نحو إستراتيجية وطنية يمنية للأمن الغذائي

د. علي العسلي
الأحد ، ١٢ يونيو ٢٠٢٢ الساعة ٠٨:٤٣ مساءً

إنّ تحقيق الأمن الغذائي يُعدّ التحدي الأكبر من بين التحديات الكثيرة المنظورة أمام مجلس القيادة الرئاسي وحكومة الكفاءات السياسية. فالجوع باليمن أصبح يهدد سلامة النسيج الاجتماعي وعاداته وتقاليده واخلاقه.

ولذا بات من الضرورة الملحة إيجاد إطار سياسي وقانوني وتشريعي للأمن الغذائي، حتى يعم سبل العيش الكريم كافة أرجاء اليمن.

إن موضوع الأمن الغذائي غدى هماً وطنياً عاماً (رسمياً وشعبياً)؛ خصوصا بعد انهيار الدولة بسبب الانقلاب، وتفاقم الجوع باستمرار الحرب (حرب الحوثين على عموم الشعب اليمني في كافة المجالات).

فنقص الوقود وارتفاع أسعاره أثر على الزراعة ووصول السلعة لمائدة المستهلك بسعر مقبول ومقدور الدفع.

ونضوب العملة الأجنبية أثرت على استيراد مدخلات الإنتاج واستيراد السلع الغذائية، إضافة إلى القيود المفروضة بفعل الحصار، والإجراءات غير القانونية بفرض رسوم جمركية متكررة لنفس السلعة على امتداد الطرق الداخلية. كذلك هناك بعض الإجراءات التعسفية على حركة الأفراد والأموال ألقت بظلالها على انعدام الغذاء.

إن تفشّي الفقر أصبح ظاهرة عامة في اليمن (إذ أشار أحد تقارير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إلى أن اليمن يعد حاليا من بين أفقر البلدان في العالم، ولا يمكنه إنهاء الفقر المدقع إلا في غضون جيل واحد- أي بحلول عام 2047 - شريطة أن تتوقف الحرب المدمرة الآن. ويعيـش حاليا حوالي 16 مليون نسمة، أي أكثر من 52% في حالة الفقر المدقع).

كذلك فارتفاع نسب الأُميّة، وتدمير العلم وتجهيل المتعلمين من قبل الحوثيين قد أسهما في تغييب وعي الناس وتعظيم خزعبلات المعتقدات، مما جعل كثيرون يتباهون ويتفاخرون بسخائهم للمجهود الحربي على حساب قوت يومهم. إن مستوى الإنتاجية في اليمن منخفض بدرجة عالية (أقل من 1 طن/هكتار من الحبوب على سبيل المثال) جعل اليمن مستورد رئيسي لأكثر من تسعين بالمئة من الاحتياج، أسهم في ذلك شحّ المياه وتلوثها، والاعتماد على الزراعة المطرية المتذبذبة من سنة لأخرى، وبسبب ذلك فقد تفشت الأمراض المعدية والخطيرة مثل الكوليرا والدفتيريا.

كذلك أسهم الانكماش الاقتصادي لليمن الذي بلغ أكثر من 50% على انتشار المجاعة؛ كما أن التدخل الحكومي الواسع النطاق في الأنظمة الغذائية لا يشجع على تطوير قطاع الزراعة ورفع نسب الاكتفاء الذاتي من الأغذية.

إن سبل عيش المستدامة والمستقلة معدومة، بسبب عدم المساواة وعدم العدالة وانخفاض دور المرأة والحرمان في فرص التعليم المتساوية خصوصا الفتيات والنساء. كذلك انقطاع الرواتب قد أسهم في إذلال الناس في المشرب والمأكل والمسكن وفي الحصول على الدواء.

وانخفاض التحويلات قد زادت من معاناة الاسر، وزيادة نسب النازحين والمهمشين أثر على الزراعة وعلى استقرار المجتمعات، وارتفاع أسعار الغذاء في ظل انخفاض مصادر الدخل وفرص العمل، وأيضا عدم استقرار المساعدات الانسانية (انخفاض الاستجابة الإنسانية او الوفاء بالتعهدات) قد كان له بالغ الأثر في حصول الناس على الحد الأدنى من احتياجهم.

ولا ننسى أن المؤسسات اليمنية قد دمرت بعد استيلاء الحوثي عليها؛ بعد أن كانت في الأصل ضعيفة على اختلاف أشكالها وعدم قدرتها على لعب دور فاعل في عملية التنمية من اجل النهوض باليمن تعليمياً وثقافيا وزراعياً وصناعياً وصحياً.

كذلك فإن التحديات البيئية المتمثلة بالتصحر وتلوث الهواء بسبب الغازات الصادرة من مخلفات الحرب، واستخدام المبيدات الحشرية بإفراط؛ وتأثيرات التغير المناخي قد أثر تأثير كبيرا وضارا على القطاع الزراعي وانتاجيته، أضف الى ذلك هجرة الزراعة من العمالة إلى الجبهات وإلى الخارج، حيث انخفضت بشكل كبير في الزراعة. وكان لجائحة كورونا أثرا بارزا في وجوب تسليط الضوء على أهمية الأمن الغذائي.

ومن هنا فإن الحاجة إلى وجود استراتيجية للأمن الغذائي في الجمهورية اليمنية هي حاجة ملحة وأولوية قصوى. إن صياغة وتنفيذ استراتيجية للأمن الغذائي تشكل فرصة للحكومة اليمنية وللشركاء المحليين والدوليين الذين يدعمون اليمن ويريدون إخراجها من أزماتها السياسية والاقتصادية والإنسانية (الكارثية)، وللعودة باليمن للاستقرار والسلم وحتى لا يكون مصدر تهديد للإقليم والعالم. إن تحقيق الأمن الغذائي يحتاج مواجهة التحديات الكثيرة والمركبة الحاصلة باليمن السعيد. إن توفير الغذاء يعني ضمان أمن اليمن وحفظه من التشظي ومن العسكرة والملشنة وتصدير الارهاب، ولذلك مجرد التفكير بالحصول على الطعام والصحة والتعليم والطاقة يسمى بالأمن الغذائي، غذاء الأبدان والارواح واستقرار الأوطان.. يتبع..

الحجر الصحفي في زمن الحوثي