قضايا وآراء ( ٥ - ابن عروس )

أشرف عقل
الاثنين ، ٢٥ يوليو ٢٠٢٢ الساعة ٠١:٠٥ مساءً

 

* مولده : 

- ولد أحمد بن عروس عام ١٧٨٠م فى قرية مزاتة مركز قوص بمحافظة قنا ، وهى التى اشتهرت منذ الفتح الإسلامى لمصر بأنها كانت محط الرحال للقبائل النازحة من شبه الجزيرة العربية ، وقد أدى هذا ، كما يقول عبدالستار سليم ، إلى ظهور أثر للهجات القبائل العربية جعل اللسان القنائى أقرب إلى اللغة العربية الأم ، ولهذا تأثر الشعر المحلى بالقصيدة العربية الوافدة التى كانت القافية سمة أساسية فيها ، فولد قالب شعرى شديد الالتصاق بها ، لكنه باللهجة العامية المحلية ، وهو فن الواو الذى اشتهرت به قنا دون غيرها .

- وفن الواو عبارة عن رباعية تتكون فى حقيقة الأمر ، وفقا لرأى إبراهيم أنيس ، من بيتين فقط من بحر " المجتث " ، وأجزائه " مستفعلن فاعلاتن " مرتين ، لكن الشطرتين الأولى والثانية تنتهيان بحرف واحد كأنه قافية تختلف مع قافية البيتين المشتركة ، فيبدو الأمر وكأنه رباعية ، حيث يقول ابن عروس مثلا :  ولا حد خالى من الهم 

حــتى قـــلــــوع المـــراكب

ماتقـــولشى للندل يا عــم 

وإن كان على الســرج راكب

- وكأن الشاعر لا يكتفى بإلقاء مربع واحد من مربعاته القصيرة على جمهوره ، لكنه كان يصمت برهة حتى يتأكد من استيعاب المتلقى للمربع ، ثم يواصل بادئا بعبارة " وقال الشاعر " ، ولهذا كثرت الواوات بين المربعات حتى أصبحت تسمى " فن الواو " .

- وإذا ذكر فن الواو ، فلابد من الحديث عن رائده أحمد بن عروس ، الذى يقول عنه ، أحمد سليمان حجاب ، إنه كان يستخلص قُوتَه بقُوَّتِه فى عصر مملوكى شحيح ، وكانت له عصابة من الفاتكين واللصوص لها سطوة عظيمة تخشاها الحكومة ذاتها ، وعندما أدركته الشيخوخة خاف أن يلقى ربه بذنوبه ، فأقلع عن الإجرام وتاب وانقطع للتأمل والعبادة ، وأخذ يسير فى الطرقات يلقى المواعظ بين الناس فى مربعات شعرية .

- ويمكننا أن نجد لدى ابن عروس نفسه مربعا يلخص رحلته من الإجرام إلى التوبة ، حيث يقول :

حرامى وعاصى وكداب 

عاجز هزيل المطايا

وتبــت ورجــعت للــبـاب 

هيا جــــزيل العطايا

- كما أننا قد نلمح أحيانا علامات الزهد على وجه الشيخ الذى أدركته الحكمة بعد زمن طويل كان يجمع فيه المال هو ورجاله بفرض الإتاوات على الضعفاء ، حيث يقول :

كسرة من الزاد تكفيك 

وتبقى نفســــك عــفيفه

والقــــبر بكره يطــويك

وتنام فى جار الخليفة

- على أننا لا نعدم لدى ابن عروس الزاهد مربعات تعلى من قيمة المال ودوره المهم فى تحقيق النفوذ ، حيث يقول مثلا :

الليل ما هـــواش قصير 

إلا عـلى اللى ينامه

والشــخص لو كان فقير 

ما حد يسمع كلامه

- وأحيانا يصل به الأمر إلى طلب المجاهرة بالعداء للخصم ، بدلا من التسامح معه ، حيث يقول :

اللى يداديك داديه 

واجـــعل عــيالك عـبيده

واللى يعاديك عـاديه 

روحك ماهياش فى إيده

- وهذا يدفع إلى تصديق الرواية الدنيوية لا الدينية التى ذكرها ، أحمد سليمان حجاب ، أيضا فى تفسير التحول الدرامى لشخصية ابن عروس من الإجرام والسطوة إلى الفلسفة الشعبية والحكمة ، وهى رواية تشرح فى الوقت نفسه أسباب تسميته بإبن عروس ، حيث يروى أنه لما بلغ ابن عروس الستين أحب فتاة دون الخامسة عشرة ، ولما كان أهلها يخشون سطوته وافقوا على زواجه منها ، لكن الفتاة هربت مع حبيبها قبيل الزفاف بساعات ، وانتشر الخبر بين الناس ، ودار صاحبنا فى البلاد بعد انكساره ينشد حكمة تجربته بصوت متهدج ، وصار اسمه ابن عروس لأن هذه العروس الهاربة هى التى أنجبته للحياة فى ثوبه الجديد ، ولعل المربع التالى يعبر عن هذه التجربة المريرة ، حيث يقول :

يا قلبى لاكويك بالنار 

وإن كنت عاشق لازيدك

يا قلبى حملتنى العار 

وتـــريد مـــــن لا يريدك

- كما أن هذا يفسر أيضا وجود كثير من المربعات التى هاجم فيها ابن عروس المرأة عموما هجوما شديدا ، حيث يقول :

كيد النسا يشـــبه الكى   من مكرهم عدت هارب

يتحزموا بالحنش حي 

ويتعصـــبوا بالعقـــارب

ويقول أيضا :

ما ينجـــدك غـــير دمك 

ولا ينفعـــك غــير مالك

واحلف يمين بعد أمك

حبيب من النسا ما بقالك

ويقول كذلك :

فيهــــم كمــــا هـــمة البين

 والبعل مســـكين قناها

وفيهـــم الدابـــة والتـــنين 

ورطة على اللى اشتراها

- ويلاحظ على مربعات ابن عروس ، أنها تكاد تترجم الأمثال الشعبية فى ثوب شعرى ، ولم لا ؟ وهذه الأمثال تعبر عن خلاصة الحكمة الشعبية التى يسعى لنشرها ، حيث يقول :

كل عيش بملحك وفجلك

وعيش عيشـــة جدودك

واتمـــد عــلى قد رجــلك 

بلاش تزيد عن حدودك

ويقول أيضا :

الندل له طعم مالح 

وله خصايل ذميمة

القرب منه فضـــايح 

والبعد عنه غـــنيمة

كما يقول :

والله ما هى بسعيك

ولا بكتر الخطـــــاوى

إلا إذا كان ســــعدك 

فى كل خطوة مساوى

- وقد تسبب ابن عروس بإبداعه المتميز فى شيوع فن الواو بصعيد مصر ، وخاصة بين أبناء محافظة قنا ، وصار له أبناء فى هذا الإبداع ساروا على دربه مثل : الشيخ أحمد محمد القوصى ، المولود بقنا عام ١٨٦٠م ، والذى يقول :

الناس للــكــف باسـطـين 

والكل عــــــــاوز نوالك

واللى خضع لك وباس طين

 للشـــــر هــــوه نوى لك

- ومثل : الشيخ حسن عبد الرحيم الفرشوطى المولود بقنا عام ١٨٧٣م ، والذى يقول :

ماله الهــوى زاد وَسْــمِى

 من حين بعادهم بدالى

سمت ولدها على اسمى 

خــــايف تحــــبه بدالى

- على أن التأثير الأكبر يتمثل فى تعميق المشاركة الوجدانية بين المبدع والمتلقى فى هذا الإبداع الشفاهى ، التى سمحت لفن الواو بعد رسوخه باستيعاب القصص الملحمى ، فكانت السيرة الهلالية الصعيدية التى تم نظمها من خلال مجموعة من مربعات الواو ، حيث شاعت هذه السيرة فى صعيد مصر كله ، وما زالت تتردد حتى اليوم .

* ومن أشهر مربعات ابن عروس : 

ولابد من يـوم معلـوم

تترد فيـه المظـالم

أبيض على كل مظلـوم

وأسـود على كل ظـالم

مسكين من يطبخ الفـاس

ويريد مـرق من حـديده

مسكين من يعاشر النـاس

ويـريـد من لا يـريـده

إوعى تقول للنـدل يا عـم

وان كان على السرج راكب

ولا حد خالى من الهم

حتى قلوع المـراكب

كيد النسا يشبـه الكى

من مكرهم عدت هارب

يتحزمـو بالحنـش حى

ويتعصبـو بالـعقـارب

الليـل مـا هـو قصير

إلا على اللى يـنامـه

والشخـص ما دام فقير

ما حد يسمـع كلامه

أنا باوَحِّد اللي خلق الناس

خلق مسلمين ونصارى

وناس نامت على فَرش وِكْناس

وناس ع المعايش حيارى

طبيب الجرايح قوم اِلحق

وهات لي الدوا اللي يوافق

فيه ناس كتير بتعرف الحق

ولاجل الضرورة توافق

فَرَطت قِلعِي ماجانيش ريح

وعاودت ع البَر ناوي

ياما ناس زيِّنا مجاريح

لكين صابرة ع البلاوي

سكت الهَوى والناموس طار

والسبع طاطى بعينه

خليه دا النومِ أستار

لما الكلب ياخد يومينه

شوف الزمان انتهت عَدَليه

وادي البُطْل ع الحق راكِب

جه السبع يُطلُب عدليه

لَقَي الهِلف ع التخت راكب

يا قلبي إوعى تعاشر الدون

ولا تكلِّمُه بالاشتراحة

تكلمه الكلامِ موزون

تلقاه يرد بقباحة

جاني طبيبي مع العصر

وف إيده ماسك عصاية

اتاري طبيبي قليل أصل

من خصمي جابلي الوصاية

كلام الغَرَأبا حِمِلناه

فات علينا كما ريح هاوي

كلام القرابا إخ منَّاه

وياجي فوق فرش الكلاوي

غربي بلدنا بلد سيح

وادي الهِلف ماشي ورانا

مش عيب كراسي التماسيح

تقعد عليها " الوِرانا " ؟

اللي حبنا حبناه

وصار متاعنا متاعه

واللي كرهنا كرهناه

ويحرم علينا اجتماعه

*دبلوماسي مصري وسفير سابق لدى اليمن

** المرجع : مصادر متعددة .

الحجر الصحفي في زمن الحوثي