت من؟ قال الخضر، الكويت تغترف من بحور الفن اليمني وجيء لنا بكوز من هناك..
اليمن بلد الشعر والشعراء والفن وأهازيج والنشيد، خلت القاعة من كل ذلك في كل فواصل الحفل، لماذا تم استضافة منشد ديني اسمه أمين حاميم، صعد المنصة مرتديا جاكت أخضر وينشد "جو اليمن ثاني وثوبها أخضراني" ذاك لون مشعوذي الحوثي وموالده الخضراء الآسنة في صنعاء المحتلة واليمن يضج بالقامات الفنية التي يستحق أحدها الدعوة والحضور؟ أسئلة بحاجة إلى جواب..
لكل مناسبة لونها، روحها، والفرح الذي تريد أن تنشره، ورسائلها التي يراد توصيلها، جُلُها تُستشف من خلال برامجها والمواد المقدمة فيها، من يغنيها أنواع النشيد والأغنية لون الشِعر والخطابة فيها، ألبسة فقراتها، رقصاتها تنوع الموروث اليمني الباذخ، الحضور المتفائل والمتفاعل طواعية، احترام الحضور وإعطاء كل ذي قدر حقه، معايير علمية تقاس من خلالها نسب النجاح والترتيب وإخلاص القائمين على كل فعالية..
ختامًا درس اجتماعي تربوي حاضن يرويه عمر بن العاص رضي الله عنه عن المعلم رسول الهدى والأخلاق وجميل الأداء والتعامل مع صنوف البشر بحكمة وفقًا لمكوناتهم وعُقد مشاعرهم وتكوينهم الفكري والثقافي..
قال عندما كنت أقبل على الرسول صلى الله عليه وسلم يشير إلى مكان أجلس فيه، وإذا لم أجد يفسح لي بجواره تعاهدني بالحنو والمودة حتى ضننت أني أحب الناس إليه، سألته يومًا يا رسوال الله من أحب الناس إليك قال من النساء عائشة قلت من الرجال قال أبوها قلت ثم من قال عمر قلت ثم من قال عثمان تمددت السلسلة حتى أيقنت أني لست منهم، أمسكت وأدركت إنها روح النبوة القيادة وفن الاحتواء وأسر القلوب طواعية دون إكراه..
-->