طموح "القِلة المُشاغبة" لإعادة تشكيل المنطقة

موسى المقطري
الأحد ، ١١ ديسمبر ٢٠٢٢ الساعة ٠٧:٥٠ مساءً

من خلال استقراء الواقع السياسي في المنطقة  وعلى الأخص في الجزيرة العربية يمكن بسهولة الوصول لحقيقة مهمة مفادها وجود أيدي خبيثة تتحرك لإعادة تشكيل المنطقة وفق أهواء وأجندة جديدة تتكئ على معتقدات وافكار قديمة ، ويبدو أنه ليس سبقاً إن قلنا أن هذه الأيدي هي إيرانية بامتياز  مهملين المسميات التي تحاول ورائها إخفاء وجهها الحقيقي.

مصطلح "القِلة المُشاغبة" ينطبق حرفياً على إيران باعتبار أن كل تحركاتها تصب في سبيل احداث تغيير وفق وجهة نظرها وقناعاتها ، وتبعاً لهذه القناعات عملت منذ عقود لصناعة أذرع تتبعها ، وعبر هذه الأذرع تسعى لفرض واقع أخر جديد في المنطقة ، رغم أنها لا تمتلك أي من أوجه الحق في ذلك لا جيوسياسياً ولا ديموغرافيا .

وعودة لنشأة هذه المطامع فمنذ قيام الثورة الإيرانية في 1979م ظهر في أدبياتها مصطلح "تصدير الثورة" وكما يبدو هذا المصطلح أنيقا إلا أنه في الحقيقة يتكئ على رغبة جامحة في السيطرة والنفوذ والتحكم بالمنطقة ، وينم عن نرجسية عميقة كانت تسيطر على الخميني ورفاقة ، إذ يرى هؤلاء أن نموذج الثورة الإيرانية هو الانسب لتصديره إلى بقية الشعوب ، وعلى ضوء هذه القناعات عملت ايران على بناء أذرع في المنطقة تستطيع بواسطتها تحقيق هذا الحلم ، ولم تعد هذه الأذرع مخفية بل صارت تجاهر بارتباطها بإيران وتقديس تجربتها الثورية ، مع أن الشعب الإيراني ذاته قد تحول من الى مربع التشكيك بهذه المفاهيم والتمرد عليها .

من زاوية عقائدية ينتهج النظام الحاكم في إيران مذهب "الشيعة الاثنا عشرية" ويعتبرون أنفسهم أهل الإمامة والعصمة ووفقاً لعقيدتهم فإن مخالفيهم ليس لهم الحق لا في إدارة شؤون بلدانهم ، ولا في ممارسة عقائدهم ، لكن مبدأ "التقية" الذي يعد احد أركان هذه العقيدة يحتم عليهم عدم الإفصاح عن طموحاتهم هذه ، ولاجل ذلك يظهرون تحت لافتات أخرى يستطيعون عبرها تحقيق مأربهم وبعناوين وأسماء بديلة.

منذ سنوات تسعى إيران لفرض واقع جديد تسعى فيه لتصبح هي الحاكمة والممثلة للشعوب ، وبالتالي تصبح المنطقة بما تحويه من موارد بشرية ونفطية ومواقع إستراتيجية براً وبحراً تحت تصرف الدولة الإيرانية، ومن ثم استغلال هذه الثروات والامكانات لذاتها ، ولمن يعمل تحت إمرتها ، ثم التأثير في القرارات الدولية والإقليمية لصالح خدمة مشروع إيراني طويل الأمد يسعى في مجمله للنفوذ والسيطرة ونهب الثروات وإسكات المخالفين ، وهذا الطموح الإيراني  لإعادة تشكيل المنطقة وفقا لمصالح القِلة لم يعد خافياً اليوم . 

في سوريا والعراق ولبنان واليمن والبحرين صارت الجهود الإيرانية لبسط النفوذ جلية ، وبصور واشكال مختلفة من دولة لأخرى ، لكن كلها تتم عبر جماعات دعمتها الدولة الإيرانية ، فأصبحت تدين بالولاء المطلق لملالي إيران ومراجع قُم ، ويتفاوت مستوى النفوذ الذي تمكنت منه هذه الجماعات إلا أن ما يجمعها كلها هو أنها مليشيات مسلحة تمتهن القتل والاختطاف والتفجير والتنكيل بمعارضيها -ناهيك عمن يهادنها مادام من خارج دائرتها الضيقة- سواءً بالاعتقاد أو التوجه السياسي ، وهو منهج ايراني بامتياز .

في اليمن جاء الحوثيون من رحم الزيدية المعتدلة ، لكن إيران تمكنت من سحبهم لمربع "الاثنى عشرية" ومع أنهم لايعلنون ذلك التزاماً بمبدأ "التقية" التي يعد ركناً أساسياً في معتقدهم ، لكن كل الأنشطة المعلنة وغير المعلنة للحوثيين أضحت تؤكد أنهم اليد الإيرانية لتحقيق طموحات الملالي في السيطرة على بلد يمتلك مقومات عديدة بإمكانها التأثير في القرارات الإقليمية والدولية ليس أقلها الموقع الاستراتيجي والثروات الطبيعية والموارد البشرية .

في المحصلة استطاعت إيران إرباك المنطقة ونشر الفوضى فيها لكن إدراك الإقليم والمحيط العربي ككل لهذه الرغبة سيكون هو الصخرة الصلبة التي ستتحطم عليها هذه المطامع ، وقد كان اطلاق التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن أحد مظاهر إدراك هذا الخطر ، إضافة  الجهود الدولية والإقليمية والمحلية لتوصيف الحوثيين كجماعة ارهابية وما يستلزمه هذا التوصيف 

على المستوى الدولي تستطيع دول المنطقة بما تملكه من تأثير في قرارات الدول الكبرى والمنظمة الدولية أن تسد الطريق أمام الطموح الإيراني في إرباك المشهد ، وأجزم أن الدول الكبرى لو اضطرت أن تضحي بطرف في هذا الصراع فسيكون الطرف الإيراني بالتأكيد ، فالذي يسود العلاقات بين الدول هي مصالح شعوبها ، ولن تجد دول العالم وخاصة الكبرى منها لدى الإيرانيين افضل مما تجده لدى دول المنطقة.

دمتم سالمين ..

الحجر الصحفي في زمن الحوثي