تفكيك اليمن من الداخل

د. محمد شداد
الاثنين ، ٢٧ يونيو ٢٠٢٢ الساعة ٠٢:٠٧ مساءً

برغم زحمة الصراع الدموي وغصة آثاره ونتائجه الكلية والجزئية، إلا أنه لازال هناك من الأرواح التي تنشر آثارها السلبية على لُحمة الشعب اليمني ومحاولة لملمة جراحه والإتجاه نحو العدو المشترك لمحاربته واستئصال فكرته من الفضاء اليمني عمومه وخصوصه، الهم الذي يوحي بفيضية الهم البردوني في قصيدته الغزو من الداخل فكانوا هم الشخوص المعنيين والمشار إليهم فيها بكل إيحاءاتها ومعانيها إذ قد يأتون بحسب توصيفه لأحوالهم. "في أقراص منـع الحمـل، وفـي حـريـة الغثـيـان ، وفي عَود احتـلال الأمـس، فـي قنينـة الوسـكـي وفـي قـارورة العـطـر".

لأن الكثير منهم لا زال يعمل في سوق الانتهازية والقروية الواسعة التي فتحتها أبواب الحرب وأثْروا على حساب الجروح الساهدة في ليالي الحرب اللعينة، التي لم تترك بيتاً في اليمن إلا وأصابها فقدان شهيد أو هدم بيت أو عذاب سجين أو إقصاء مناضل واغتيال مخلص وقهر شريف، أو تشريد محايد أو إصابة هم وارتفاع الأسعار وتردي الخدمات واعتصار أمعاء البطون. لازال هناك من هؤلاء الأشباه يعملون في هرج ومرج القروية الآسنة، يعملون بوجوه جفت منها كل ألوان ومياه الحياء مارسوها بطريقة أنانية مريضة، إذ لا يمكن أن يمارسها ذوي الفطرة الإنسانية السليمة لأن انهراق الدم وصرخات المظلومين وأنين المكلومين يوقظ كل عاري عن الأخلاق والمنحل عن القيم الإنسانية ويصحون، منهمكين في غيهم يخلعون عن اليمني يمنيته ويسلخونه عن تاريخه وينكر أصله ويطلق عبارات غزو اليمن للجنوب اليمني.

 كهاني مشهور ونظائره الذي لو نظر إلى المرآة لأيقن هو ذاته وحلف غليظ الأيمان أنه هو في الأصل ليس يمنياً ولا حضرمياً ولا عربياً بل معول هدمٍ رخيص مثير للفتنة يخوض فيما لا يعنيه بالمقابل ليس إلا، وكثير أشباهه ممن عبروا جنوب اليمن إلى شماله إبان التشطير وقطعوا الجوازات وانطلقو للغربة في كل اتجاه فلم يعودوا بعدها بأبجديات الوفاء بعد أن شبعوا أموالاً وتجارة بل عادوا بحمولات الحقد والضغينة والتشوية المستمر للشمال عموماً وتعز على وجه الخصوص! أما حاملي البنادق والفشق وعشاق القوارير لاملامة لأن اللوثة التي أصابة وعيهم هي ذاتها التي أصابت حملة البنادق من شمال الشمال مع الحوثي وبقايا الإمامة الراجعة.

وفي الوقت الذي تتجه الأنظار إلى تحرير مدن يمنية واسعة واقعة تحت الأسر السلالي وإطلاق صراح أهلها من القيد الفارسي الملفع بغطاء سلالي والمزخرف بمقولات خرافة الحق الإلهي في الحكم وظَلال من سِيقوا كوقود في حروبها التاريخية الدائمة، يعمل المتصعلكون وضاربي المندل والنشاز وقارعي الطبول بحسب وصف ابن خلدون في مقدمته في حال انهيار النُظم على تشتيت ذهنية التحرير والوقوف أمام أي قيادة انتُخبت أو عيُنت لتحقيق آمال اليمنيين وإزاحة غُصة الكهنوت من على سمائهم وأروائحهم..

وما تمر به اليمن من أحداث مريرة اليوم ليس بدعاً بل هو جزء من سلسلة تاريخية طويلة ومتعاقبة واعتادت عليها الأمم تحديداً اليمنية منذو أن دخلها الرسي، أحدث تتصاعد أثناء الحروب وتفكك الدول وغياب القيم والقيادة الوطنية الجامعة، غير أن ظاهرة التردي القيمي والأخلاقي الذي أصاب صلب بعض حاملي الأقلام ومتصدري المشهد اليمني وحاملي الرايات المختلفة والأهواء العقيمة مؤخراً باتت استثنائية وليس لها شبيه في تاريخ الصراعات والحروب الكل يرضع من نجيع أساها ودموع ثكلاها ودماء جراها ولا تعاف نفسه أو يردعه عقل أو تصده صرخةً من ضمير..

الحجر الصحفي في زمن الحوثي