حديث عن وهم الخصوصية الرقمية والابتزاز الإلكتروني

موسى المقطري
الجمعة ، ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٢ الساعة ٠٣:٥٧ مساءً

مع ازدياد ارتباطنا بعالم الانترنت تبرز إلى الواجهة قضايا ملحة توجب علينا إدراك أبعادها ومدى تاثيرها سلباً أو إيجاباً على تواجدنا ونشاطنا اليومي على الشبكة العنكبوتية، وعلى رأس هذه القضايا مدى الخصوصية التي يتمتع بها من يستخدم أي برامج أو تطبيقات يتطلب عملها توفر خدمة الانترنت ، ومع تزايد عمليات تهكير الأنظمة الرقمية والتلاعب بها برز إلى السطح خلال السنوات الأخيرة الحديث عن (الأمن السيبراني Cyber security) كأحد متطلبات العصر للدول والشركات العابرة للقارات والبنوك الكبرى والمؤسسات الدولية التي تعتمد على الأنظمة الرقمية ، وتحدّث العالم عن الحرب السيبرانية كأخر أسلوب حربي ظهر حديثاً.

الحقيقة الصادمة التي نجهلها أو نتجاهلها أحياناً أن الخصوصية في العالم الرقمي مجرد وهم غير موجود ، ومادام لديك جهاز كمبيوتر أو جوال ذكي مرتبط بشبكة الانترنت فانت لست في مأمن بالمطلق ، ودائماً ما نطالع في الاخبار اكتشاف ما يسمي (الثغرات الأمنية vulnerabilities) في تطبيقات وبرامج نعتبرها ذات موثوقية، وعبر هذه الثغرات يتمكن "الهاكر"  من الولوج إلى أجهزتنا الخاصة، والتحكم أو سحب محتوياتها مخترقاً كل وسائل الحماية التي نوهم أنفسنا بالثقة بها .

وحتى لا نكون غير واقعيين ومع طبيعة الحياة اليوم فإننا لا ننادي بقطع علاقتنا بالانترنت، لكننا ننادي بتجنب الوقوع في وهم أننا محميون بمجرد ان لدينا كلمة سر قوية ! او مكافح ذا اسم رنان ، فنخزّن في اجهزة الكمبيوتر أو الجوالات المرتبطة بشبكة الانترنت كل خصوصيتنا آمنين مطمئنين، فنصبح ضحايا لعمليات تهكير قذرة تجعلنا عرضة لعمليات الابتزاز الالكتروني (Electronic blackmail) ، ومتى ما اصبحت اجهزتنا لاتحتوى على خصوصياتنا سواء بيانات او صور او فديوهات فلن يجد المبتز مايتمناه .

وبحسب موسوعة wikipedia فـ "الابتزاز الإلكتروني عملية تهديد وترهيب للضحية بنشر صور أو مواد فيلمية أو تسريب معلومات سرية تخصه ، مقابل دفع مبالغ مالية أو استغلال الضحية للقيام بأعمال غير مشروعة لصالح المبتزين" وعادة ما يتم تصيد الضحايا عن طريق البريد الإلكتروني أو وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة (فيسبوك ، تويتر ، واتساب) وغيرها من وسائل التواصل الإجتماعي نظرًا لانتشارها الواسع ، واستخدامها الكبير من قبل جميع فئات المجتمع ، وتتزايد عمليات الابتزاز الإلكتروني في ظل تنامي عدد مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي والتسارع المشهود في أعداد برامج المحادثات المختلفة.

لا يستهدف الابتزاز الإلكتروني جنس بعينه لكن ولأسباب اجتماعية تُعد المرأة في بيئتنا أكثر الضحايا استهدافاً وتضرراً ، وسواء كان الابتزاز عن طريق الوصول الى خصوصيات الضحية بالاحتيال الالكتروني ، أو استخدام بيانات او صور تم ارسالها منه لاي سبب من الأسباب فكلا الأمرين جريمة ، والمبتز في كلا الحالتين مجرم قانونياً وأخلاقياً ، وهو بفعله هذا ينشر الخوف والرعب في اوساط المجتمع ، ويجب على الجميع افراداً واجهزة رسمية التكاتف لايقافه وتجريمه وتحميله عواقب أفعاله .

على المستوى الفردي لايجب التجاوب مع المبتز بأي حالٍ من الأحوال ، والأسرة هي الملاذ الأقوى وخط الدفاع الأول ، فهم من يهتمون لأمرك ، وسيكونون العون والسند ، داعمين وناصحين وساعين لاسقاط من يبتزك في شر أعماله ، وبهم وبدعمهم وتحركهم معك ستأخذ الأمور مجراها الصحيح ، والأجهزة الرسمية هي المقصد التالي ، وتحركها الحثيث في متابعة المبتز وضبطه دون تهاون ، ثم تطبيق القانون عليه وحماية المجتمع من شروره هو رسالتها ، فالمبتز يُجرم في حق المجتمع ككل وليس في حق الضحية فقط ، وهذا يستلزم الخروج من بوتقة تكييف قضايا الابتزاز بين طرفين يمكن ان تنتهي بالتصالح او سحب الشكاوى ، بل التعامل معها كجريمة عامة والحق بالمتابعة واحقاق القانون للمجتمع ككل والضحية دليل وشاهد على الجريمة ، ومعالجة قضايا الابتزاز على هذا النحو هو السبيل للحد من هذه الظاهرة الشنيعة .

وبالتزامن مع اللجوء للأسرة والجهات الرسمية لابد من التحلي بالثقة بالنفس وضبط الانفعالات ، والتفكير بروية بعيداً عن القلق والتوتر والاستعانة بالخبراء إن تطلب الأمر ، وقبل هذا وذاك الشعور بان الضحية هو صاحب الحق ، والمبتز هو المجرم  ، وصاحب الحق صوته هو الأعلى ، وموقفه هو الأقوى .

دمتم سالمين ..

الحجر الصحفي في زمن الحوثي