التحالف الغادر بين إيران وإسرائيل وأمريكا

فؤاد مسعد
الخميس ، ٢٨ ابريل ٢٠٢٢ الساعة ٠٣:٥٤ صباحاً

يكشف كتاب (التحالف الغادر) للدكتور/ تريتا بارسي، حقائق مهمة عن العلاقات الخفية بين إسرائيل وإيران والولايات المتحدة الأمريكية، خلافاً للأمر السائد عن توتر العلاقات بين الأطراف الثلاثة، إلى الحد الذي بدأ البعض يتوقع اندلاع حرب وشيكة بين إيران من جهة وإسرائيل وأمريكا من جهة ثانية.

صدر الكتاب باللغة الإنجليزية عام 2007 عن جامعة يال الأمريكية، بعنوان Treacherous Alliance ، وصدرت طبعته العربية في العام 2008 عن الدار العربية للعلوم (ناشرون).

واعتمد المؤلف على مقابلات أجراها مع مسؤولين وصناع قرار ومحللين إيرانيين وإسرائيليين وأمريكان، تم اعتمادهم بناء على مشاركتهم في السياسة الخارجية وخبراتهم والمعلومات التي يمتلكونها، وفيها معلومات تعتبر سرية.

مؤلف الكتاب

بالإضافة إلى أهمية الكتاب بالنظر إلى موضوعه ومضامينه فإن مؤلف الكتاب "تريتا يارسي" أو فارسي، ليس كاتباً عادياً، فهو من أهم الخبراء في مجال العلاقات الإيرانية الأمريكية، وهو إيراني الأصل، وحاصل على الجنسية السويدية ويعيش حالياً في الولايات المتحدة الأمريكية، ويعمل باحثا أكاديميا ويكتب في عدد من الصحف الكبرى.

يجيد اللغات الإنجليزية والفارسية والسويدية، وحصل على الدكتوراه في العلاقات الدولية من جامعة هوبكنز بعدما حصل على الماجستير في العلاقات الدولية من جامعة اوبسالا وماجستير ثانية في الاقتصاد من كلية ستوكهولم.

وله خبرة واسعة في شؤون الشرق الأوسط، خاصة في الشأن الإيراني لقربه من صناع القرار الأمريكيين والإيرانيين، وتستشيره حكومات غربية في شؤون العراق وإيران وأفغانستان ودول أخرى في المنطقة.

يدعو فارسي صانعي القرار الأمريكان والأوروبيين إلى استيعاب النظام الإيراني وعدم مواجهته، لذلك اتهمه إيرانيون وأمريكيون بالعمل لصالح نظام الحكم في طهران، ونشرت واشنطن تايمز مقالا مطولا في العام 2009 متضمنا تلك الاتهامات، وهو ما ينفيه زاعما أنه يعمل لصالح المجتمع الإيراني وليس حكومة طهران.

لا مصداقية لشعارات الموت.. المصلحة هي الأساس

يشير المؤلف في مقدمة كتابه إلى أن الأساس الذي يحكم العلاقات بين الأطراف الثلاثة إيران وإسرائيل والولايات المتحدة مرتبط بالتحولات الجيوسياسية وليس الأيديولوجية، ويقول إن العداوة الحالية ليست مرتبطة بثورة الخميني 1979 قدر ارتباطها بالتغيير في موازين القوى في الشرق الأوسط عقب انتهاء الحرب الباردة، مضيفاً أن الثورة لم تمنع إسرائيل من دعم إيران وسعيها لمحاولة تحسين العلاقة مع حكومة الخميني كثقل مكافئ لأعداء إسرائيل من العرب.

ويقول المؤلف: "من دواعي السخرية أنه عندما دعا القادة الإيرانيون إلى تدمير إسرائيل في ثمانينيات القرن الماضي، كانت إسرائيل واللوبي المؤيد لها في واشنطن يحاولان التأثير في الولايات المتحدة وحملها على عدم الالتفات إلى الخطاب الإيراني".

وفي قضية فلسطين التي تجاهر طهران بتقديم نفسها كأبرز داعمي القضية لكنها لم تقرن الكلام بالفعل كما يرى مؤلف الكتاب. بل أنه يؤكد أن إيران تعتمد كثيرا على الدولة اليهودية في العمل على تحسين علاقاتها بواشنطن.

ومع التأكيد على أن لكل من القادة الإيرانيين والإسرائيليين وجهات نظر وأيديولوجيات مختلفة غير أن هذه الأمور لا تأثير لها في السياسة الخارجية للطرفين، أو أن هذه الأيديولوجيات ليست العامل الرئيس في العلاقات بينهم.

إيران تعتمد في تقديم نفسها للخارج خطابين مزدوجين: الأول خطاب أيديولوجي موجه للمسلمين باعتبار إيران جمهورية إسلامية تدعم قضايا المسلمين وتحارب أعداء الأمة في إسرائيل وحلفائها وداعميها، والخطاب الثاني خطاب المصالح المشتركة مع الدول العظمى في الشرق والغرب، وهو خطاب يقدم إيران كصاحبة هوية وإرث حضاري مغاير للعرب وتاريخهم ومعتقداتهم، استنادا على ممالك فارس القديمة وامبراطوريتها التي حكمت قبل ظهور الدين الإسلامي، إلى حد أن بعض مفكري الغرب باتوا يعتقدون أن إيران أقرب إلى أوروبا منها إلى العرب، وهو ما ذهب إليه هيجل في استنتاجاته عن التاريخ والحضارات القديمة.

والمؤلف يرى أن الخطاب الأيديولوجي لبعض القادة الإيرانيين أعمى المحللين الغربيين عن رؤية الحقيقة المتمثلة في وجود ما هو أهم لدى هؤلاء القادة الذين يجاهرون بالتهديد والوعيد، واستحضار المعارك الأيديولوجية، بينما هم في الواقع يعملون على تحقيق مصالحهم، حتى ولو كانت بالتعاون والتنسيق والاتفاق مع العدو الأخطر والشيطان الأكبر.

وبحسب بعض المراقبين فإن شعارات إيران التي تتضمن الموت لأمريكا- الموت لإسرائيل لا شيء حقيقي وواقعي يدعمها ويؤكدها، والعكس هو الصحيح، أن إيران تصدر الموت للعرب، كما هو الحال في العراق ولبنان وسوريا واليمن.

ثقافة ومصالح مشتركة

اليهود والإيرانيون ليسوا غرباء عن بعضهم. فثقافة الطرفين، وديانتاهما، وتاريخاهما متشابكان بشكل وثيق منذ العصور البابلية، يقرر المؤلف ذلك لينطلق إلى الحديث عن قواسم وروابط مشتركة بين الإيرانيين والإسرائيليين، الذين يجمعهم العداء للجوار العربي، ومن ثم فهما يعملان على تقاسم النفوذ والعداء في المنطقة العربية.

وانطلت الكذبة على العرب فصدق بعضهم أن إسرائيل سوف تحارب إيران نيابة عنهم، وصدق عرب آخرون أن إيران سوف تدمر إسرائيل لأجل سواد عيونهم، فيما الحقيقة أن الطرفين متفقان على تحقيق مصالحهما الموجودة في الأرض العربية ذاتها.

تتقارب اليهودية مع الفرس كثيراً، وتؤكد ذلك بعض نصوص العهد القديم مثل قصة الملكة استير اليهودية التي أنقذت شعبها من مذبحة كانوا سيتعرضون لها في إحدى ممالك الفرس قبل الميلاد.

كما ان الطرفين يوجد لديهما عداء وحقد مشترك على العرب، بل ان نظرة الفرس والإسرائيليين للعرب تبدو متوافقة، فالطرفان يعتقدان ان العرب امة متوحشة غير متحضرة، تتطابق في ذلك مرويات الفرس وفي مقدمتها ملحمة الشاهنامة التي تعتبر إنجيل الفرس، وتصف العرب بالوحوش، ومرويات اليهود التي تجعل العداء للعرب والمسلمين مادة أولية مشتركة بين الطرفين.

أسياد الخداع

هذه الصفة ظلت لصيقة باليهود في أوروبا سنوات طويلة وفقا لتجارب الاوربيين معهم، غير أن اليهود القادمين من أوروبا إلى فلسطين يكتشفون أن الإيرانيين هم أيضا سادة في الخداع، وهو ما يؤكده يهود إيرانيون حينما يلتقون بإخوانهم يهود أوروبا.

ويثبت الكتاب نقلا عن الشخصيات التي قابلها المؤلف تبادل الثناء بين طهران وتل ابيب خلافا للحرب الكلامية التي تتداولها وسائل الإعلام ويصدقها بعض العرب، مثل قول زعيم إسرائيلي: نحن شديدو الشبه بإيران، ويقابل ذلك مسؤول إيراني بالتصديق على كون الطرفين سادة في الخداع والمراوغة.

الحجر الصحفي في زمن الحوثي