نعم، كنتُ هناك، أقف على تلٍ عالٍ، أرى جحافل القوات وهي تتقدّم من كلّ الجهات، مثل أمواج البحر الهائجة التي لا توقفها صخرة ولا يعوقها حاجز. رأيتهم ينسلون كالعاصفة من مأرب، متجهين نحو فرضة نهم. شعرت بثقل الخطوات وهم يتقدّمون، الأرض تحتهم تهتز، والسماء من حولهم ترعد، كأن الطبيعة بأسرها قد وقفت تشهد لحظة الانتصار هذه.
وفي الأفق، كانت قوات الجوف تتحرك كأسرابٍ من الطيور الجارحة، تتجه في مسارين: أحدهما نحو صنعاء، والآخر نحو صعدة. الهواء كان ممتلئًا برائحة الحرية، تلك الرائحة التي تعلن قدوم يوم جديد، يوم يُنتزع فيه الحق من بين أنياب الظلم.
وفي البقع وميدي، تجمعت القوات وكأنها يدٌ واحدة، تتكاتف لتضييق الخناق على ميليشيا الحوثي في حجة، مثل قوسٍ يلتف ليصيب سهمه قلب العدو بدقة. وهنا كانت المقاومة الوطنية وأحرار تهامة يسيرون معًا، أعينهم تلمع بالأمل، وقلوبهم تهتف بـ”سهام الشرق” الثائرة لتحرير الساحل الغربي. كأنهم كواكب متلألئة، تُعيد للسماء بريقها بعد ليلٍ طويلٍ من الظلمة.
رأيت أبناء أبين ينطلقون من حصونهم، بدعم الجيش والمقاومة والحزام الأمني، متجهين نحو عقبة مكيراس والبيضاء، كما لو أنهم أسودٌ تقتحم أوكار العدو. وفي الضالع، كانت قوات العمالقة تسير بجانب أبنائها نحو دمت وإب، فيما كان أبناء الصبيحة يقفون درعًا منيعًا في وجه أي محاولة للحوثي، يدعمون درع الوطن في كرش والشريجة وحيفان. وها هم أبناء تعز، بأسلحتهم ومقاومتهم، ينطلقون نحو البرح والحوبان، كما لو أنهم يسابقون الريح لتحرير الأرض.
كانت القوات تتقدم من كل صوبٍ وحدب، درع شبوة يتجه نحو بيحان، لتطويق العدو كالشبكة التي لا مفر منها. لا ملاذ للحوثيين، فالأرض تضيق بهم، كأنها تصرخ بهم: “لن تهربوا من غضب الشعب!”
وفي تلك اللحظات، كنت أشعر بحرارة الاجتماعات التي سبقت هذا النصر. مجلس القيادة الرئاسي والحكومة، مجلس النواب، الجميع كانوا يجلسون تحت قبةٍ واحدة، يعلنون أن الخطر الأكبر هو الحوثي، وأنه لا سبيل سوى توحيد الصفوف. كأنها طبول الحرب تُقرع في قلبي، وأشعر أن كل كلمة تُقال في تلك الاجتماعات هي دعوة لثورة شاملة، ثورة تُعيد للشعب كرامته.
ومع بدء الهجوم العسكري، اشتعلت الحماسة في قلبي كما تشتعل النيران في غابةٍ جافة. الرئيس ألقى كلماته الملتهبة، كأنها شعلات تُضيء طريق الحرية. تحركت القوات، والشعب انتفض من الداخل، يُحاصر الحوثي من كل جانب. رأيتهم يسيرون بخطى واثقة، كالسيف الذي لا ينكسر، يحققون انتصاراتٍ ساحقة، والشعب في كل مكان ينتفض، يُمزق أغلاله.
في تلك اللحظة، أدرك الحوثي أن لا مهرب. حاول استنجاد حلفائه، لكن لا أحد استجاب لندائه. كان كالغريق الذي يحاول التمسك بأي شيء يطفو، لكن الأمواج أقوى منه. قواته تفرّ في كل اتجاه، وكأنها أوراق خريف تتطاير في الرياح العاتية. القوات تزحف نحو صنعاء كما ينغمس السكين في الزبدة، لا شيء يقف في وجهها. شعرت بدقات قلبي تتسارع، وكأنني أعيش تلك اللحظات بنفسي.
عبد الملك الحوثي يختبئ في كهفه، كأن الأرض قد ابتلعته. بينما القوات تدخل صنعاء، والناس يرحبون بها كأبطال عائدين من معركةٍ أسطورية. لوحات الحوثي التمجيدية تُحطم، وأصوات الناس تهتف: “النصر لنا، الحرية للوطن!”
لكن فجأة، استيقظت. كانت حرارة الشمس تحرق وجهي، وأنا مستلقٍ على سطح منزلي بسبب انقطاع التيار الكهربائي. شعرت بالخذلان، كان ذلك كله مجرد حلمٍ جميل. حلمٌ نسجته آمالي في التحرير والكرامة، لكنه لم يكن إلا صورةً عابرة من واقعٍ مُرّ ما زلت أعيشه. فالوطن لا يزال أسير الانقسامات، والحوثي يواصل انتهاكاته، والشعب يتألم. لكنني أدركت في تلك اللحظة أن أحلام النصر والحرية لا تتحقق بمجرد الأمل، بل تحتاج إلى إصرارٍ لا ينكسر، وعزيمةٍ لا تعرف اليأس. قد يكون الحلم بعيدًا، لكنه ليس مستحيلاً، وما دمنا نحمل هذا الإصرار في قلوبنا، فإن الحرية قادمة لا محالة. سأستمر في الحلم، وسأواصل العمل، حتى يصبح هذا الحلم حقيقة تلامس أرض الواقع.
-->