لا نعطي الدّنيّة في ديننا

تيسير السامعي
الجمعة ، ١٠ مارس ٢٠٢٣ الساعة ٠١:٢٠ مساءً

في السنة السادسة للهجرة، عقد الرسول -صلى الله عليه وسلم- مع كفار قريش صُلح الحديبية. في هذا الصلح، قدّم عليه الصلاة والسلام تنازلات كبيرة، لدرجة أنه أمر كاتب الصّلح علي بن أبي طالب بمسح عبارة "بسم الله الرحمن الرحيم", واستبدالها بعبارة كانت تقال في الجاهلية "باسمك اللّهم"، ومسح عبارة محمد رسول الله واستبدالها بعبارة محمد بن عبدالله.  لم يقف الأمر عند هذا الحد، فكل بُنود الصّلح كانت مجحفة بحق المسلمين، لكن رسول الله -صلى عليه وسلم- قبلها من أجل إحلال السلام وتحقيق الأمن وحقن الدّماء. جميع كُتّاب السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي والمناهج الدراسية يتحدثون عن قصة الصّلح بكل تفاصليه, لكن الكثير من المسلمين لا يتذكرون منها الا مقولة عُمر بن الخطاب -رضى الله عنه- "كيف نعطي الدّنيّة في ديننا"، وكل ما عمله الرسول -صلى عليه وسلم- لم يعد يُعتبر به، إلا من رحم الله، رغم أن الله وصف هذا الصّلح ب"الفتح المبين". فبعض الجماعات -التي تزعم أنها إسلامية وتسير علي هدي محمد بن عبدالله- ترفض الصّلح والتعايش والحوار مع الآخر المخالف لها تحت ذريعة "لا نعطي الدّنيّة في ديننا". وكثير  من الشباب المتدينين ذهبوا  في طريق التطرّف والتشدد والعنف أحيانا تحت شعار "لا نعطي الدّنية في ديننا". وبعض الدّعاة والعاملين في الحقل الإسلامي اختاروا طريق المواجهة مع الأنظمة، وكان يمكن التصالح معها بحجة "لا نعطي الدنية في ديننا". عمر بن الخطاب -رضى الله عنه- قال هذه العبارة بعد التوقيع على الصّلح، لأنه رأى فيه إجحافا في حق المسلمين، لكنه التزم به بعد أن قال له أبوبكر الصديق -رضي الله عنه- "إنه رسول الله، إلزم غرسه". اليوم، المسلمون لماذا يخالفون غرس رسولهم، الذي جاء من أجل السلام والتعايش والمحبة، ويرفضون التصالح بين بعضهم البعض، فضلا عن تصالحهم  مع غيرهم، بحجة "لا نعطي الدنية ديننا". لقد قدّم عليه الصلاة والسلام تنازلات كبيرة من أجل الصّلح مع من حاربوه وطاردوه وأخرجوه من بلاده وعذبوا أصحابه، وكانت نتيجة هذه التنازلات أنه بعد عامين فقط دخل مكة فاتحاً، وقال لكل أولئك الذين حاربوه واخرجوه: "اذهبوا فأنتم الطلقاء".

 

الحجر الصحفي في زمن الحوثي