اليمن في عودة العلاقة السعودية-الايرانية"!

د. علي العسلي
الجمعة ، ١٠ مارس ٢٠٢٣ الساعة ٠٩:٢٤ مساءً

‏لا شك أنه من حق (السعودية) إعادة علاقتها مع ايران؛ من دون أن نذكرها بأن هذا المحور لا يفي بتعهداته، فهي تعلمه وتعيه؛ ومن حقنا نحن  الاستمرار في وصف ايران بالمد الفارسي "التصديري"، للثورة الخمينية  الاسلامية- ادعاءً- في منطقتنا، وبلداننا العربية؛ ولحين  توقفها عن تدخلها باليمن سنظل نحفر ونبين مشاريعها الاستعمارية التوسيعية المؤدلجة،  إلى أن تكفر عن سيئاتها في دعم شيعة الشوارع (الحوثيون)، والمساهمة في اخراجهم من العاصمة صنعاء والعودة بهم لكهوفهم، وتسليم السلاح والمؤسسات، في ذلكم الوقت سنقول أن ايران تعلمت من الدروس، وآمنت بعروبة الخليج والمنطقة، وأيقنت أن  أمنهم يعنيها،  وأن عليها التعايش معهم وفق مشروعهم القومي العربي، إذ ينبغي أن يحترم،  كما لها مشروعها الفارسي الذي يحترم بقدر بعده عن سياسة التوسع  وتصدير الثورة وفرض الافكار بالقوة، وعندما لا يكون مصدراً للفوضى والاخلال بأمن الدول؛، لنتعايش معها كجيران نحترم وإياها حق الجوار!؛ في حالة إن رأينا حالة الاستقرار والازدهار والأمن في اليمن والمنطقة كلها، قلنا، ايران دولة جارة لا تصدر العنف والارهاب، وتغيير الافكار بالقوة!؛ على ايران أن تَصدق وتلتزم بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول ، كما جاء في البيان الثلاثي السعودي- الايراني- الصيني.. هذا الأمر جد عاجل أولاً!؛  أما ثانياً؛ أين اليمن من إعادة العلاقة بين ايران والسعودية؟!؛  لاشك أن الوساطة العراقية والعمانية قد مهدت للمنجز التاريخي الذي أعلن اليوم من بكين عاصمة الدولة العظمى، جمهورية الصين الشعبية.. ولكي نعرف موقع اليمن والسلطة الشرعية والانقلاب من اعادة العلاقة السعودية-الايرانية، علينا أن نتعرف على  سعي المملكة الدائم وبمختلف المراحل،  لإيجاد طريقاً سلمياً لا نهاء الازمة اليمنية بشكل سياسي، وحل عادل وشامل، وفق المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية، وقد رعت عدة اجتماعات، وأقامت عدة مشاورات ومفاوضات، علّها تجد سبيلاً لذلك؛ فرعت مؤتمر الرياض الأول والثاني، واتفاق الرياض بين مكونات الشرعية والانتقالي، والمشاورات اليمنية الأولى، واستمرار دعمها للشعب اليمني من خلال مركز الملك سلمان، وبرامج الاستجابة الانسانية واعادة الاعمار، وتدرجت في اعادة الأمل بعد عاصفة الحزم، إلا لتؤكد على اهتمامها في اليمن وتوظيف علاقاتها الاقليمية والدولية  لإنهاء الانقلاب واستعادة الدولة والسلطة الشرعية إلى العاصمة صنعاء، كذلك انخراطها في تفاوض مباشر وغير مباشر مع الحوثي في ظهران الجنوب، وفي عُمان من خلال الوساطة العمانية، وعندما تعنت وعاند الحوثيين اتجهت بما تمتلك من اوراق دبلوماسية نافذة صوب بغداد وخاضت مفاوضات خمسة مع الجانب الايراني بعد تشخيصها الدقيق من أن المسألة اليمنية هي مفتعلة من أذرع ايران، ولا تنحل إلا في طهران، من أجل هذا نرى اليوم هذا التقارب والانفراج  بعد المؤشرات الايجابية في المفاوضات التي ترعاها الأمم المتحدة بين اليمنين؛ فإن إعادة  العلاقة قد يجعل ايران تضغط على الحوثي لقبول السلام والانخراط فيه كمكون، لا كسلطة وحاكم ومهيمن، واعتقد أن إعادة العلاقة بين الرياض وطهران اختبار ومحك حقيقي لحل المشكلة اليمنية كبادرة حسن النية بين البلدين؛ فهل بعد التقارب الايراني السعودي سيجنح الحوثيون للسلام؟!؛وبالتالي سينهون اغتصابهم للعاصمة صنعاء!؛،وستنهي ايران كذلك من مدّ الحوثي بالأسلحة التي تقتل اليمنين..  ثالثاً؛ اسمحوا لي بإعطائكم تحليلي الشخصي  للبيان الثلاثي اليوم في بكين.. لو قرأنا من خلاله التقارب بين طهران والرياض بقراءة دقيقة وموضوعية، لوجدنا أن القصة تتجاوز الحالة اليمنية، فهي تشير لصراع بين دول عظمى، واستقلال القرار السياسي للمملكة؛ فالصراع واضح بين امريكا والصين؛ أو لنقول صراع تنافسي، صراع بين  دولة تركت الشرق الاوسط وسحبت قواتها منها أو في طريقها لفعل ذلك، هذه الدولة هي امريكا العظمى التي أرادت أن تضعف المملكة في تدخلها في اليمن ومنعت عليها التسليح وقيدتها من الحسم؛ وبين دولة تريد أن تحل محلها بعلاقاتها الطيبة مع كل دول المنطقة، وهي الصين؛ فالبيان يؤكد هذا الشيء، وبدونه كان   المفروض أن الوساطة تنتهي عند تقريب الطرفين والاعلان عن عودة العلاقة والسفراء لكن البيان تجاوز ذلك باشراك الصين فيه كقوة عظمى ستأتي للمنطقة بإذن أهلها نظراً لأن الحليف التاريخي يتعامل معها بوجهين وبسياستين،  وكذلك ظهور الصين في البيان كضامن بمعنى أن الثقة لاتزال ضعيفة بين الطرفين، واحياء اتفاقية أمنية قبل عقدين من الزمن ليدل على أن القضايا التي احتوتها  لا تزال حاضرة، ومن أن الاشارة إلى تفعيل اتفاقية التعاون الأمني الموقعة بينهما عام 2001، يدل على عمق الهوة بين الطرفين وعدم التنفيذ لما يتفق عليه من قبل ايران، بل نفذت المحاذير والهواجس الأمنية عند السعودية  على الواقع في المنطقة، لكن المتفق عليه في هذا البيان، هو ادخال الصين كشاهد وضامن للمستقبل؛ ومن خلال الاعلان في البيان المشترك يمكننا أن نستنتج أن الملف اليمني قد طبخ حل له، وما هي إلا مسألة وقت لإعلانه، كما أعلن هذا التقارب الايراني-السعودي، ومنه نستنتج ايضاً أن الحوثين لن يمانعوا بعد عودة العلاقة السعودية-الايرانية، من الحضور  للرياض،  والجلوس مع الشرعية وقبول اتفاق ثالث ترعاه الرياض بين اليمنين، ومنه يتببن أن ايران  متدخلة من رأسها لأخماس رجلها في الشأن اليمني، ومن أن الحوثين ذراعها في اليمن،  وينبغي أن تتوقف مغالطاتهم من أنهم يمثلون الارادة اليمنية،  ومن أنهم وطنيون وغيرهم عملاء تابعون، ومن أنهم يحرصون على السيادة والاستقلال!؛ ولا شك أن الهدن التي اعلنت كانت بمثابة  ابداء حسن نية من قبل المملكة والتحالف في توقيف الطلعات الجوية واستهداف الحوثين،  وقد أوفت المملكة بذلك!؛ غير أن امريكا لا تزال هي المتدخل الآن باليمن من خلال استهدافها لما يسمى بالقاعدة، وتحركها الاخير في المهرة وحضرموت وزيارة قيادات كبرى للمحافظتين أو من خلال توقيفها ومصادرتها للسفن التي تحمل اسلحة للحوثي، ولديها مبعوث خاص الى اليمن،  وبدأ الحوثيون  يلوحون ويشيرون الى تحركات امريكا في المهرة على انها مريبة؛ فقد تحسب ايران والحوثة تصرفات امريكا بأنه تبادل ادوار  بينها وبين المملكة؛ فلا يروق لإيران واذرعها ذلك، مما قد ينعكس على تدهور في العلاقات من جديد؛  لكن في المجمل إن البيان الثلاثي المشترك صداه الحقيقي في واشنطن،  فنتيجة الخذلان للمملكة، وممارسة الابتزاز، وتوقيف التسليح،  لا بل والاعلان عن ترك الشرق الأوسط والاتجاه نحو العدو المتربص الصين، قد يجعل إن لم تتدارك امريكا الموقف وتنتصر للمملكة في اليمن على الحوثي، فقد تحل الصين محلها في المملكة وفي كل المنطقة!؛  الرسالة السعودية للبيت الابيض والتي اعلنت اليوم من عاصمة الصين سيجعل امريكا، تعيد الحسابات وتعود لأحضان المملكة هذه المرّة، وستنفذ لها كل طلباتها، وأهم ذلك هزيمة الحوثي باليمن، فالرسالة قوية ولا شك أنها وصلت للساسة الامريكان، ولن يفرطوا بالمملكة،  والمملكة يقيناً لن تتخلى عن اليمن!؟ أما التوقيت فلربما أن امريكا قد قررت هي والكيان الصهيوني ضرب ايران وتحميل المملكة التبعات والفواتير، ففاجأتهم بهذا البيان ليعيدوا الحساب والتقييم!  في كل الأحوال عودة العلاقة بين ايران والمملكة إن لم يكن لصالح الجمهورية اليمنية وسلطتها الشرعية، فبالتأكيد ليس على حسابهما!!

الحجر الصحفي في زمن الحوثي