محاولة اغتيال فاشلة للمختبرات الطبية في صنعاء

د. سمير الشرجبي
الاربعاء ، ٢٥ مايو ٢٠٢٢ الساعة ١٠:٠٢ مساءً

بعد ثمان سنوات من المعاناة المستمرة لليمنيين من جراء الانقلاب على الدولة اليمنية في 21 سبتمبر 2014 واجتياح المليشياء لجامعة صنعاء وتحويلها الى حوزة تامر وتنهي وتلطم فيها دون رقيب او حسيب او عتيد مرغت بالعلم فيها بالتراب وبالعلماء لم تبقى عقاب حيث اتخذت بحقهم فصل تعسفي وطرد وحبس وسجن واخفاء قسري وحتى الموت تسلل من بين براثن هذه المليشيا وادواتها لتغتال الجامعة بكوادرها وادارييها وطلابها وطالباتها.

مشهد قاتم مخيف محزن ومخجل لم نكن يوما نتوفع ان نعيشه يوما ولا حتى في الكوابيس لانه بالفعل لا يخطر على بال بشر ولا يمكن ان يقوم به بشر او حتى الجان والشياطين الذين تنحوا جانبا واعتكفوا لان امام ما تقوم به مليشيا ايران فاق شيطناتهم.

ما إستفزني للكتابة وقد كنت هجرتها هو قرار مجلس جامعة صنعاء نقل شعبتي (المختبرات الطبية والتمريض) من (كلية الطب والعلوم الصحية – جامعة صنعاء) الى كلية مستحدثة إسمها (كلية العلوم الطبية التطبيقية) وهي احدى نبتات المليشيا الشيطانية التي زرعتها في قلب كلية الطب والعلوم الصحية وجامعة صنعاء للجباية وسلب الشعب كل قرش يمكن ان يوفره ليدرس ابنائه وبناته في ما سمي بالتعليم (بالنفقة الخاصة) والمقررة ب 2400دولار للعام لاي من التخصصات المختلفة في هذه الكلية (علاج طبيعي – تغذية علاجية – اطراف صناعية – تخدير – السمع والكلام) المهم قائمة من التخصصات في مباني كلية الطب والعلوم الصحية نفسها التي اهدتنا ايها دولة الكويت الشقيق ولم نستطيع من يومها ان نضيف عليها حجر بل دمرنا جزء مهم من مقتنيات هذه الكلية الفريدة في المنطقة العربية و التي ضاقت بما تحتوي اصلا من كليات (طب بشري – صيدلة – مختبرات – تمريض ) بالاضافة الى كلية الاسنان التي مازالت تستحوذ على جزء من مباني الكلية ايضا.

ليس هذا فقط بل ان كافة أعضاء هيئة التدريس ومساعديهم في الكلية ومثلهم الزملاء في ثمانية جامعات يمنية في مناطق سيطرة المليشا الايرانية لا يتقاضون رواتبهم منذ أكثر من ست سنوات وعليهم ان يستمروا بالقيام بالعملية التعليمية وبالقوة (كسخرة) والجماعة وانصارها واتباعها يتقاسمون المغانم.

قرار (مجلس جامعة صنعاء) بضم والحاق المختبرات الطبية بهذه الكلية الغير شرعية اصلا هي جريمة اغتيال مع سبق الاصرار والترصد والهدف منها ليس تطوير العملية التعليمية والرفع من مستوى الاداء وتطوير التعليم لاسمح الله بل فتش عن المال والجاه والسلطة.

قرار سيسحب الملايين من ميزانية كلية الطب والعلوم الصحية الى صندوق الجماعة كون هذه الكليات منتسبيها عشرا اضعاف من ينتسبون الى الاقسام الجديدة في الكلية الجديدة وهي ايضا عملية تطويع لاعضاء هيئة التدريس في هاتين الشعبتين لصالح ما تم إستحداثه دون دراسة او ميزانية او مباني او معامل او افق يتناسب واهمية التخصصات الهامة التي تم تسميتها في هذه الكلية رغم اهميتها كما اود ان اكرر.

وفي هذا السياق اود ان اشير أن من تجرأ واتخذ هذا القرار دون دراسة ولا معرفة او ادراك ان شعبة المختبرات الطبية او الطب المخبري كم يصطلح في الاتحاد الدولي للكيمياء الحيوية والطب المخبري (AFCC and Laboratory Medicine) عليه ان يعرف ان هذا التحصص عنوان المقال اليوم قد تاسست قبل 44 عام وعلى يد خبراء يمنيين ودوليين وبدعم من قبل منظمة الصحة العالمية وكان لي الفخر ان اكون احد منتسبي هذه التخصص الذي لم ادفع لاتعلم فيه (ريال واحد) بل حينها كنا نستلم منح من قبل (منظمة الصحة العالمية) وكنت قد اخترت هذا التخصص بديل عن السفر الى سوريا لدراسة الهندسة الزراعية بحسب تنسيق وزارة التربية والتعليم ايام ما كان معنا دولة .

هذا التخصص كان هو النواة الذي على وجوده وأسسه واعضاء هيئة التدريس ومعامله وقاعاته بنيت كلية الطب والعلوم الصحية وبالفعل دفعتي كانت الاولى التي نتخرج فيها بشهادة بكالاريوس مختبرات طبية من كلية الطب والعلوم الصحية عام 1985 (أساسي دم وفرعي كييمياء حيوية), وهكذا كانت هذه الشعبة هي النواة التي من دونه ماكان لكلية الطب ان تنشاء وكان اعضاء هيئة التدريس فيه ومازالوا حتى اللحظة لمن لا يعلم هم العمود الفقري للتدريس في كلية الطب حيث ان طالب الطب البشري عليه ان يمر بالدراسة في الدائرة الاساسية وهي تشمل اقسام الكيمياء الحيوية والتشريح والفسيلوجيا والانسجة وهي ايضا الاقسام كانت إساسا متوفرة لتدريس طلبة المختبرات الطبية في نهاية السبعينات وبداية الثمانينات وحتى اللحظة بالاضافة الى ذلك يدرس الطلبة العديد من المقررات في الدائرة التطبيقية وهي علم الدم والميكروبيولوجيا والفيروسات والباثولوجيا لينتقلوا بعدها الى الدرائرة السريرية والعمل في المستشفيات.

إذا شعبة المختبرات الطبية هي اساس البناء وليس طوبا ترمى في كلية يتم الاعلان عنها دون اي مقومات ولا امكانات الا للكسب المادي والجبايات من ابناء هذه الوطن الذي تحتل مؤسساته بقوة السلاح والذي ندرك جميعا من ان بدون هذا السلاح لن ترى هذه الجماعة يوم اخر.

كان عنوان المقال هو إغتيال المختبرات وعندما وصلني رسالة الزملاء في مجلس كلية الطب والعلوم الصحية والتي احييهم عليها باسمي واسم كل الزملاء والزميلات في شعبتي المختبرات والتمريض والتي يرفضون فيها قرارات ما يسمى بمجلس الجامعة غيرت العنوان الى محاولة إغتيال والذي ان اتمنى تبقى محاولة اغتيال فاشلة والمعيب ايضا انهم في مجلس الجامعة كما واضح لم يستشيروا عمادة كلية الطب ناهيك عن مجلسها الموقر حتى من باب الذوق والمجاملة في تجاوز لكل الاعارف والقونين.

لا استطيع هنا الى ان أشير الى نقطة هامة يحتاج يعرفها الجميع وهي ان هذه الشعبة هي فخر التخصصات الطبية اليمنية وعلى اليمن كلها ان تفخر بعلمائها وتدرك ان هذا التخصص تخرج من بين ثنائاه مئات العلماء ودون مبالغة الذي فتحت لهم ابواب اهم الجامعات في العالم في اميركا وكندا والمانيا وبريطانيا وفرنسا واليابان والصين وماليزيا ومصر والاردن وغيرها الكثير من الدول ليكونوا باحثين جادين فيها ويحصلوا على اعلى الدراجات العلمية دون اي تعثر بل يضاهون زملائهم من دول العالم ان لم يكونوا في الغالب الافضل وهم من عاد وساهم في العلمية التعليمية في الجامعات اليمنية وخريجي هذه الشعبة او التخصص هم عمل على تطوير تخصص الطب المخبري فنرى المختبرات الطبية في اليمن في ابهى صورها من معامل راقية وتقنيات حديثة وكفأت نادرة يعتز بها كل يمني مع العلم ان عشرات من زملائنا اصبحوا اعلام اكاديميين وباحثين على مستوى عالي جدا في الجامعات العلمية وحصل العديد منهم على ترقيات وصلت للاستاذية بكل جدارة واقتدرا بعد ان اقفلت امامهم الابواب للعودة الى اليمن بسبب الحرب التي تسببت بها مليشيا ايران في 21 سبتمبر 2014.

في الاخير احيي كل الزملاء والزميلات على التفاعل الكبير والرفض الواسع للقرار الذي اصبح حراكا وطنيا حقيقيا اظهر مدى قوة هذا التخصص والانتماء اليه وتاريخه ووجوده وهنا ايضا احيي نقابتنا نقابة الطب التشخيصي على بيانها الشجاع وموقفها المبدئي في رفض هذا العبث داعيين الى التراجع عن هذا القرار والذي لا يمت بالعمل الاكاديمي بصلة وتاكدوا ان اي قرار قد يتخذ بحق هذه الشعبة لن ينال من عزيمتنا ولن يرى طريقه الى النور مادمنا جميعا متحدين.

* د. سمير عبدالغني طارش  *إستاذ علم الدم ونقل الدم – كلية الطب والعلوم الصحية - جامعة صنعاء

الحجر الصحفي في زمن الحوثي