أيَعْقِل "الحوثي" ليستثمر الفرصة الممنوحة له؟!

د. علي العسلي
الاربعاء ، ٢٥ يناير ٢٠٢٣ الساعة ٠٩:٤٤ مساءً

تتوالى الفرص للحوثي ولا يستفيد منها؛ يغامر ويكابر، وبمغامراته وبمكابراته الدائمة والمستمرة يتضرر اليمن أرضاً وإنساناً، وتصاب وحدة اليمن بالخدوش، والنسيج المجتمعي بالجروح، وتتأثر عقيدة عوام اليمنين بالتشوّه بأكسائها وإلباسها  شعوذيات وخزعبلات ومعتقدات عنصرية سلالية ليست من الدين ابداً!  ولقد كانت الفرصة الأولى؛  للحوثي في مؤتمر الحوار الوطني الشامل، حيث مُثِّل بأكبر مما يستحق، ومرّر قضية صعدة ونال ما يبتغيه؛ لكنه انقلب على مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل وعلى كل المنظومة السياسية في اليمن في ذلكم اليوم المشئوم في الواحد والعشرين من سبتمبر 2014، ولم يكتفى بالانقلاب، بل شنّ بعده، حرباً ظالمة وعبثية على الشعب اليمني لا تزال رحاها مستمرة حتى يومنا هذا!؛ والفرصة الثانية؛ كانت في الكويت عندما كان اليمنيون قاب قوسين أو أدنى من إنجاز اتفاق تاريخي يصون الوطن، ويحفظ الأرواح، ويأتي بالتوزيع العادل للثروة والسلطة على كل أقاليمه وفئاته!؛ وكان الحوثي شريكا فيه كمكون لا كـــ "سيد"  أو مسيطر، ذلكم الاتفاق أتاح إشراك الحوثي في النظام السياسي رغم انه ميليشيات مسلحة، ولم يكن حزباً سياسيا يمنياً على امتداد الأرض اليمنية كما ينص قانون الأحزاب في اليمن!؛ لكنه في الدقيقة الأخيرة رفض واستمر في عدوانه، وأسرف في ولائه لإيران، وجاهر بتبنيه لمشروع إيران الفارسي الممثل بتصدير الثورة الخمينية في المنطقة ولو بالقوة!؛ مما تسبب في ظهور تشكيلات "موازية" له؛ قد يكون كل واحد منها مساوياً له في المقدار ومضاداً له في الاتجاه- أعني حراس الجمهورية(المقاومة الوطنية)، والمجلس الانتقالي، هذين المكونين أصبحا جزءًا من الشرعية عقب مشاورات الرياض اليمنية، والتي تخلّف عنها الحوثي كعادته!؛  أما الفرصة الثالثة؛ فكانت تلك المبادرات وتقديم الحلول بشكل مستمر من قبل المملكة العربية السعودية، أخرها  المشاورات اليمنية في الرياض العام الماضي  وكان الحوثي مدعواً  فيها!؛ حيث دعت حكومة المملكة مشكورة هي، والأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي كافة الأطراف والمكونات والشخصيات والوجاهات الاجتماعية للرياض للتشاور اليمني البيني ؛ من أجل إخراج اليمن من أزمته المستفحلة؛  وأظن أن الحوثين كانوا قد أعطوا  إشارة الموافقة للاشتراك فيها، وهو ما شجع المملكة في الاعداد والتحضير وصياغة ذلكم الإعلان الذي بموجبه تشكل مجلس القيادة الرئاسي، لكن الحوثيين كعادتهم في الدقيقة الأخيرة انسحبوا واستمروا في غيهم وصلفهم!؛  نأتي إلي الفرصة المتاحة حالياً؛  والممنوحة  للحوثة من قبل المملكة التي فتحت خطاً ساخنا بينها وبينهم، ليس لتمكينه كما يذهب البعض بأن المملكة قد تخلت على حلفائها اليمنيين، بل لعلّ وعسى يقبل الحوثي أن يحضر مع باقي المكونات للاتفاق على مستقبل اليمن ونظامه واقاليمه، وفق ما جاء في مؤتمر الحوار الوطني ومن قبله المبادرة الخليجية ومن بعده قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، خصوصا القرار ٢٢١٦،وإعلان نقل السلطة للرئيس هادي عقب المشاورات اليمنية؛ وتلكم هي المرجعيات للحل في اليمن، ولا غنى عنها ابداً في أي تسوية سياسية في اليمن، وعلى أن يذهب الجميع بعد ذلك، لانتخابات مبكرة!؛ وقبل التفاوض والتشاور في التسوية النهائية؛ ينبغي على الحوثي أن ينفذ اتفاق ستوكهولم فيما يخص توريد العائدات من موانئ الحديدة بحيث تدفع جميع رواتب الموظفين المستحقة منذ ٢٠١٥ ولغاية اليوم؛ ووفقا لأسعار الدولار عقب الانقلاب مباشرة.. وعليه أن يفتح الطرق ويفك الحصار عن تعز بحسب اتفاق الهدنة وتمديداتها!؛ أيها الحوثي المتكبر.. فلربما هذه الفرصة قد لا تتكرر مستقبلاً!؛ فأغنمها ولاستثمرها!؛ وينبغي كذلك قبل الذهاب مع الحوثي لتسوية؛ عليه أولاً وقبل كل شيء أن يتخلى عن إيران ونظامه وتصدير الثورة الإسلامية، وعليه أن يستجيب لتسليم الأسلحة والمؤسسات لحكومة وطنية انتقالية، وعليه أن يعيد كل ما نهبه من ثروات واموال وتراث، وعليه أن يجعل الأمم المتحدة تصون وتعالج  خزان صافر أو لنقل النفط الذي فيه إلى مكان آمن أو لبيعه لصالح رواتب الموظفين، وعليه ان يطلق المخفيين والمختطفين وفقا لاتفاق ستوكهولم "الكل مقابل الكل" ،  وعليه أن يقبل أن يكون حزباً سياسياً حتى يتم اشتراكه في الحكم لا تسليمه اليمن ليحكمها بالقوة!؛ ثم عليه وهذا الأهم أن يقبل بالجلوس مع المكونات اليمنية لا القفز أو التعالي عليها، أو تصدير المشكلة ويقوم بتضخيمها، وكأنها بينه وبين المملكة العربية السعودية قفزاً على الواقع؛ وعليه أن يوافق على أن يجنب البنك المركزي والسياسة المالية والنقدية الصراع، وأن يقبل  بتحييد الوظيفة العامة عن  الصراع القائم أيضاً! إن كل الترويج الحوثي القائم وبلغة المنتصر هو الكذب وللتضليل ليس إلا!؛  ومعلوم أن عموم اليمنين يعلمون أن تركيز الحوثي فقط على كم أموال سيحصل مقابل جنوحه للسلام.. فهو يفاوض في  المفاوضات الجارية بغرض الحصول على أموال وليس بغرض انهاء الانقلاب والقبول بتسوية سياسية.. لذلك إن كان هناك من يعقل ويسمع من الحوثي؛ فنقول لهم لتعلموا علم اليقين أن ما أوردناه هو السقف الواجب للولوج لحوار قد يفضي لحل سياسي!؛ وإذ ما قام الحوثي بتنفيذ ما ذكر سابقاً، فإن ذلك سيدّل على حسن نواياهم، وإن لم ينفذوا  فلا داعي للتعب في الجري وراء سراب أو للمحاولة لجلبهم إلى لسلام، أو إلى  مفاوضات عبثية كحربهم العبثية، والفرصة اعتقد. انها لا تزال متاحة أمامهم فلا يفرطوا بها، وأظن لن تبقى متاحة على طول الخط، عليهم الانخراط الآن مع أبناء جلدتهم في حوار معمق ترعاه السعودية والإمارات وقطر وعمان، وتباركه وتدعمه الدول الغربية، وعليهم إن كانوا جادين ترك إيران، فمشاكلها مع العالم الغربي والعربي كثيرة بملفها النووي وتدخلها في أوكرانيا وفي المنطقة، وفي قمعها لشعبها؛ وعلى الحوثيين أيضا أن يعففوا ويستحوا باستمرارهم  بتخدير وتضليل الناس بانتصارات اعلامية وهمية لا أصل لها على  المملكة العربية السعودية، فالمملكة تشق طريقها بدرجة مائة وثمانين درجة لتكون في ٢٠٣٠، الأفضل والأنظف، والاقتصاد الاقوى في مصفوفة العالم المتقدم. وفي إحداث تنمية شاملة نظيفة، وفي تطور سيذهل العالم في شتى المجالات.. فلا تضعوا رؤوسكم برأسها يا حوثة لكنكم اصلا انتم تقودوا اليمن واليمنيين للوراء لعقود من الزمن، وليس للأمام كما تعمل المملكة !

الحجر الصحفي في زمن الحوثي