حقائق ومسؤوليات!

د. علي العسلي
الخميس ، ٠١ سبتمبر ٢٠٢٢ الساعة ٠٨:٤٥ مساءً

 أكثر من سبع سنوات واليمن ترضخ تحت انقلاب دموي سلالي مقيت؛ و يا للآسف استدعى تدخل الدول المجاورة استجابة لطلب القيادة الشرعية آنذاك؛ فجاءت (عملية عاصفة الحزم) بمباركة دولية، ثم (عملية إعادة الأمل)؛ فاتخذت قرارات دولية عديدة من ضمنها أن اليمن تحت البند السابع؛ فأوكلت المهمة للدول الرباعية (بريطانيا وامريكا والسعودية والإمارات)؛ وعليه فكل ما يعانيه اليمنيون من موت وقتل وتجويع وعدم عودة الدولة والشرعية وعدم انهاء الانقلاب تقع المسؤولية بدرجة أساس على تلك الدول الرباعية وعليهن القيام بما حددت من أهداف التدخل وإعادة الاعمار وتعويض الضحايا هذا أقل شيء!

إن أهم الحقائق التي ينبغي قولها الآن، أن التدخل الذي أتى للإعانة والمساعدة قد تحوّل إلى إضعاف الشرعية بطرق شتى؛ ابتداءً من القيام بتشكيلات عسكرية خارج الجيش الوطني وذات توجه انفصالي لا وحدوي أو ديني، إلى ضرب الجيش الوطني بالطيران في أكثر من مرة؛ إلى تسابق لتعزيز النفوذ على الأرض والجزر اليمنية. إن كل ما حصل في اليمن سلباً وايجاباً، لا شك أن لتلك الدول القسط الأكبر من المسؤولية؛ فبريطانيا هي صاحبة قلم مجلس الأمن بما يخص اليمن وكل القرارات الدولية المهمة تم صياغتها بقلمها وكل القرارات اتخذت وعطلت ولم ينفذ منها شيء، وامريكا ربما مارست البرجماتية في سياساتها وتعاملاتها مع الملف اليمني؛ بالبداية سلمت سفاراتها بكل مقتنياتها المتطورة للحوثين؛ ثم بعد أن استطاع الرئيس هادي الانفلات من قبضة الحوثي والخروج من صنعاء وحتى وصوله لأراضي المملكة؛ تبدلت مواقف أمريكا نظريا مع الشرعية ومع القرارات الدولية التي لم تنفذ؛ لكنها حافظت على تواصلها بشكل سري مع الحوثي أو عن طريق وسطاء كعُمان  وهكذا تبدلت وتغيرت مواقفها بحسب تغير الأمور على الارض، بل انها منعت دخول الجيش الوطني والتحالف وكانوا على مشارف العاصمة من الدخول إليها، وصحيح انها دعمت بالبداية المملكة في انشاء تحالف عربي لتحقيق إعادة الشرعية للعاصمة صنعاء وانهاء الانقلاب؛ ومع مرور السنين تراجعت فأوقفت دعمها اللوجستي للمملكة، ثم أوقفت بيع الأسلحة لها؛ ثم اتخذت قراراً بوقف الحرب عبر اتباع سياسة الهدن القائمة حاليا كمقدمة لتسوية سياسية وإيقاف نهائي للحرب ، الهدن من مهامها جلب الأطراف لطاولة المفاوضات ؛أي انها بالأخير وكأنها وسيط محايد بين الحوثين وايران من جهة، والشرعية والتحالف من جهة أخرى! وربما لو بحثنا أسباب تأخير الحسم باليمن لوجدنا أن أمريكا هي السبب الرئيس بعدم حسم الصراع وتأخيره كل هذه المدة، بدليل صحوة ضميرها المتأخر، برغبتها في انهاء الحرب بأي شكل ولمصلحة كائن من يكون!؛ حتى لو كانت لصالح الحوثي أو تقسيم اليمن على اساس الأمر الواقع الموجود على الارض اليوم؛ وإذا لا قدر الله حصل هذا!؛ فإن الرباعية هي السبب وتتحمل كافة المسؤولية لخروجها عن الاهداف المعلنة وعن نصوص القرارات الدولية؛ وعلى المملكة ألا تسمح بذلك أخلاقياً وقانوناً! 

اما الامارات فكانت الأشد إيلاماً على اليمنين؛ لكنهم يستحقون وينطبق عليهم قول المتنبي ((ومَن يَهُن يسهل الهوان عليه .... ما لجرحٍ بميتٍ إيلامًا)).. فقد قامت الامارات أمام ومرأى السعودية المؤسس للتحالف وباقي الدول الدولية بالإضعاف المستمر للشرعية، فقد أوجدت قنوات دعم لتشكيلات عسكرية خارج المؤسسة العسكرية، فترى الجندي في تشكيلاتها يستلم اضعاف الجنود في الجيش الوطني، بل ان الدفع منتظم بعكس الجيش الوطني، وحوافز لا تعد ولا تحصى، نعم! شكلت جيوشا خارج القانون ودعمت جهات عدة بعيدا عن قناة السلطة الشرعية وتمت السيطرة على الموانئ والمطارات وبعض الجزر وتتحكم بالقرار اليمني، لدرجة انها سعت لتحييد الرئيس هادي وتجميده بالرياض، وساهمت بشدة باستبداله؛ غير أنها لحد اللحظة لم تمكن البديل الآتي بموافقتها أو بعدم اعتراضها!؛ والحجة من كل فعلها أنها تحارب الإرهاب والإصلاح باعتباره فرع للإخوان المسلمين؛ وهذا غير صحيح؛ وحتى لو افترضنا أنه صحيحاً، فهي بمواقفها ليست ذات نزعة علمانية؛ إنما باليمن هي تدعم تشكيلات سلفية كونتها ودربتها وسلحتها، والمعلوم أن من بعض فصائل السلف تخلّقت القاعدة ومفرخاتها؛ فمالهم كيف يميزون! والعالم كيف لا يُبْصرون ويسمحون؟! 

أما السعودية فهي رأس الحربة للرباعية والتحالف العربي؛ ولها إيجابيات كثيرة من تدخلها في اليمن لا أحد يستطيع أن ينكرها، أقلها أنها منعت (سقوط البراميل المتفجرة) على رؤوس المواطنين اليمنين بتدخلها، تدخلها حيّد الطيران الحربي الذي قد كان قد استخدم قبيل تدخلها على قصف قصر المعاشيق باستهداف مباشر للرئيس هادي؛ والسعودية هي الدولة التي شكلت التحالف العربي وأطلقت عمليات عاصفة الحزم وإعادة الامل واليمن السعيد، وأعلنت عن اهداف من التدخل هو إعادة الرئيس هادي وشرعيته إلى العاصمة صنعاء وانهاء الانقلاب، غير أننا نقول وبالفم المليان ان ذلك بعد سبع سنوات لم يتحقق، ونسمع عن مشاريع بالضد من ذلك؛ فلتتحمل المملكة مسؤولية تدخلها وأهدافها المعلنة ولا تسمح أبداً بتمزيق اليمن مهما كانت الظروف؛ فذلك مقدمة لتمزيقها!

اليوم اليمن أصبحت في عيون الدول الكبرى، يتصارعون ويتنافسون ويتقاسمون على أساس مصالحهم!؛ يتصارعون عليه، لا لأجله؛ خصوصاً بعد الحرب الروسية على أوكرانيا؛ فقد قيل ان هناك قوات فرنسية باليمن وقوات بريطانية وامريكية كل همهم النفط والغاز للتعويض عن النقص الحاصل في أروبا؛ وروسيا ربما ادركت هذا، فسارعت لطلب السماح لها بفتح سفارتها من عدن لتكون الدولة الأولى في العالم تعمل هذا؛ ولو اعتمدنا على وكالة سبأ للأنباء فقد أكدت ذلك!!؛ فروسيا ترى اطماع الدول الغربية باليمن بتواجد قواتها بمناطق كانت تحت نفوذ الاتحاد السوفيتي؛ فقد تقرر أن تتقدم بخطوات الى الامام في القضية اليمنية، ولصالح اليمن كل اليمن؛ بموقف أكثر وضوحاً وشجاعة من كل الدول التي اعلنت انها مع الشرعية وهي لحد الآن لم تفتح سفاراتها بالعاصمة المؤقتة عدن؛ دول حاربت مع الشرعية شكلاً وعملياً مكنت وحمت المنقلبين الحوثين!؛ تحية لروسيا العظمى على موقفها غير المسبوق إن كانت قد اتخذته؛ وإن لم، نتمنى عليها وعلى باقي الدول اتخاذ مثل هذه الخطوة على الأقل لإحراج  مسؤولي الشرعية ان يثبتوا في اليمن مدد أطول !؛ إذ معيب أن يسبق السفراء إلى فتح سفاراتهم بعدن والعمل منها، والمسؤولين اليمنين لا يتواجدون بها؛ فقد حان فعلاً  وقت العمل من العاصمة عدن المؤقتة حفاظا على اليمن الواحد الموحد!؛ نخاطب المملكة بحق الإسلام وبحق الجيرة وبحق الوفاء بما تعهدت به قبيل انطلاق عاصفة الحزم؛ ألا تسمح لا لفرنسا ولا لأمريكا ولا لبريطانيا ولا للإمارات أن تعبث بالأرض اليمنية فكل ذلك يؤخذ عليها، وتتحمل هي مسؤوليته بُداً عن غيرها من الدول!

الحجر الصحفي في زمن الحوثي