الدين .. والنظام الجمهوري

د. محمد شداد
الاربعاء ، ٢٩ مارس ٢٠٢٣ الساعة ٠٢:٣٦ مساءً

لطالما استُخدِمَ الدين للتشكيك بقيم الدولة اليمنية وجمهوريتها الوليدة بصور مختفة سبقت ثورة السادس والعشرين من سبتمبر ثم لحقتها رافقتها حتى يومنا هذا ولا زالت بمعولها تهدم وتحاول قلع الجمهورية غير أنه لم يعد بمقدور أحد اقتلاعها.. جذورها ترسخت ونشبت في مخيال معظم الأجيال وشربتها نشيداً ولواءً وعلم وقيم للحرية وللنظم العصرية المختلفة.. حاولت الامامة وأذنابها إبان ثورة 26 من سبتمبر بث شائعة أن الجمهورية هي عبارة عن"مرأة جيء بها لتحكم قبائل اليمن"! صدقتها القبائل وسرت في أوساطها استماتت مع الامامة، كانت عقولها مفرغة إلا من خرافات الإمامة التي احتلت عقولهم بفعل السنين والجهل الموثق بالظلم والفقر المؤسس على الإفقار وهدم مصادر دخل الفرد الاقتصادي كي يبقى كتفاً يحمل السلاح للقتال في سبيل اشباع بطنه الخاوية.. اعتركت القوى السياسية إبان ثورة السادس والعشرين من سبتمبر على اللون السياسي للجمهورية الوليدة، تحديداً في شمال الشمال ومركزها العاصمة صنعاء تصارعت حد الاقتتال الذي كانت ذروته أحاث اغسطس 68م لم تكن التجارب السياسية القومية واليسارية قد نضجت وترسخت أكدت شهاد الشهيد جار الله عمر ذلك في مذكراته وأنه لم يكن لهم الغطاء السياسي المحنك كي يقارع نخب القوى الدينية والقبيلة ، وجدت لها أساس في قلوب الناس بحكم تدين المجمع الفطري فهاجمت الثورة ولم تقبلها إلا على مضض وما ورد في بعض خطابات الداعية عبدالله احمد علي إلا بوحاً  كاشفاً لمعتقد أن الثورة جاهلية، والالتفاف حول الجمهورية كفراً وباطل يجب محاربته والانقلاب عليه..  والأصل عندهم هو نظام الخلافة أشاعه أصحاب التراث الديني المليء بالوضع والتحريف  أصبح  هو الوجه الآخر لدعوة الحق الإلهي وحكم الولاية استناداً إلى حديث "الإمامة في قريش" الذي شكك بعض المحدثين بعدم صلاحيته وقالوا بتعارضه مع حديث السمع والطاعة للوالي ولو كان "عبداً حبشياً كأن رأسه زبيبة"  ويفهم منه عدم جواز إمامة العبد، لا الحر وكامل الحرية وقال آخرون بأنه حديث ورد لمحاكات زمانه ومكانه ولا يتعداه إلى غيره وعلى رأسهم الشيخ المجدد عبدالفتاح مورو لاستحالة تطبيقة في عوالم الإسلام مختلفت الثقافات والألسُن والقوميات بل قد يكون مصدر هدمٍ للإسلام ذاته..

 لأنه يؤسس لعنصرية الحكم والصراع الذي ترفضه عقول العلم والمعرفة والحياة الديموقراطية المعاصرة والحكم القائم على مبادئ العدل المساوة بين الناس دون تمييز بينهم على أي أساس عرقي مذهبي أو جهوي واختيار الأكفأ قدرة ونزاهة وإخلاص لخدمة الشعوب والأوطان.. ولما لم تصح تلك الهجمة على الجمهورية ولم تفت في عضد الدولة تماهت تلك القوى مع توجه الدول ذات الحكم الفردي المطلق وأصبحت أداة لها لإفراغ الجمهورية من أهدافها ومحتواها اصطدمت بأول رئيس للجمهورية عبدالله السلال وعملت على إزالته في غفلة من القوى اليسارية والقومية التي كان يجب أن تلتف حوله وتحافظ عليه،  كي يكون لها سنداً وداعم لديمومة واستمرار الجمهورية واجتثاث بقايا الحكم الإمامي كلية وإخضاع القوى الأخرى للنظام الجمهوري كما فعلت كل الجمهوريات الوليدة في مصر والعراق مع نظمها الملكية وسوريا والجزائر والسودان وموريتانيا مع الاستعمار.. وثورة 14 من اكتوبر في جنوب اليمن ضد الاستعمار ونظم السلطنات والتي لم تدع للقوى الاستعمارية ونظم الحكم الملكية بقايا وجذور فترسخت ولم تعد من جديد كما حدث في شمال اليمن.. استخدام الدين كغطاء والمسيرة القرآنية كشعار والآل كواجهة لعودة نظام الإمامة الذي ثار عليه الشعب اليمني سببه الجهل والبرجماتية الذي لم تعمل على محوه الجمهورية كلية ولم ترسخ قيمها الوطنية بشكل مطلق دون تشوه وركزت على مناطق الثورة الجاهزة ولم تذهب إلى مناطق تجذر الفكر الإمامي في كثر من مناطق شمال الشمال الهادوية لتمحو آثار وبقايا الجهل والمذهبية والسلالية والجهوية راعني ما سمعته من طالب دكتوراة يوماً أتى إلى مكتبة الجامعة متأخراً لماذا تأخرت قال لأنه ظل ساهراً حتى الساعة الثانية بعد المنتصف كي يستمع لخطاب عبدالملك!! هذا الذي يفترض أنه في أعلى طبقة علمية مثقفة وأنه قد تجاوز الخرافة والخطاب الذي لا يخدم سوى الوطن والانسان، غير أنه ملغوماً وغير من أمثاله كُثُر... دل ذلك على أن خرافة الجمهورية امرأة جاءت لتحكم القبائل لازالت مؤثرة ولازل للخرافة مكان لم تملأه خطابات الجمهورية ولم يخلص له حكام النظام الجمهوري العادل الصريح سوى الحمدي الذي اغتيل بسبب مشروعه الوطني الجمهوري وبناء دولة بشهادة عبدالله الأحمر في مذكراته ولولاه اي الاحمر لما وقعت  بسببه اليمن في ورطتها  ولما حدثت كل هذه الكوارث وللحديث في ذلك بقية..

الحجر الصحفي في زمن الحوثي