عندهم أوراق الربيع وعندنا أوراق الخريف !!!!!

برفيسور: أيوب الحمادي
الأحد ، ١٣ مارس ٢٠٢٢ الساعة ١٠:٤٦ مساءً

 

حياة غيرنا تشبه اوراق الربيع مهما تقدموا بالعمر وعندنا اوراق الخريف مهما كنا في منتصفه من باب المقاربة لكل مايحدث. فجاري كان يبلغ من العمر ٩٢ عام، وكان عندما التقي به يقول لي انه لن يموت الا عندما يبلغ من العمر ٩٥ على الاقل. وحجته ان ابوه مات في ٩٥ واخوه الكبير كذلك تقريبا، فلماذا يجب ان يموت قبلها اذاً.؟ تلك الايام كان قد دخل علاقة غرامية وحب جديدة مع واحدة عمرها ٧٢ سنة وكانوا يخرجون معا مثل المراهقين. كنت بصراحة ارتاح جدا وانا اسمع له واشاهد سعادته. وكنت حزين اكثر بعدها عندما مات وعمره ٩٣ سنة بسبب حادث لانه لم يكمل السنتين التى ارادها.

جاري الاخر عمره اليوم ٧٨ عام تقريبا، له ١٣ سنة منذ طلع على المعاش اي تقاعد، يصحى الصباح في الشتاء على مشارف الساعة الخامسة والنصف، ويذهب الى البحيرة القريبة يسبح فيها دقائق و يعود حتى يزيح الثلج من امام العمارة بعمل تطوعي، ومن دون مقابل. كنت اخرج الساعة السابعة صباحا واجده امامي كل يوم يبتسم ويستمتع بالحياة. هذا الجار اسميه انا سوبرمان، لانه كان عندما يسلم عليا قبل سنوات يهز يدي لدرجة احس انه لو خبط الحائط فلن يصمد امامه. هذا يعيش حياة المعاش رياضة وخروج بالعجلة "دراجة"، وفي الصيف يقف في وسط المدينة يبيع فرولة من حديقته او غيرها برغم انه لا يحتاج المال حسب مافهمت منه، ولكن متعة العمل جزء من الحياة، وبرغم اني انتقلت من جواره قبل سنوات انما كلما يلتقيني بالمدينة يسلم عليا بحرارة، وكأنه اب لي او صديق.

جاري في الدور الرابع ايضا على المعاش كنت احاول اتجنبه عندما كنت جاره قبل سنوات، لانه سوف يتناقش معي حول امور الكون كله، وحول كل ماقرأه في الصحف في ذلك اليوم، وهو طول وقته سعيد وعلى العجلة " دراجة" من مكان الى اخر وعمره كان على مشارف ال٧٠ وقتها. وجارتي في الدور الاول تعدا عمرها ٨٠ سنة وهذا كان قبل ٥ سنوات وعرفتها لانها طلبت مني اترجم لها وصية بالانجليزي وصلتها. المهم هذا حولي، وليس الامر استثناء. فالكل ينتظر بفارغ الصبر ان يطلع على المعاش، والكل يبدأ معه مرحلة جديدة، واكثر راحة في اخر مرحلة للحياة، والتي قد تصل الى ٣٠ او ٤٠ سنة. والكل قد اكمل مهمته بنجاح كأب وعامل وموظف واستقر الاطفال في بيوتهم ولايحتاجون يغثوا على اهليهم بطلب مال او ميراث. الكل يبتسم، وغير قلق، ويحاول يكن اكثر سعادة، ويستغل كل يوم في حياته ليستمتع اكثر.

اما في اليمن بعد سن ال ٥٠ الكثير يتساقطون-اهلنا والاصدقاء والجيران- كورق الخريف امامنا، بعد ان يصلوا الى مرحلة الاحباط، او الاستسلام للوضع، والمرض، والفقر، او قلة المال حتى وان لم يتحدث احدهم مع من حوله. لا عناية صحية نجدها لهم كون رجال الدولة لم يهتمون بذلك واسرهم في الخارج يجدون كل عناية، لا ثقافة رياضية نشرنا، لا تغذية صحية اوجدنا بسبب قلة الامكانيات لكل اسرة، لا راحة نفسية، لا بئية نظيفة، لا امان، لا مال، لا بيت او وظيفة سع الخلق، والقات والسموم والقلق على الاطفال ومستقبلهم في بلد تنتشر فيه الصراعات الغير منتهية اكملوا على الباقي وجعلوا حياة اليمني معاناة وطوابير لاتنتهي، فلم يبقى بعد ذلك وقت في حياة الكثير للتفكير في سر توجدنا في هذه الحياة او حتى الاستمرار فيها ولذا الكل يسقط امامنا من الارهاق والقلق والفقر دون ان يتحدث او نشعر.

واخيرا على قناعة انه لو نترك ثقافة التسلط والمشاريع الصغيرة ونحتكم لصراع مشاريع التنمية، لتوفرت لنا فرصة نستطيع ان نبني وطن للجميع، وننافس به غيرنا، ندير داخله عجلات التنمية بدل النزيف والركود الحاصل، ومشاريع الموت، والاخفاق، والشطحات التي لم توصلنا الا الى طوابير اهدار الكرامة، التي تتوسع كل يوم اكثر.

الحجر الصحفي في زمن الحوثي