رحيل شمس القاهرة

عارف أبو حاتم
الثلاثاء ، ٢٥ اكتوبر ٢٠٢٢ الساعة ١٠:٥٧ مساءً

أ‏تدرون ‏من الراحل اليوم؟! انه شمس القاهرة ومنارتها وعلمها وضؤها، أنه أستاذ الأجيال ودليلهم المعرفي، أنه كتاب المعرفة ومنهج البحث العلمي، أنه محمود علم الدين. رحل عنا باكراً -والعمر لا يقاس بالسنوات- الأستاذ الدكتور محمود علم الدين أستاذ الصحافة في جامعة القاهرة لعقود طويلة، الرجل الذي أثقله العلم، وأحنى ظهره التواضع..  رحل أبو الشباب، وحبيب الطلاب، رحل دليل الباحثين، وملجأ التائهين، وضوء دروب السالكين، وسلم الصاعدين إلى أعالي المجد.. رحل ضوء العتمة، ويقين المؤمنين، وحصن المتنورين، رحل من كان أباً لكل الناس، رحل "أبوالغريب".. نعم كان أباً لكل غريب ومأوى لكل تائه.  كيف سأرى القاهرة بعدك، وقد صارت شمساً بلا ضوء، وخيمة بلا عمود.

كانت أول ‏معرفتي به في مطلع العام 2009 .. قلت له أنا عارف من اليمن، جئت ابحث عن مراجع من جامعتكم الموقرة، لأني أدرس الماجستير في جامعة صنعاء وهذا عنوان رسالتي وخطتي، أخذ خطة الرسالة، وكنت أظنه سيقرأ عنوانها ويردها، لكنه أعطاني أكثر من ساعتين في مكتبه في كلية الإعلام، جامعة القاهرة، عدّل العنوان والأهداف والمشكلة والفروض، وضع لي مشكاة في كل فقرة، اهتديت بها، حتى أكملت الرسالة. بعد سنوات ذهبت إلى مكتبه لأشكره وأقول له حصلت على الماجستير بامتياز. وفي مطلع العام 2018 ذهبت أسلم عليه وكان قد نسيني، فالأسماء والوجوه لا تنقطع عن مكتبه البسيط المتواضع، قلت له أنا عارف من اليمن أشكرك لأنك ساندتني في مرحلة الماجستير.. وسريعاً تذكرني، ثم قلت له الآن ادرس دكتوراة في تونس ومشرفي ‏"مؤطري" هو الدكتور الصادق الحمامي، ‏وما أن نطقت اسمه حتى قال لي بلهجته المحببة: الطويل أبو شعر أبيض، ده عالم في تخصصه، اصبر عليه، واستفيد منه، ده هيفيدك كتير… ثم أخذ يراجع معي ويرشدني ويدلني ويشجعني. وعندما حصلت على الدكتوراه بامتياز في ابريل الماضي اتصلت به أشكره، فوجدته فرحاً بها، كما يفرح الوالد بولده. ذات مرة قلت أعبر عن شكري له بهدية قيمة، لكني تفاجأت به يعتذر عن قبولها بإصرار عجيب، وكأنه لا يريد أن يأخذ من متاع الدنيا شيء، لا يريد غير الدعاء له، يريد أن يُخَلِدَ لنفسه الكلمة الطيبة والموقف الصادق، وقد أخذ ما تمنى وأراد. ومنارة علم مثل "محمود" لا يمكنه إلا أن يكون عريشة ياسمين، تترك زائرها بين أمرين أو كلاهما، ظلها البارد، ورائحتها الطيبة… مرت سويعات قليلة بعد إعلان غيابه في عالم الآخرة، حتى انسكب غيث الرحمات والتعازي والدموع من كل مكان، يبكون الأب قبل العَالِم، والصديق قبل المربي، ومثله حق للناس أن يحسدوه على حياته وموته، مثلما حسدوه على علمه ومكانته، ومحبته وتواضعه. ومثله أيضاً يغيب ولا يموت، فهو خالد بيننا بإرثه العظيم، كتباً ودراسات، ومواقف عظيمة يعرف التاريخ كيف يحفظها كما تعرف الخيل فارسها. اللهم ‏أغفر له وارحمه وعافه واعفو عنه وتقبله في عبادك الصالحين، واخلفه في أهله، وجعله من ورثة جنة النعيم والحقنا به الصالحين غير مفتونين. خالص العزاء والمواساة لأسرته الكريمة ولأصدقائه ومحبيه ولمصر الحبيبة حكومة وقيادة وشعباً.. وعظيم العزاء والموسىاة لقلبي الموجوع بك أستاذي الكبير القدير الجليل، رحمك الله وطيب ثراك.

#محمود_علم_الدين_في_ذمة_الله #رحيل_محمود_علم_الدين

الحجر الصحفي في زمن الحوثي